الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( يرضعن أولادهن ) ففيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : هذا الكلام وإن كان في اللفظ خبرا ، إلا أنه في المعنى أمر ، وإنما جاز ذلك لوجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : تقدير الآية : والوالدات يرضعن أولادهن في حكم الله الذي أوجبه، إلا أنه حذف لدلالة الكلام عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن يكون معنى ( يرضعن ) : ليرضعن، إلا أنه حذف ذلك للتصرف في الكلام مع زوال الإيهام.

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : هذا الأمر ليس أمر إيجاب، ويدل عليه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قوله تعالى : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) [الطلاق : 6] ولو وجب عليها الرضاع لما استحقت الأجرة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه تعالى قال بعد ذلك : ( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ) [الطلاق : 6] وهذا نص صريح، ومنهم من تمسك في نفي الوجوب عليها بقوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ) والوالدة قد تكون مطلقة ، فلم يكن وجوب رزقها على الوالد إلا بسبب الإرضاع، فلو كان الإرضاع واجبا عليها لما وجب ذلك، وفيه البحث الذي قدمناه، إذا ثبت أن الإرضاع غير واجب على الأم فهذا الأمر محمول على الندب من حيث إن تربية الطفل بلبن الأم أصلح له من سائر الألبان، ومن حيث إن شفقة الأم عليه أتم من شفقة غيرها ، هذا إذا لم يبلغ الحال [ ص: 101 ] في الولد إلى حد الاضطرار بأن لا يوجد غير الأم، أو لا يرضع الطفل إلا منها، فواجب عليها عند ذلك أن ترضعه كما يجب على كل أحد مواساة المضطر في الطعام.

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية