المطلب الثاني
نماذج من إدارة الأزمة في قصص الأنبياء
ومن الأزمـات التي تحدث عنـها القرآن على المستـوى الفردي [1] ، ما تعرض له نبي الله موسى، عليه السلام: ( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه ) (القصص:15)، فموسى، عليه السلام، يدخل المدينة في زيارة عابرة فيخرج بجريمة قتل لم يخطط لها، يشعر بالقلق بسببها، إذ هو أمام لحظة مصيرية حاسمة، تنبئ بتحول حاسم ووشيك. فهو أمام مفرق طرق في حياته عبرت عنه الآيات:
( فأصبح في المدينة خائفا يترقب ) (القصص:18).
وتقدم الآيات أنموذجا لمواجهة موسى، عليه السلام، الأزمة بعدة إجراءات بدأت بالاعتراف بالذنب واللجوء إلى الله تعالى:
( فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) (القصص:15-17)،
ويعد الاعتراف بالخطأ أول خطوة في الاتجاه الصحيح في إدارة الأزمة، أما إلقاء اللوم على الآخرين فهو بداية السير في الطريق الخاطئ في إدارة الأزمة، ذلك [ ص: 136 ] أن الخطأ تجربة نستفيد منها ونتعلم، والأزمة إذا كانت داخلية فقد كشفت عن خطأ مستكن لنعرف كيف نعالجه، وكان يمكن أن يؤدي إلى كارثة أكبر، وعليه فإن الاعتراف بالخطأ يدفعنا إلى تصويب سلوكنا ونهجنا في الإدارة لنواجه المستقبل بخبرات تحصننا من الزلل، وإذا كانت الأزمة خارجية فإن داخل كل أزمة فرصة للنجاة عبر عنها القرآن الكريم بقوله سبحانه: ( فإن مع العسر يسرا ) . ومما يعين على الصبر في مواجهة الأزمة اللجوء إلى تعالى، وهذا ما فعله موسى، عليه السلام، حين توجه إلى الله تعالى معترفا بذنبه ( رب إني ظلمت نفسي ) فلابس اللجوء إلى الله بالاعتراف بالذنب.
وتكشف قصة نبي الله موسى، عليه السلام، أثر العلاقات العامة الواسعة في التمكين من مواجهة الأزمة، فالرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ناصحا موسى، عليه السلام، بالخروج هو من داخل الملأ، ولا ريب أن علاقته مع موسى كانت جيدة حتى ينصحه، فلو أن موسى، عليه السلام، كان منعزلا، لا يقيم علاقات طيبة مع من حوله، أو كان صداميا مع الجميع لما تهيأت له فرصة النجاة، وهذا ما نبه إليه القرآن الكريم بقوله:
( وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ) (القصص:20)،
وبفضل هذه العلاقات نجاه الله من عواقب الأزمة وما تنطوي عليه من عنف منتظر، بل عنف قد صدر قرار بتنفيذه. وهذا النوع هو من أشدها خطورة، سواء على مستوى الأسر أم على مستوى الشركات والدول. [ ص: 137 ]