الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وأما نكاح الزانية فقد صرح الله سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة النور ، وأخبر أن من نكحها فهو إما زان أو مشرك ، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أو لا ، فإن لم يلتزمه ولم يعتقده فهو مشرك . وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ، ثم صرح بتحريمه فقال : ( وحرم ذلك على المؤمنين ) [ النور : 3 ]

ولا يخفى أن دعوى نسخ الآية بقوله : ( وأنكحوا الأيامى منكم ) [ النور : 34 ] من أضعف ما يقال ، وأضعف منه حمل النكاح على الزنى ، إذ يصير معنى الآية الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك ، وكلام الله ينبغي أن يصان عن مثل هذا .

وكذلك حمل الآية على امرأة بغي مشركة في غاية البعد عن لفظها وسياقها ، كيف وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان ، وهو العفة ، فقال : ( فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) [ النساء : 25 ] فإنما أباح نكاحها في هذه الحالة دون غيرها ، وليس هذا من باب دلالة المفهوم ، فإن الأبضاع في الأصل على التحريم ، فيقتصر في إباحتها على ما ورد به الشرع ، وما عداه فعلى أصل التحريم .

وأيضا فإنه سبحانه قال : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ) [ ص: 105 ] [ النور : 26 ] والخبيثات : الزواني . وهذا يقتضي أن من تزوج بهن فهو خبيث مثلهن .

وأيضا فمن أقبح القبائح أن يكون الرجل زوج بغي ، وقبح هذا مستقر في فطر الخلق ، وهو عندهم غاية المسبة .

وأيضا : فإن البغي لا يؤمن أن تفسد على الرجل فراشه ، وتعلق عليه أولادا من غيره ، والتحريم يثبت بدون هذا .

وأيضا : فإن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين الرجل وبين المرأة التي وجدها حبلى من الزنى .

وأيضا فإن ( مرثد بن أبي مرثد الغنوي استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج عناق وكانت بغيا ، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم آية النور ، وقال : لا تنكحها ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية