فأما إذا يقع به تطليقة رجعية نوى أو لم ينو لأن هذا اللفظ صريح في الطلاق عند النكاح لغلبة الاستعمال فلا حاجة إلى النية فيه ولأنه يختص بالنساء ولا يذكر لفظ الطلاق إلا مضافا إلى النساء ، وإنما يذكر في غيرهن الإطلاق والمعنى المختص بالنساء النكاح فتعين الطلاق عن النكاح عند الإضافة إليها ، وكذلك ما يكون [ ص: 76 ] مشتقا من لفظ الطلاق كقوله قد طلقتك أو أنت مطلقة إلا أنه روي عن قال لها أنت طالق رحمه الله تعالى أنه إذا محمد بإسكان الطاء وتخفيف اللام لا يكون طلاقا إلا بالنية لأن هذا اللفظ غير مختص بالنساء ولو قال أنت مطلقة لا تعمل نيته عندنا ولا يقع عليها إلا واحدة رجعية . نوى بقوله أنت طالق ثلاثا أو اثنتين
وعلى قول زفر رحمهما الله تعالى يقع ما نوى وهو قول والشافعي رحمه الله تعالى الأول لأن الصريح أقوى من الكناية فإذا صح نية الثلاث في قوله أنت بائن فلأن يصح في قوله أنت طالق أولى وهذا لأن لفظ الطلاق محتمل للعدد حتى يفسر به فتقول أنت طالق ثلاثا ، وهو نصب على التفسير وإذا قيل إن فلانا طلق امرأته يصح الاستفسار عن العدد ، فيقال كم طلقها ؟ ولأن قوله أنت طالق أي طالق طلاقا فإنها لا تكون طالقا إلا بالطلاق ولو صرح بهذا ونوى الثلاث يصح ولأنه لو أبي حنيفة صحت نيته فكذلك إذا قال طلقتك لأن كل واحد منهما ذكر بلفظ الفعل وحجتنا في ذلك أن { قال لها طلقي نفسك ونوى به الثلاث رضي الله تعالى عنه طلق امرأته فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ابن عمر } ولم يستفسره إنك أردت الثلاث أم لا ولم يحلفه على ذلك ، ولو كانت نية الثلاث تسعا في هذا اللفظ لحلفه كما حلف ابن ركانة رضي الله تعالى عنه في لفظ البتة والمعنى فيه أنه نوى ما لا يحتمله لفظه فلا تعمل نيته كما لو وهذا لأن المنوي إذا لم يكن من محتملات اللفظ فقد تجردت النية عن اللفظ وبمجرد النية لا يقع شيء . قال لها حجي أو زوري أباك أو اسقيني ماء من خارج ونوى به الطلاق
وإنما قلنا ذلك لأن قوله أنت طالق نعت فرد فلا يحتمل العدد ألا ترى أنه يقال للمثنى طالقان وللثلاث طوالق فيكون نعتا للنساء لا للطلاق وقوله طلقتك فعل وهو لا يحتمل العدد كقوله قمت وقعدت ، وأحد لا يخالف في هذا ، وإنما تعمل النية عنده بما قال إنها لا تكون طالقا إلا الطلاق ، ولكن هذا ثابت بمقتضى كلامه ، ولا عموم للمقتضى عندنا ; لأن ثبوته لتصحيح الكلام حتى لو صح بدون المقتضى لا يثبت المقتضى ويصح بدون صفة العموم في المقتضى ، ولأن ذكر النعت يقتضي وصفا ثابتا للموصوف لغة فأما الوصف الثابت للواصف لتصحيح كلامه يكون ثابتا شرعا لا لغة ، والطلاق بهذه الصفة لأن تقديم الإيقاع لتصحيح كلامه شرعا ، وكذلك في قوله قد طلقتك فإنه حكاية قوله ، ولا احتمال فيه لمعنى العدد ولا لمعنى العموم بخلاف قوله طلقي نفسك فإن نية العدد لا تعمل هناك عندنا حتى لو نوى الثنتين لا يصح .
ونية الثلاث إنما تصح [ ص: 77 ] باعتبار معنى العموم لأنه تفويض ، والتفويض قد يكون خاصا والمفوض إليها بهذا اللفظ طلاق ، وذلك ثابت في هذا اللفظ لغة والطلاق بمنزلة أسماء الأجناس يحتمل العموم والخصوص فتعمل نيته في العموم ، ولسنا نقول في قوله ثلاثا أنه نصب على التفسير بل هو منصوب بنزع حرف الخافض عنه معناه بثلاث كقوله { ما هذا بشرا } أو هو منصوب على طريق البدل عن مصدر محذوف ، ومعناه طلاق ثلاثا ، وبأن صح الاستفسار عن العدد في الحكاية فذلك لا يدل على أنه من محتملات اللفظ كما يصح الاستفسار عن الشرط والبدل .