الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : الخلع تطليقة بائنة ، وهو قول علي وعثمان وابن مسعود والحسن والشعبي والنخعي وعطاء وابن المسيب وشريح ومجاهد ومكحول والزهري، وهو قول أبي حنيفة وسفيان، وهو أحد قولي الشافعي ، رضي الله عنهم، وقال ابن عباس وطاوس وعكرمة رضي الله عنهم : إنه فسخ للعقد، وهو القول الثاني للشافعي، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور .

                                                                                                                                                                                                                                            حجة من قال : إنه طلاق ، أن الأمة مجمعة على أنه فسخ أو طلاق، فإذا بطل كونه فسخا ثبت أنه طلاق ، وإنما قلنا : إنه ليس بفسخ ؛ لأنه لو كان فسخا لما صح بالزيادة على المهر المسمى ، كالإقالة في البيع، وأيضا لو كان الخلع فسخا فإذا خالعها ولم يذكر المهر وجب أن يجب عليها المهر، كالإقالة، فإن الثمن يجب رده وإن لم يذكر ، ولما لم يكن كذلك ثبت أن الخلع ليس بفسخ، وإذا بطل ذلك ثبت أنه طلاق.

                                                                                                                                                                                                                                            حجة من قال : إنه ليس بطلاق وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الأولى : أنه تعالى قال : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) ثم ذكر الطلاق فقال : ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) فلو كان الخلع طلاقا لكان الطلاق أربعا، وهذا الاستدلال نقله الخطابي في كتاب معالم السنن عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الثانية : وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لثابت بن قيس بن شماس في مخالعة امرأته، مع أن الطلاق في زمان الحيض أو في طهر حصل الجماع فيه حرام، فلو كان الخلع طلاقا لكان يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يستكشف الحال في ذلك، فلما لم يستكشف بل أمره بالخلع مطلقا دل على أن الخلع ليس بطلاق.

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الثالثة : روى أبو داود في سننه عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس لما اختلعت [ ص: 89 ] منه جعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة، قال الخطابي : وهذا أدل شيء على أن الخلع فسخ وليس بطلاق؛ لأن الله تعالى قال : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) فلو كانت هذه مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد.

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( تلك حدود الله ) فالمعنى أن ما تقدم ذكره من أحكام الطلاق والرجعة والخلع ( فلا تعتدوها ) أي : فلا تتجاوزوا عنها، ثم بعد هذا النهي المؤكد أتبعه بالوعيد، فقال : ( ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) وفيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه تعالى ذكره في سائر الآيات ( ألا لعنة الله على الظالمين ) [هود : 18] فذكر الظلم هاهنا تنبيها على حصول اللعن .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن الظالم اسم ذم وتحقير، فوقوع هذا الاسم يكون جاريا مجرى الوعيد .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أنه أطلق لفظ الظلم تنبيها على أنه ظلم من الإنسان على نفسه، حيث أقدم على المعصية، وظلم أيضا للغير بتقدير أن لا تتم المرأة عدتها، أو كتمت شيئا مما خلق في رحمها، أو الرجل ترك الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان، أو أخذ من جملة ما آتاها شيئا لا بسبب نشوز من جهة المرأة، ففي كل هذه المواضع يكون ظالما للغير ، فلو أطلق لفظ الظالم دل على كونه ظالما لنفسه، وظالما لغيره، وفيه أعظم التهديدات.

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية