فصل
. واختلف إذا كان أحدهما نصرانيا ، أو [ ص: 1047 ] عبدا ، فقال محمد : يزكي الحر المسلم وحده ملكه وحده ، كالانفراد لو لم يخالط أحدا . وقال الخلطة تصح إذا كان كل واحد من الخليطين مخاطبا بالزكاة ، حرا ، مسلما ، له نصاب ، وحال عليه الحول في كتاب ابن الماجشون : يزكي على الخلطة ، فما نابه أداه ، ويسقط ما ينوب النصراني والعبد ويختلف على هذا إذا كان لأحدهما نصاب قد حال عليه الحول ، والآخر له دون نصاب أو نصاب ولم يحل عليه الحول ، فعلى قول ابن حبيب محمد : يزكي من له نصاب وحال عليه الحول زكاة الانفراد . وعلى قول : يزكي زكاة الخلطاء ، فما نابه على وجه الخلطة أداه ، ويسقط ما ينوب من له دون نصاب ، أو لم يحل عليه الحول ، وهو أحسن ؛ لأن الارتفاق بالخلطة قد وجد فلا يزكي زكاة الانفراد ، ومثله إذا كانت الغنم شركة وأحدهما نصرانيا أو عبدا وينوبه من الشركة دون نصاب ، أو كانت الشركة بأغنامهما وأحدهما محدث الكسب فتم حول أحدهما ، فيختلف : هل يزكي من توجه عليه الخطاب في نصيبه بمنزلة من لا شريك له أم لا ؟ عبد الملك
ومن المدونة قال : مالك ، أنها لا تكون على من أخذت من غنمه خاصة ، وهي على عدد الأغنام يترادان فيها على عدد غنمهم . إذا كان جميع الأغنام تجب فيها الزكاة ، وليس في نصيب كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة ، فتعدى المصدق فأخذ منها شاة
قال الشيخ - رضي الله عنه - : وإذا كان جميع الغنم أربعين شاة بين أربعة نفر ، فأخذ منها الساعي شاة ، فإنه لا يخلو من أربعة أوجه : [ ص: 1048 ]
إما أن يكون ذلك مذهبه ، فإنهم يتراجعون فيها . وسواء كان عالما أنها بين أربعة ، أو يظن أنها لواحد ، وإن كان مذهبه : ألا زكاة فيها لما كان لكل واحد منهم دون نصاب ، وأخذها وهو عالم أنها بين أربعة ، كانت الشاة مظلمة ممن أخذت من غنمه . وإن كان يظن أنها لواحد تراجعوا فيها ؛ لأن اجتماعها أوجب الخطأ عليها ، ثم يختلف إذا كانت مختلفة العدد ، هل يتراجعون فيها على عدد الغنم ، أو على عدد المالكين ؟ وإن كان جميعها دون الأربعين كانت مظلمة ممن أخذت منه قولا واحدا .
وإن كان لأحدهما تسعة وثلاثون ولآخر ثلاثون ، فأخذ منها شاة ، عاد الجواب إلى ما تقدم في الأربعين . وينظر هل أخذ ذلك لأنه مذهب له ، أو على وجه الخطأ أو التعدي ؟ وإن كان جميعها سبعين : لأحدهما أربعون ، وللآخر ثلاثون ، فأخذ منها شاة ، كانت على صاحب الأربعين ، فإن أخذت من غنمه لم يكن على صاحبه شيء ، وإن أخذت من غنم صاحب الثلاثين رجع عليه بقيمتها ، وإن أخذ شاتين نظرت ؛ فإن أخذها من الأربعين لم يرجع على صاحبه بشيء ، وإن أخذها من الثلاثين رجع بواحدة ، وإن أخذ من غنم كل واحد واحدة ؛ فإن كانت التي أخذت من الأربعين مما يجزئ في الزكاة لم يرجع عليه صاحبه بشيء .
وإن كانت مما لا تجزئ والأخرى مما تجزئ رجع صاحب الثلاثين عليه بقيمتها . وهذا إذا ابتدأ بالأخذ من الثلاثين ، وإن ابتدأ بالأخذ من الأربعين لم [ ص: 1049 ] يكن عليه غيرها ، وسواء كانت مما تجزئ أم لا ؛ لأنه لما أخذها من الأربعين عاد إلى ما لا زكاة فيه فسقطت منها الزكاة ، ثم أخذ الثانية بعد سقوط الزكاة من الأولى ، فهي مظلمة منه .
ومثله إذا لم يكن منها شيء يجزئ فإنه لا تراجع بينهما ، ولا زكاة على صاحب الأربعين ؛ لأنه لم يفرط في زكاته حتى غصبت منه .
وإن كان لواحد مائة وعشرة من الغنم ، وللآخر إحدى عشرة شاة ، كانت فيها شاة على صاحب المائة وعشرة ، فإن أخذ منها شاتين عاد الجواب إلى ما تقدم ، فإن كان ذلك مذهبه تراجعا فيهما ، وسواء كان عالما أن فيها شركة أم لا ، وسواء أخذهما من غنم أحدهما أو من غنم كل واحد منهما شاة فإنهما يتراجعان . فإن كان مذهبه : أن لا شيء على صاحب الأحد عشر ، وعلم صفة الشركة ، وأخذها من غنم صاحب المائة وعشرة ، لم يرجع على صاحبه بشيء ، وإن كان أخذها من صاحب الأحد عشر رجع بواحدة ، وكانت الأخرى مظلمة منه ، وإن أخذ من كل واحد واحدة ، وكانت التي أخذت من الكثيرة تجزئ في الزكاة ، لم يرجع أحدهما على الآخر بشيء ، وإن كانت لا تجزئ ، والتي أخذت من القليلة تجزئ ، كانت التي أخذت من الكثيرة مظلمة ويرجع عليه الآخر بقيمة شاته . وإن لم تكن فيها شاة تجزئ لم يرجع أحدهما على صاحبه بشيء ، وأخرج صاحب الكثيرة شاة أخرى مما تجزئ . [ ص: 1050 ]
وإن أخذهما الساعي وهو يرى أنهما لواحد ، ولو علم بصفة الشركة أخذ شاة ، كان فيها قولان : فقال محمد : يتحاصان في الشاتين على عدد أغنامهما . قال : لأنه رأي من ذهب إلى هذا ، وهو كحكم نفذ فلا يرد . وحكي عن ابن عبد الحكم أنه جعل واحدة من صاحب الكثيرة ويتراجعان في الأخرى على مائة جزء وأحد وعشرين جزءا ، يريد : لأن اجتماعهما أوجب الخطأ في الأخرى .
ويجري فيها قول ثالث : أن الثانية تكون عليهما نصفان قياسا على القول : إذا شهد أربعة بالزنى واثنان بالإحصان فرجم ، ثم رجع جميعهم بعد الحكم . فقيل : تكون ديته عليهم أسداسا . وقيل : نصفين ؛ لأن كل فريق يقول : لولا أنتم لم يرجم . فالقول : "إنها أسداس" موافق لقول ابن عبد الحكم : إنها تكون على العدد .
ومن المدونة ، قال إذا كان لواحد تسعة من الإبل وللآخر خمسة كان على كل واحد منهما شاة ، ثم رجع فقال : يتراجعان في الشاتين على عدد إبلهما . ورأى أن الوقص داخل في الزكاة . والأول أحسن ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مالك ثم لم يجعل في الزائد شيئا ، فهو معفو عنه [ ص: 1051 ] ساقط الحكم . "أوجب في خمس من الإبل شاة"
ولو كان لأحدهما تسع وللآخر ست لكان فيها ثلاث شياه ، ويتراجعان في الثالثة قولا واحدا ، ويصح أن ، وذلك أن يكون لأحدهما خمس عشرة من الإبل وللآخر عشرة ، ففيها على الانفراد الغنم ، وعلى الخلطة بنت مخاض . ويصح أن تنقل أحدهما دون الآخر ، وذلك أن يكون لأحدهما خمس وعشرون من الإبل ، وللآخر عشرة ، فيزكيان على الخلطة بنت مخاض في خمس وثلاثين ، وعلى الانفراد صاحب العشرة شاتين ، وصاحب الخمس وعشرين بنت مخاض . والعشرة ها هنا لم تنقل عن السن الأول ، وتنقل عن سن إلى غيره . تنقل الخلطة الزكاة من الغنم إلى الإبل
ويصح أن تنقل الخلطة من عدد ما يجب على الانفراد ، وتنقل من سن إلى غيره . وذلك أن يكون لكل واحد خمس وعشرون من الإبل ، ففيها على الانفراد بنت مخاض ، وعلى الخلطة حقة .
وإذا كان لرجل خمسة وعشرون من الإبل فخالط بخمسة عشر رجلا له عشرة ، وبعشرة رجلا له عشرة ، فعليه فيها خمسة أتساع بنت لبون ، وهو معهما كخليط واحد .
واختلف في خليطيه على ثلاثة أقوال : فقيل : يزكي كل منهما على مثل ذلك ، فعلى كل واحد منهما تسعا بنت لبون ، ويصير ثلاثتهم في حكم رجل [ ص: 1052 ] واحد . وقيل : يزكي كل واحد منهم على جميع ملك خليطه دون خليط خليطه ، فيكون على كل واحد منهما سبعا بنت مخاض ؛ لأن له عشرة ولخليطه خمسة وعشرون فذلك خمس وثلاثون .
وقيل : يزكي كل واحد منهما على ما خالط به خليطه دون جميع ملكه ، فيزكي من خولط بخمسة عشر خمسي بنت مخاض ، ومن خولط بعشرة من الغنم عليه شاتان . وفي المبسوط قول رابع : إن صاحب الخمس وعشرين يزكي مع كل واحد على ما خالطه به خاصة ، ولا يجمع ملكه بعضه إلى بعض . ولو كان له عشرة أخرى لم يخالط بها أحدا كانت زكاته عنده على ثلاثة أوجه : فيزكي الخمسة عشر مع صاحب العشرة بثلاثة أخماس بنت مخاض ، والعشرة التي مع صاحب العشرة بشاتين ، ثم يزكي العشرة المنفردة بسبعي بنت مخاض ؛ لأن جميع ملكه خمس وثلاثون ، فيها بنت مخاض تنوب العشرة المنفردة سبعاها ، ويمضي ما سوى هذه العشرة على ما زكاه مع الخليطين . [ ص: 1053 ]