الباب الرابع
في مسقط الواجب عنه من التوبة
وأما ما يسقط الحق الواجب عليه ، فإن الأصل فيه قوله تعالى : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) .
واختلف من ذلك في أربعة مواضع :
أحدها : هل تقبل توبته ؟
والثاني : إن قبلت فما صفة المحارب الذي تقبل توبته ؟ فإن لأهل العلم في ذلك قولين : قول إنه تقبل توبته وهو أشهر لقوله تعالى : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) وقول : إنه لا تقبل توبته ، قال ذلك من قال إن الآية لم تنزل في المحاربين .
والثالث : وأما فإنهم اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال : صفة التوبة التي تسقط الحكم
أحدها : أن توبته تكون بوجهين : أحدهما : أن يترك ما هو عليه وإن لم يأت الإمام ، والثاني : أن يلقي سلاحه ويأتي الإمام طائعا ، وهو مذهب ابن القاسم .
والقول الثاني أن توبته إنما تكون بأن يترك ما هو عليه ويجلس في موضعه ويظهر لجيرانه ، وإن أتى الإمام قبل أن تظهر توبته أقام عليه الحد ، وهذا هو قول . ابن الماجشون
والقول الثالث : إن توبته إنما تكون بالمجيء إلى الإمام ، وإن ترك ما هو عليه لم يسقط ذلك عنه حكما من الأحكام إن أخذ قبل أن يأتي الإمام ، وتحصيل ذلك هو أن توبته قيل إنها تكون بأن يأتي الإمام [ ص: 766 ] قبل أن يقدر عليه ، وقيل إنها إنما تكون إذا ظهرت توبته قبل القدرة فقط ، وقيل تكون بالأمرين جميعا .
وأما ، فإنهم اختلفوا فيها أيضا على ثلاثة أقوال : صفة المحارب الذي تقبل توبته
أحدها : أن يلحق بدار الحرب .
والثاني : أن تكون له فئة .
والثالث : كيفما كانت له فئة أو لم تكن لحق بدار الحرب أو لم يلحق .
واختلف في ، فقيل له الأمان ويسقط عنه حد الحرابة ، وقيل : لا أمان له لأنه إنما يؤمن المشرك . المحارب إذا امتنع فأمنه الإمام على أن ينزل
والرابع : وأما ما تسقط عنه التوبة ، فاختلفوا في ذلك على أربعة أقوال :
أحدها : أن التوبة إنما تسقط عنه حد الحرابة فقط ، ويؤخذ بما سوى ذلك من حقوق الله وحقوق الآدميين ، وهو قول مالك .
والقول الثاني : إن التوبة تسقط عنه حد الحرابة وجميع حقوق الله من الزنى والشراب والقطع في السرقة ، ويتبع بحقوق الناس من الأموال والدماء إلا أن يعفو أولياء المقتول .
والثالث : أن التوبة ترفع جميع حقوق الله ، ويؤخذ بالدماء وفي الأموال بما وجد بعينه في أيديهم ولا تتبع ذممهم .
والقول الرابع : إن التوبة تسقط جميع حقوق الله وحقوق الآدميين من مال ودم إلا ما كان من الأموال قائم العين بيده .