[ حكم من أعتق عبيدا له في مرضه أو بعد موته ولا مال له غيرهم ]
وذلك أن الفقهاء اختلفوا فيمن أعتق عبيدا له في مرضه أو بعد موته ولا مال له غيرهم .
فقال : مالك وأصحابهما وأحمد وجماعة : إذا أعتق في مرضه ولا مال له سواهم قسموا ثلاثة أجزاء وعتق منهم جزء بالقرعة بعد موته ، وكذلك الحكم في الوصية بعتقهم . والشافعي
وخالف أشهب وأصبغ مالكا في العتق المبتل في المرض ، فقالا جميعا : إنما القرعة في الوصية ، وأما حكم العتق المبتل فهو كحكم المدبر .
ولا خلاف في مذهب مالك أن المدبرين في كلمة واحدة إذا ضاق عنهم الثلث أنه يعتق من كل واحد منهم بقدر حظه من الثلث .
وقال : أبو حنيفة وأصحابه في العتق المبتل : إذا ضاق عنه الثلث أنه يعتق من كل واحد منه ثلثه .
وقال الغير : بل يعتق من الجميع ثلثه .
فقوم من هؤلاء اعتبروا في ثلث الجميع القيمة ، وهو مذهب مالك ، وقوم اعتبروا العدد . والشافعي
فعند مالك إذا كانوا ستة أعبد مثلا عتق منهم الثلث بالقيمة كان الحاصل في ذلك اثنين منهم أو أقل أو أكثر ، وذلك أيضا بالقرعة بعد أن يجبروا على القسمة أثلاثا ، وقال قوم : بل المعتبر العدد ، فإن كانوا ستة عتق منهم اثنان وإن كانوا مثلا سبعة عتق منهم اثنان وثلث .
فعمدة أهل الحجاز ما رواه أهل البصرة عن : " عمران بن الحصين " خرجه أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند [ ص: 698 ] موته ولم يكن له مال غيرهم فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة البخاري ومسلم مسندا ، وأرسله مالك .
وعمدة الحنفية ما جرت به عادتهم من رد الآثار التي تأتي بطرق الآحاد إذا خالفتها الأصول الثابتة بالتواتر . وعمدتهم أنه قد أوجب السيد لكل واحد منهم العتق تاما ، فلو كان له مال لنفذ بإجماع ، فإذا لم يكن له مال وجب أن ينفذ لكل واحد منهم بقدر الثلث الجائز فعلى السيد فيه ، وهذا الأصل ليس بينا من قواعد الشرع في هذا الموضع ، وذلك أنه يمكن أن يقال له : إنه إذا أعتق من كل واحد منهم الثلث دخل الضرر على الورثة والعبيد المعتقين ، وقد ألزم الشرع مبعض العتق أن يتم عليه ، فلما لم يمكن هاهنا أن يتمم عليه جمع في أشخاص بأعيانهم لكن متى اعتبرت القيمة في ذلك دون العدد أفضت إلى هذا الأصل ، وهو تبعيض العتق ، فلذلك كان الأولى أن يعتبر العدد وهو ظاهر الحديث ، وكان الجزء المعتق في كل واحد منهم هو حق لله فوجب أن يجمع في أشخاص بأعيانهم أصله حق الناس .