الباب الثاني
في معرفة أنواع النجاسات .
وأما أنواع النجاسات ، فإن العلماء اتفقوا من أعيانها على أربعة : الذي ليس بمائي ، وعلى ميتة الحيوان ذي الدم بأي سبب اتفق أن تذهب حياته ، وعلى لحم الخنزير نفسه من الحيوان الذي ليس بمائي انفصل من الحي أو الميت إذا كان مسفوحا ( أعني : كثيرا ) وعلى الدم ، وأكثرهم على بول ابن آدم ورجيعه ، وفي ذلك خلاف عن بعض المحدثين ، واختلفوا في غير ذلك ، والقواعد من ذلك سبع مسائل : نجاسة الخمر
المسألة الأولى
[ في ميتة الحيوان الذي لا دم له ]
اختلفوا في ، وفي ميتة الحيوان الذي لا دم له ، فذهب قوم إلى أن ميتة ما لا دم له طاهرة ، وكذلك ميتة البحر ، وهو مذهب ميتة الحيوان البحري مالك وأصحابه ، وذهب قوم إلى التسوية بين ميتة ذوات الدم والتي لا دم لها في النجاسة ، واستثنوا من ذلك ميتة البحر ، وهو مذهب ، إلا ما وقع الاتفاق على أنه ليس بميتة مثل دود الخل ، وما يتولد في المطعومات ، وساوى قوم بين ميتة البر والبحر ، واستثنوا ميتة ما لا دم له ، وهو مذهب الشافعي أبي حنيفة .
وسبب اختلافهم : اختلافهم في مفهوم قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة ) وذلك أنهم فيما أحسب اتفقوا أنه من باب العام أريد به الخاص ، واختلفوا أي خاص أريد به ، فمنهم من استثنى من ذلك ميتة البحر ، وما لا دم له ، ومنهم من استثنى من ذلك ميتة البحر فقط ، ومنهم من استثنى من ذلك ميتة ما لا دم له فقط .
وسبب اختلافهم في هذه المستثنيات هو سبب اختلافهم في الدليل المخصوص .
أما من استثنى من ذلك ما لا دم له ، فحجته مفهوم الأثر الثابت عنه - عليه الصلاة والسلام - ، قالوا : فهذا يدل على طهارة الذباب وليس لذلك علة إلا أنه غير ذي دم . من أمره بمقل الذباب إذا وقع في الطعام
[ ص: 68 ] وأما فعنده أن هذا خاص بالذباب لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " الشافعي " ووهن فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى دواء هذا المفهوم من الحديث بأن ظاهر الكتاب يقتضي أن الميتة والدم نوعان من أنواع المحرمات : أحدهما تعمل فيه التذكية وهي الميتة ، وذلك في الحيوان المباح الأكل باتفاق ، والدم لا تعمل فيه التذكية فحكمهما مفترق ، فكيف يجوز أن يجمع بينهما حتى يقال : إن الدم هو سبب تحريم الميتة ؟ وهذا قوي كما ترى ، فإنه لو كان الدم هو السبب في تحريم الميتة لما كانت ترتقع الحرمية عن الحيوان بالذكاة ، وتبقى حرمية الدم الذي لم ينفصل بعد عن المذكاة ، وكانت الحلية إنما توجد بعد انفصال الدم عنه ; لأنه إذا ارتفع السبب ارتفع المسبب الذي يقتضيه ضرورة ; لأنه إن وجد السبب والمسبب غير موجود فليس له هو سببا ، ومثال ذلك أنه إذا ارتفع التحريم عن عصير العنب وجب ضرورة أن يرتفع الإسكار إن كنا نعتقد أن الإسكار هو سبب التحريم . الشافعي
وأما من استثنى من ذلك ميتة البحر فإنه ذهب إلى الأثر الثابت في ذلك من حديث جابر ، وفيه " أنهم أكلوا من الحوت الذي رماه البحر أياما وتزودوا منه ، وأنهم أخبروا بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستحسن فعلهم ، وسألهم : هل بقي منه شيء ؟ " وهو دليل على أنه لم يجوزه لهم لمكان ضرورة خروج الزاد عنهم .
واحتجوا أيضا بقوله عليه الصلاة والسلام " " . وأما هو الطهور ماؤه الحل ميتته أبو حنيفة فرجح عموم الآية على هذا الأثر ، إما لأن الآية مقطوع بها ، والأثر مظنون ، وإما لأنه رأى أن ذلك رخصة لهم ، ( أعني : حديث جابر ) أو لأنه احتمل عنده أن يكون الحوت مات بسبب ، وهو رمي البحر به إلى الساحل ; لأن الميتة هو ما مات من تلقاء نفسه من غير سبب خارج ، ولاختلافهم في هذا أيضا سبب آخر وهو احتمال عودة الضمير في قوله تعالى : ( وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) ( أعني : أن يعود على البحر أو على الصيد نفسه ) ، فمن أعاده على البحر قال : طعامه هو الطافي ، ومن أعاده على الصيد قال : هو الذي أحل فقط من صيد البحر ، مع أن الكوفيين أيضا تمسكوا في ذلك بأثر ورد فيه تحريم ، وهو عندهم ضعيف . الطافي من السمك