قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم
فيه تسع مسائل :
الأولى : خرج
مسلم عن
عائشة - رضي الله عنها - قالت : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831803إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم . وعن
أبي غالب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=838045كنت أمشي مع أبي أمامة وهو على حمار له ، حتى إذا انتهى إلى درج مسجد دمشق فإذا رءوس منصوبة ، فقال : ما هذه الرءوس ؟ قيل : هذه رءوس خوارج يجاء بهم من العراق فقال أبو أمامة : ( كلاب النار ، كلاب النار ، كلاب النار ، شر قتلى تحت ظل السماء ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه - يقولها ثلاثا - ثم بكى ) فقلت : ما يبكيك يا أبا أمامة ؟ قال : رحمة لهم ( إنهم كانوا من أهل الإسلام فخرجوا منه ، ثم قرأ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات . . . " إلى آخر الآيات . ثم قرأ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات . فقلت : يا أبا أمامة هم هؤلاء ؟ قال نعم . قلت : أشيء تقوله برأيك أم شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : إني إذا لجريء إني إذا لجريء بل سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس ولا ست ولا سبع ، ووضع أصبعيه في أذنيه ، قال : وإلا فصمتا - قالها ثلاثا - ) ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة واحدة في الجنة وسائرهم في النار ، ولتزيدن عليهم هذه الأمة واحدة واحدة في الجنة وسائرهم في النار .
[ ص: 11 ] الثانية : اختلف العلماء في
nindex.php?page=treesubj&link=28911المحكمات والمتشابهات على أقوال عديدة ; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله - وهو مقتضى قول
الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري وغيرهما - : ( المحكمات من آي القرآن ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره ، والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه . قال بعضهم : وذلك مثل وقت قيام الساعة ، وخروج
يأجوج ومأجوج والدجال وعيسى ، ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور )
قلت : هذا أحسن ما قيل في المتشابه . وقد قدمنا في أوائل سورة البقرة عن
الربيع بن خثيم (
إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما شاء . . . ) الحديث . وقال
أبو عثمان : المحكم فاتحة الكتاب التي لا تجزئ الصلاة إلا بها . وقال
محمد بن الفضل : سورة الإخلاص ؛ لأنه ليس فيها إلا التوحيد فقط . وقد قيل : القرآن كله محكم ؛ لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1كتاب أحكمت آياته . وقيل : كله متشابه ; لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23كتابا متشابها .
قلت : وليس هذا من معنى الآية في شيء ، فإن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1كتاب أحكمت آياته أي في النظم والرصف وأنه حق من عند الله ، ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23كتابا متشابها أي يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا . وليس المراد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات هذا المعنى ، وإنما المتشابه في هذه الآية من باب الاحتمال والاشتباه من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=70إن البقر تشابه علينا أي التبس علينا ، أي يحتمل أنواعا كثيرة من البقر . والمراد بالمحكم ما في مقابلة هذا ، وهو ما لا التباس فيه ولا يحتمل إلا وجها واحدا . وقيل : إن المتشابه ما يحتمل وجوها ، ثم إذا ردت الوجوه إلى وجه واحد وأبطل الباقي صار المتشابه محكما . فالمحكم أبدا أصل ترد إليه الفروع ، والمتشابه هو الفرع . وقال
ابن عباس : ( المحكمات هو قوله في سورة الأنعام
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلى ثلاث آيات ، وقوله في
بني إسرائيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا قال
ابن عطية : وهذا عندي مثال أعطاه في المحكمات . وقال
ابن عباس أيضا : ( المحكمات ناسخه وحرامه وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات المنسوخات ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به ) وقال
ابن مسعود وغيره : ( المحكمات الناسخات ، والمتشابهات المنسوخات ) وقاله
قتادة والربيع [ ص: 12 ] والضحاك . وقال
محمد بن جعفر بن الزبير : المحكمات هي التي فيها حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه . والمتشابهات لهن تصريف وتحريف وتأويل ، ابتلى الله فيهن العباد ، وقاله
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12563وابن إسحاق . قال
ابن عطية : وهذا أحسن الأقوال في هذه الآية . قال
النحاس : أحسن ما قيل في المحكمات والمتشابهات : أن المحكمات ما كان قائما بنفسه لا يحتاج أن يرجع فيه إلى غيره نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4لم يكن له كفوا أحد nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وإني لغفار لمن تاب . والمتشابهات نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53إن الله يغفر الذنوب جميعا يرجع فيه إلى قوله جل وعلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وإني لغفار لمن تاب وإلى قوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به .
قلت : ما قاله
النحاس يبين ما اختاره
ابن عطية ، وهو الجاري على وضع اللسان ؛ وذلك أن المحكم اسم مفعول من أحكم ، والإحكام الإتقان ، ولا شك في أن ما كان واضح المعنى - لا إشكال فيه ولا تردد - إنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته وإتقان تركيبها ، ومتى اختل أحد الأمرين جاء التشابه والإشكال ، والله أعلم . وقال
ابن خويزمنداد : للمتشابه وجوه ، والذي يتعلق به الحكم ما اختلف فيه العلماء : أي الآيتين نسخت الأخرى كقول
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس في
nindex.php?page=treesubj&link=12537الحامل المتوفى عنها زوجها ( تعتد أقصى الأجلين ) فكان
عمر nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وغيرهم يقولون ( وضع الحمل ) ويقولون : ( سورة النساء القصرى نسخت أربعة أشهر وعشرا ) وكان
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس يقولان لم تنسخ . وكاختلافهم في الوصية للوارث هل نسخت أم لم تنسخ . وكتعارض الآيتين أيهما أولى أن تقدم إذا لم يعرف النسخ ولم توجد شرائطه ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وأحل لكم ما وراء ذلكم يقتضي الجمع بين الأقارب من ملك اليمين ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف يمنع ذلك . ومنه أيضا تعارض الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعارض الأقيسة ، فذلك المتشابه . وليس من المتشابه أن تقرأ الآية بقراءتين ويكون الاسم محتملا أو مجملا يحتاج إلى تفسير ؛ لأن الواجب منه قدر ما يتناول الاسم أو جميعه . والقراءتان كالآيتين يجب العمل بموجبهما جميعا كما قرئ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم بالفتح والكسر ، على ما يأتي بيانه " في المائدة " إن شاء الله تعالى .
[ ص: 13 ] الثالثة : روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
سعيد بن جبير قال : قال رجل
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي ، قال : ما هو ؟ قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=27وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42ولا يكتمون الله حديثا وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23والله ربنا ما كنا مشركين فقد كتموا في هذه الآية ، وفي النازعات
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أم السماء بناها إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30دحاها فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين . . . إلى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11طائعين فذكر في هذا خلق الأرض قبل خلق السماء . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96وكان الله غفورا رحيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=158وكان الله عزيزا حكيما .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=134وكان الله سميعا بصيرا فكأنه كان ثم مضى . فقال
ابن عباس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فلا أنساب بينهم في النفخة الأولى ، ثم ينفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون ، ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون . وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ما كنا مشركين nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42ولا يكتمون الله حديثا فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، وقال المشركون : تعالوا نقول : لم نكن مشركين ; فختم الله على أفواههم فتنطق جوارحهم بأعمالهم ، فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثا ، وعنده يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . وخلق الله الأرض في يومين ، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات في يومين ، ثم دحا الأرض أي بسطها فأخرج منها الماء والمرعى ، وخلق فيها الجبال والأشجار والآكام وما بينها في يومين آخرين ; فذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30والأرض بعد ذلك دحاها . فخلقت الأرض وما فيها في أربعة أيام ، وخلقت السماء في يومين . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96وكان الله غفورا رحيما يعني نفسه ذلك ، أي لم يزل ولا يزال كذلك ; فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد . ويحك فلا يختلف عليك القرآن ؛ فإن كلا من عند الله )
[ ص: 14 ] الرابعة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وأخر متشابهات لم تصرف ( أخر ) لأنها عدلت عن الألف واللام ; لأن أصلها أن تكون صفة بالألف واللام كالكبر والصغر ، فلما عدلت عن مجرى الألف واللام منعت الصرف .
أبو عبيد : لم يصرفوها لأن واحدها لا ينصرف في معرفة ولا نكرة . وأنكر ذلك
المبرد وقال : يجب على هذا ألا ينصرف غضاب وعطاش .
الكسائي : لم تنصرف لأنها صفة ، وأنكره
المبرد أيضا وقال : إن لبدا وحطما صفتان وهما منصرفان .
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : لا يجوز أن تكون أخر معدولة عن الألف واللام ; لأنها لو كانت معدولة عن الألف واللام لكان معرفة ، ألا ترى أن سحر معرفة في جميع الأقاويل لما كانت معدولة عن السحر ، وأمس في قول من قال : ذهب أمس معدولا عن الأمس ; فلو كان أخر معدولا أيضا عن الألف واللام لكان معرفة ، وقد وصفه الله تعالى بالنكرة .
الخامسة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الذين رفع بالابتداء ، والخبر
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فيتبعون ما تشابه منه ، والزيغ الميل ، ومنه زاغت الشمس ، وزاغت الأبصار . ويقال : زاغ يزيغ زيغا إذا ترك القصد ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم . وهذه الآية تعم كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل وصاحب بدعة ، وإن كانت الإشارة بها في ذلك الوقت إلى
نصارى نجران . وقال
قتادة في
nindex.php?page=treesubj&link=28974تفسير قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ : إن لم يكونوا
الحرورية وأنواع
الخوارج فلا أدري من هم .
قلت : قد مر هذا التفسير عن
أبي أمامة مرفوعا ، وحسبك .
السادسة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله قال شيخنا
أبو العباس رحمة الله عليه : متبعو المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه طلبا للتشكيك في القرآن وإضلال العوام ، كما فعلته الزنادقة
والقرامطة الطاعنون في القرآن ، أو طلبا لاعتقاد ظواهر المتشابه ، كما فعلته
المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة مصورة ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وأصبع ، تعالى الله عن ذلك ، أو يتبعوه على جهة إبداء تأويلاتها وإيضاح معانيها ، أو كما فعل صبيغ حين أكثر على
عمر فيه السؤال . فهذه أربعة أقسام : ( الأول ) لا شك في كفرهم ، وأن حكم الله فيهم القتل من غير استتابة . ( الثاني ) الصحيح : القول بتكفيرهم ، إذ لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور ، ويستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا كما يفعل بمن ارتد .
[ ص: 15 ] ( الثالث ) اختلفوا في جواز ذلك بناءا على الخلاف في جواز تأويلها . وقد عرف أن مذهب السلف ترك التعرض لتأويلها مع قطعهم باستحالة ظواهرها ، فيقولون أمروها كما جاءت . وذهب بعضهم إلى إبداء تأويلاتها وحملها على ما يصح حمله في اللسان عليها من غير قطع بتعيين مجمل منها .
( الرابع ) الحكم فيه الأدب البليغ ، كما فعله
عمر بصبيغ . وقال
أبو بكر الأنباري : وقد كان الأئمة من السلف يعاقبون من
nindex.php?page=treesubj&link=28911يسأل عن تفسير الحروف المشكلات في القرآن ؛ لأن السائل إن كان يبغي بسؤاله تخليد البدعة وإثارة الفتنة فهو حقيق بالنكير وأعظم التعزير ، وإن لم يكن ذلك مقصده فقد استحق العتب بما اجترم من الذنب ، إذ أوجد للمنافقين الملحدين في ذلك الوقت سبيلا إلى أن يقصدوا ضعفة المسلمين بالتشكيك والتضليل في تحريف القرآن عن مناهج التنزيل وحقائق التأويل . فمن ذلك ما حدثنا
إسماعيل بن إسحاق القاضي أنبأنا
سليمان بن حرب عن
حماد بن زيد عن
يزيد بن حازم عن
سليمان بن يسار أن
صبيغ بن عسل قدم
المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن وعن أشياء ، فبلغ ذلك
عمر - رضي الله عنه - فبعث إليه
عمر فأحضره وقد أعد له عراجين من عراجين النخل . فلما حضر قال له
عمر : من أنت ؟ قال : أنا
عبد الله صبيغ . فقال
عمر - رضي الله عنه - : وأنا
عبد الله عمر ، ثم قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشجه ، ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه ، فقال : حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب ما كنت أجد في رأسي . وقد اختلفت الروايات في أدبه ، وسيأتي ذكرها في ( الذاريات ) . ثم إن الله تعالى ألهمه التوبة وقذفها في قلبه فتاب وحسنت توبته .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7ابتغاء الفتنة طلب الشبهات واللبس على المؤمنين حتى يفسدوا ذات بينهم ، ويردوا الناس إلى زيغهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416أبو إسحاق الزجاج : معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وابتغاء تأويله أنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم ، فأعلم الله جل وعز أن تأويل ذلك ووقته لا يعلمه إلا الله . قال : والدليل على ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله أي يوم يرون ما يوعدون من البعث والنشور والعذاب
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53يقول الذين نسوه من قبل أي تركوه -
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53قد جاءت رسل ربنا بالحق أي قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل . قال : فالوقف على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله أي لا يعلم أحد متى البعث إلا الله .
السابعة :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله يقال :
إن جماعة من اليهود منهم حيي بن أخطب دخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : بلغنا أنه نزل عليك nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم فإن كنت صادقا [ ص: 16 ] في مقالتك فإن ملك أمتك يكون إحدى وسبعين سنة ; لأن الألف في حساب الجمل واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فنزل nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله . والتأويل يكون بمعنى التفسير ، كقولك : تأويل هذه الكلمة على كذا . ويكون بمعنى ما يئول الأمر إليه . واشتقاقه من آل الأمر إلى كذا يئول إليه ، أي صار . وأولته تأويلا أي صيرته . وقد حده بعض الفقهاء فقالوا : هو إبداء احتمال في اللفظ مقصود بدليل خارج عنه . فالتفسير بيان اللفظ ، كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2لا ريب فيه أي لا شك . وأصله من الفسر وهو البيان ، يقال : فسرت الشيء ( مخففا ) أفسره ( بالكسر ) فسرا . والتأويل بيان المعنى ، كقوله لا شك فيه عند المؤمنين أو لأنه حق في نفسه فلا يقبل ذاته الشك وإنما الشك وصف الشاك . وكقول
ابن عباس في الجد أبا لأنه تأول قول الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يابني آدم .
الثامنة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم اختلف العلماء في
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم هل هو ابتداء كلام مقطوع مما قبله ، أو هو معطوف على ما قبله فتكون الواو للجمع . فالذي عليه الأكثر أنه مقطوع مما قبله ، وأن الكلام تم عند قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7إلا الله هذا قول
ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز وغيرهم ، وهو مذهب
الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=13674والأخفش والفراء وأبي عبيد وغيرهم . قال
أبو نهيك الأسدي : إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة . وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7آمنا به كل من عند ربنا . وقال مثل هذا
عمر بن عبد العزيز ، وحكى
الطبري نحوه عن
يونس عن
أشهب عن
مالك بن أنس . و ( يقولون ) على هذا خبر ( الراسخون ) . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : وقد جعل الله تعالى آيات كتابه الذي أمرنا بالإيمان به والتصديق بما فيه قسمين : محكما ومتشابها ، فقال عز من قائل :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات . . . إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7كل من عند ربنا فاعلم أن المتشابه من الكتاب قد استأثر الله بعلمه ، فلا يعلم تأويله أحد غيره ، ثم أثنى الله عز وجل على الراسخين في العلم بأنهم يقولون آمنا به . ولولا صحة الإيمان منهم لم يستحقوا الثناء عليه . ومذهب أكثر العلماء أن الوقف التام في هذه الآية إنما هو عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله وأن ما بعده استئناف كلام آخر ، وهو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم يقولون آمنا به . وروي ذلك عن
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة . وإنما روي عن
مجاهد أنه نسق
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162الراسخون على ما قبله وزعم أنهم يعلمونه . واحتج له بعض أهل اللغة فقال : معناه والراسخون في العلم يعلمونه قائلين آمنا ، وزعم أن موضع يقولون نصب على الحال . وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه ; لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معا ، ولا تذكر حالا إلا مع ظهور الفعل ، فإذا لم يظهر فعل فلا
[ ص: 17 ] يكون حال . ولو جاز ذلك لجاز أن يقال :
عبد الله راكبا ، بمعنى أقبل
عبد الله راكبا ; وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله :
عبد الله يتكلم يصلح بين الناس ، فكان ( يصلح ) حالا ، كقول الشاعر - أنشدنيه
أبو عمر قال أنشدنا
أبو العباس ثعلب - :
أرسلت فيها قطما لكالكا يقصر يمشي ويطول باركا
أي يقصر ماشيا ، فكان قول عامة العلماء مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول
مجاهد وحده . وأيضا فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه شيئا عن الخلق ويثبته لنفسه ثم يكون له في ذلك شريك . ألا ترى قوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=65قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187لا يجليها لوقتها إلا هو وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كل شيء هالك إلا وجهه فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه بعلمه لا يشركه فيه غيره . وكذلك قوله تبارك وتعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله . ولو كانت الواو في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون للنسق لم يكن لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7كل من عند ربنا فائدة ، والله أعلم .
قلت : ما حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي من أنه لم يقل بقول
مجاهد غيره فقد روي عن
ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله عز وجل ، وأنهم داخلون في علم المتشابه ، وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به . وقال
الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد وغيرهم : و يقولون على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخين ، كما قال :
الريح تبكي شجوها والبرق يلمع في الغمامه
وهذا البيت يحتمل المعنيين ; فيجوز أن يكون ( والبرق ) مبتدأ ، والخبر ( يلمع ) على التأويل الأول ، فيكون مقطوعا مما قبله ، ويجوز أن يكون معطوفا على الريح ، و ( يلمع ) في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامعا . واحتج قائلو هذه المقالة أيضا بأن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم ، فكيف يمدحهم وهم جهال وقد قال
ابن عباس : ( أنا ممن يعلم تأويله ) وقرأ
مجاهد هذه الآية وقال : أنا ممن يعلم تأويله ، حكاه عنه
إمام الحرمين أبو المعالي .
قلت : وقد رد بعض العلماء هذا القول إلى القول الأول فقال : وتقدير تمام الكلام ( عند الله ) أن معناه وما يعلم تأويله إلا الله يعني تأويل المتشابهات ، والراسخون في العلم يعلمون
[ ص: 18 ] بعضه قائلين آمنا به كل من عند ربنا بما نصب من الدلائل في المحكم ومكن من رده إليه . فإذا علموا تأويل بعضه ولم يعلموا البعض قالوا آمنا بالجميع كل من عند ربنا ، وما لم يحط به علمنا من الخفايا مما في شرعه الصالح فعلمه عند ربنا . فإن قال قائل : قد أشكل على الراسخين بعض تفسيره حتى قال
ابن عباس : ( لا أدري ما الأواه ولا ما غسلين ) قيل له : هذا لا يلزم ; لأن
ابن عباس قد علم بعد ذلك ففسر ما وقف عليه . وجواب أقطع من هذا وهو أنه سبحانه لم يقل : وكل راسخ فيجب هذا ، فإذا لم يعلمه أحد علمه الآخر . ورجح
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك أن الراسخين يعلمون التأويل وأطنب في ذلك . وفي قوله عليه السلام
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831805اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ما يبين لك ذلك ، أي علمه معاني كتابك .
والوقف على هذا يكون عند قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم . قال شيخنا
أبو العباس أحمد بن عمر : وهو الصحيح ; فإن تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب . وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع .
لكن المتشابه يتنوع ، فمنه ما لا يعلم البتة كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بغيبه ، وهذا لا يتعاطى علمه أحد لا
ابن عباس ولا غيره . فمن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع ، وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة ومناح في كلام العرب فيتأول ويعلم تأويله المستقيم ، ويزال ما فيه مما عسى أن يتعلق من تأويل غير مستقيم ، كقوله في
عيسى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وروح منه إلى غير ذلك فلا يسمى أحد راسخا إلا أن يعلم من هذا النوع كثيرا بحسب ما قدر له .
وأما من يقول : إن المتشابه هو المنسوخ فيستقيم على قوله إدخال الراسخين في علم التأويل ، لكن تخصيصه المتشابهات بهذا النوع غير صحيح .
والرسوخ : الثبوت في الشيء ، وكل ثابت راسخ . وأصله في الأجرام أن يرسخ الجبل والشجر في الأرض ، قال الشاعر :
لقد رسخت في الصدر مني مودة لليلى أبت آياتها أن تغيرا
ورسخ الإيمان في قلب فلان يرسخ رسوخا . وحكى بعضهم : رسخ الغدير : نضب ماؤه ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس فهو من الأضداد . ورسخ ورضخ ورصن ورسب كله ثبت فيه .
وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الراسخين في العلم فقال : هو من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه . فإن
[ ص: 19 ] قيل : كيف كان في القرآن متشابه والله يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم فكيف لم يجعله كله واضحا ؟ قيل له : الحكمة في ذلك - والله أعلم - أن يظهر
nindex.php?page=treesubj&link=18471فضل العلماء ; لأنه لو كان كله واضحا لم يظهر فضل بعضهم على بعض . وهكذا يفعل من يصنف تصنيفا يجعل بعضه واضحا وبعضه مشكلا ، ويترك للجثوة موضعا ; لأن ما هان وجوده قل بهاؤه ، والله أعلم .
التاسعة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7كل من عند ربنا فيه ضمير عائد على كتاب الله تعالى محكمه ومتشابهه ; والتقدير : كله من عند ربنا . وحذف الضمير لدلالة ( كل ) عليه ; إذ هي لفظة تقتضي الإضافة . ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يذكر إلا أولو الألباب أي ما يقول هذا ويؤمن ويقف حيث وقف ويدع اتباع المتشابه إلا ذو لب ، وهو العقل . ولب كل شيء خالصه ; فلذلك قيل للعقل لب . و أولو جمع ذو .