فصل  
ولهؤلاء الفرق  خواص وعلامات   في الجملة ، وعلامات أيضا في التفصيل .  
 [ ص: 160 ] فأما علامات الجملة; فثلاث :  
إحداها : الفرقة التي نبه عليها قوله تعالى :  إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء      [ الأنعام : 159 ] وقوله :  ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا      [ آل عمران : 105 ] وغير ذلك من الأدلة .  
قال بعض المفسرين : صاروا فرقا لاتباع أهوائهم ، وبمفارقة الدين تشتت أهواؤهم فافترقوا ، وهو قوله :  إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا      [ الأنعام : 159 ] ثم برأه الله منهم بقوله :  لست منهم في شيء      [ الأنعام : 159 ] وهم أصحاب البدع وأصحاب الضلالات والكلام فيما لم يأذن الله فيه ، ولا رسوله .  
قال : ووجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين ، ولم يفترقوا ، ولم يصيروا شيعا; لأنهم لم يفارقوا الدين ، وإنما اختلفوا فيما أذن لهم من اجتهاد الرأي ، والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصا ، واختلفت في ذلك أقوالهم; فصاروا محمودين لأنهم اجتهدوا فيما أمروا به; كاختلاف  أبي بكر  وعمر  وعلي  وزيد  في الجد مع الأم ، وقول  عمر   [ ص: 161 ]  [ ص: 162 ] وعلي  في أمهات الأولاد ، وخلافهم في الفريضة المشتركة ، وخلافهم في      [ ص: 163 ] الطلاق قبل النكاح ، وفي البيوع . . وغير ذلك مما اختلفوا فيه ، وكانوا مع هذا أهل مودة وتناصح ، وأخوة الإسلام فيما بينهم قائمة ، فلما حدثت الأهواء المردية التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وظهرت العداوات ، وتحزب أهلها فصاروا شيعا; دل على أنه إنما حدث ذلك من المسائل المحدثة التي ألقاها الشيطان على أفواه أوليائه .  
قال : فكل مسألة حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها ، ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ، ولا بغضاء ، ولا فرقة; علمنا أنها من مسائل الإسلام ، وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا أنها ليست      [ ص: 164 ] من أمر الدين في شيء ، وأنها التي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية ، وهي قوله :  إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا      [ الأنعام : 159 ] وقد تقدمت; فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها ، ودليل ذلك قوله تعالى :  واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا      [ آل عمران : 103 ] فإذا اختلفوا وتقاطعوا; كان ذلك لحدث أحدثوه من اتباع الهوى .  
هذا ما قاله ، وهو ظاهر في أن  الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب   والتراحم والتعاطف; فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين .  
وهذه الخاصية موجودة في كل فرقة من تلك الفرق ، ألا ترى كيف كانت ظاهرة في  الخوارج    الذين أخبر بهم النبي عليه الصلاة والسلام في قوله :  يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان  وأي فرقة توازي هذا إلا الفرقة التي بين أهل الإسلام وأهل الكفر ؟ وهكذا تجد الأمر في سائر من عرف من      [ ص: 165 ] الفرق أو من ادعى ذلك فيهم .  
والخاصية الثانية : هي التي نبه عليها قوله تعالى :  فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة   الآية [ آل عمران : 7 ] ; فجعل أهل الزيغ والميل عن الحق ممن شأنهم اتباع المتشابهات وقد تبين معناه .  
وقال عليه الصلاة والسلام :  فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه; فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم     .  
والخاصية الثالثة : اتباع الهوى ، وهي التي نبه عليها قوله :  فأما الذين في قلوبهم زيغ      [ آل عمران : 7 ] وهو  الميل عن الحق اتباعا للهوى      .  
وقوله :  فأما الذين في قلوبهم زيغ      [ القصص : 50 ] وقوله :  أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم   الآية [ الجاثية : 23 ] إلا أن هذه الخاصية راجعة إلى كل أحد في خاصة نفسه; لأنها أمر باطن ، فلا يعرفها غير صاحبها; إلا أن يكون عليها دليل في الظاهر ، والتي قبلها راجعة إلى العلماء الراسخين في العلم; لأن بيان المحكم والمتشابه راجع إليهم ، فهم يعرفونها ويعرفون أهلها بمعرفتهم لها ، والتي قبلها تعم جميع العقلاء من أهل الإسلام; لأن التواصل أو التقاطع معروف للناس كلهم ، وبمعرفته يعرف أهله .  
 [ ص: 166 ] وأما العلامات التفصيلية في كل فرقة; فقد نبه عليها وأشير إليها كما في قوله تعالى :  فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول . . .   إلى قوله :  ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا      [ النساء : 59 ، 60 ] وقوله تعالى :  إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون   إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله      [ الأنعام : 116 ، 117 ] .  
وقوله :  ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى      [ النساء : 115 ] إلى آخرها وقوله :  إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما   الآية [ التوبة : 37 ] .  
وقوله :  وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه   الآية [ يس : 47 ] .  
وقوله :  ومن الناس من يعبد الله على حرف      [ الحج : 11 ] إلى آخر الآيتين .  
وقوله  يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء . . .   إلى قوله :  لا يضركم من ضل إذا اهتديتم      [ المائدة : 101 - 105 ]  
وقوله  قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها   الآية [ الأنعام : 140 ] .  
 [ ص: 167 ] وقوله  ثمانية أزواج من الضأن اثنين   إلى قوله :  إن الله لا يهدي القوم الظالمين      [ الأنعام : 143 - 144 ] .  
إلى غير ذلك مما نبه عليه القرآن الحكيم .  
وكذلك في الحديث كقوله :  إن الله لا يقبض العلم انتزاعا   ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلماء ، حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم; فضلوا وأضلوا     .  
وكذلك ما تقدم ذكره في قسم زلة العالم وغيره مما في الأحاديث المختصة بهذا المعنى ، وإنما نبه عليها لتنبيه الشرع عليها ، ولم يصرح بها على الإطلاق لما تقدم ذكره ، فمن تهدى إليها فذاك ، وإلا فلا عليه ألا يعلمها ، والله الموفق للصواب .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					