الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ثم يدفع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة ، وعليه السكينة ، فإذا وجد فجوة ، أسرع ، فإذا وصل مزدلفة صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال . فإن صلى المغرب في الطريق ، ترك السنة وأجزأه ، ومن فاتته الصلاة مع الإمام بمزدلفة أو بعرفة ، جمع وحده ، ثم يبيت بها فإن دفع قبل نصف الليل ، فعليه دم ، وإن دفع بعده ، فلا شيء عليه ، فإن وافاها بعد نصف الليل ، فلا شيء عليه ، وإن جاء بعد الفجر ، فعليه دم ، وحد المزدلفة : ما بين المأزمين ، ووادي محسر ، فإذا أصبح ، صلى الصبح بغلس ، ثم يأتي المشعر الحرام ، فيرقى عليه ، أو يقف عنده و يحمد الله ويكبر ويدعو ، فيقول : اللهم كما وقفتنا فيه ، وأريتنا إياه ، فوفقنا لذكرك كما هديتنا ، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم إلى أن يسفر ثم يدفع قبيل طلوع الشمس فإذا بلغ محسرا أسرع قدر رمية حجر . ثم يأخذ حصى الجمار من طريقه ، أو من مزدلفة ، ومن حيث أخذه ، جاز ، ويكون أكبر من الحمص ودون البندق ، وعدده سبعون حصاة فإذا وصل إلى منى ، وحدها من وادي محسر إلى العقبة بدأ بجمرة العقبة ، فرماها بسبع حصيات ، واحدة بعد واحدة ، يكبر مع كل حصاة ، ويرفع يده حتى يرى بياض إبطه ولا يقف عندها . ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي ، فإن رمى بذهب أو فضة أو غير الحصى أو حجر رمى به مرة لم يجزئه ، ويرمي بعد طلوع الشمس ، فإن رمى بعد نصف الليل ، أجزأه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ثم يدفع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة ) سميت به من الزلف ، وهو التقرب ؛ لأن الحاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي : تقربوا ، ومضوا إليها ، وتسمى جمعا لاجتماع الناس بها ، ( وعليه السكينة ) قال : أبو حكيم مستغفرا ، وقال الخرقي : يكون في طريقه ملبيا ، ويذكر الله - تعالى - لقوله - عليه السلام - في حديث جابر ، وقد شنق للقصواء بالزمام ، ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة ، وفيه أردف الفضل ، ولم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ( فإذا وجد فجوة أسرع ) لقول أسامة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسير العنق ، فإذا وجد فجوة نص أي : أسرع قال : هشام النص فوق العنق . متفق عليه . ( فإذا وصل إلى مزدلفة صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال ) قال ابن المنذر : لا اختلاف بين العلماء أن السنة أن يجمع بينهما لفعله - عليه السلام - . رواه جابر وابن عمر ، وأسامة . وظاهره أنه بغير أذان ، وإنما هو بإقامتين فقط ، فإن اقتصر على إقامة للأولى فلا بأس لحديث ابن عمر أنه - عليه السلام - جمع بينهما بإقامة واحدة . رواه مسلم ، وإن أذن للأولى ، وأقام للثانية ، فحسن قاله في " المغني " و " الشرح " فإنه مروي عن جابر ، وهو متضمن لزيادة ، وكسائر الفوائت ، والمجموعات قال في " الشرح " : [ ص: 236 ] واختار الخرقي الأول ، وفيه شيء قال ابن المنذر : وهو آخر قولي أحمد ; لأن أسامة أعلم بحاله ؛ لأنه كان رديفه ، وإنما لم يؤذن للأولى ; لأنها في غير وقتها بخلاف المجموعتين بعرفة ، والسنة أن لا يتطوع بينهما بغير خلاف ( فإن صلى المغرب في الطريق ترك السنة ) المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ( وأجزأه ) ; لأن كل صلاتين جاز الجمع بينهما جاز التفريق كالظهر والعصر بعرفة ، ( ومن فاتته الصلاة مع الإمام بمزدلفة أو بعرفة جمع وحده ) لفعل ابن عمر ، وهو في الأولى إجماع ؛ لأن الثانية منهما تصلى في وقتها ، ولأن كل جمع جاز مع الإمام جاز منفردا كالجمع في السفر ، ( ثم يبيت بها ) وهو ، واجب ؛ لأنه - عليه السلام - بات بها ، وقال خذوا عني مناسككم ، وسماها موقفا ( فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دم ) ; لأن مبيت كل الليل أو أكثره بها واجب ، ولم يوجد واحد منهما فيكون تاركا للواجب فيجب الدم إذا لم يعد ليلا ، نص عليه ، وعنه : لا يجب كرعاة وسقاة ، قاله في " المستوعب " وغيره ، وعلى المذهب لا فرق بين العامد والساهي ، والعالم والجاهل لتركه النسك .

                                                                                                                          ( وإن دفع بعده فلا شيء عليه ) لقول عائشة : أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت . رواه أبو داود ، ولأنه فات معظم الليل ، والمعظم كالكل فلم يكن تاركا للواجب ( وإن وافاها بعد نصف الليل ، فلا شيء عليه ) ; لأنه لم يدرك جزءا من النصف الأول ، فلم يتعلق به حكم ، كمن أدرك عرفات ليلا ، ( وإن جاء بعد الفجر ) أي : طلوعه ( فعليه دم ) لتركه الواجب ، وهو المبيت بها ، ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء لقول ابن [ ص: 237 ] عباس : كنت فيمن قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى . متفق عليه . لما فيه من الرفق بهم ، ودفع المشقة عنهم ( وحد المزدلفة : ما بين المأزمين ) أي : مأزمي عرفة ، وهما جبلان ، ( ووادي محسر ) وما على يمين ذلك ، وشماله من الشعاب ، ونبه المؤلف على ذلك ليعلمك أن أي موضع وقف منها ، أجزأه ; لأنه - عليه السلام - وقف بجمع ، وقال : ارفعوا عن بطن محسر ( فإذا أصبح صلى الصبح ) بأذان ، وإقامة ( بغلس ) لقول جابر إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح بها حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، وليتتبع وقت الوقوف عند المشعر الحرام .



                                                                                                                          ( ثم يأتي المشعر الحرام ) سمي به ; لأنه من علامات الحج ( فيرقى عليه ) إن أمكنه ( أو يقف عنده ويحمد الله ويكبره ) لقوله - تعالى - فإذا أفضتم من عرفات الآية [ البقرة : 198 ] وفي حديث جابر أن : النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى المشعر الحرام فرقي عليه فحمد الله وهلله وكبره ، ( ويدعو فيقول : اللهم كما وقفتنا فيه ، وأريتنا إياه ، فوفقنا لذكرك كما هديتنا ، واغفر لنا ، وارحمنا كما وعدتنا بقولك ، وقولك الحق ) فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم [ البقرة : 198 ] ويكرر ذلك ( إلى أن يسفر ) لحديث جابر : فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ( ثم يدفع ) من مزدلفة ( قبيل طلوع الشمس ) ولا خلاف في استحبابه ، لفعله - عليه السلام - وقال عمر : كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس ، ويقولون : [ ص: 238 ] أشرق ثبير ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس . رواه البخاري ( فإذا بلغ محسرا ) وهو واد بين مزدلفة ومنى ، وسمي به ; لأنه يحسر سالكه ( أسرع ) إن كان راجلا أو حرك مركوبه إن كان راكبا لقول جابر : فلما أتى بطن محسر حرك قليلا .

                                                                                                                          قال الشافعي في " الإملاء " : لعله فعل ذلك لسعة الموضع ، وقيل : لأنه مأوى الشياطين ( قدر رمية حجر ) قال الأصحاب : وعليه السكينة والوقار ، ويلبي مع ذلك .

                                                                                                                          ( ويأخذ حصى الجمار من طريقه ، أو من مزدلفة ) لئلا يشتغل عند قدومه إلى منى بغير الرمي ، فإنه تحية منى ، كما أن الطواف تحية البيت ، وكان ابن عمر يأخذه من جمع ، وفعله سعيد بن جبير ، ولأنه إذا أخذه من غير منى كان أبعد من أن يكون قد رمي به ( ومن حيث أخذه جاز ) قاله أحمد ، ولا خلاف في الإجزاء لقوله - عليه السلام - لابن عباس غداة العقبة ، وهو على ناقته " القط لي حصا فلقطت له سبع حصيات من حصا الخذف ، فجعل ينفضهن في كفه ، ويقول : مثل هذا فارموا . رواه ابن ماجه ، ويكره من الحرم ، وتكسيره ، وكذا من الحش قاله في " الفصول " ( ويكون أكبر من الحمص ودون البندق ) كحصى الخذف لقول جابر : كل حصاة منها مثل حصى الخذف ، ( وعدده سبعون حصاة ) ; لأنه يرمي جمرة العقبة يوم النحر بسبع ، وباقيها في [ ص: 239 ] أيام منى كل يوم بإحدى وعشرين ، كل جمرة بسبع ، فيكون المجموع ما ذكره .



                                                                                                                          ( فإذا وصل إلى منى ) سميت به ; لأنه قدر فيها موت الهدايا والضحايا ( وحدها من وادي محسر إلى العقبة ) فدل على أنهما ليسا من منى ; لأن الحد غير المحدود ، ويستحب سلوك الطريق الوسطى التي يخرج على الجمرة الكبرى ، لفعله - عليه السلام - ( بدأ بجمرة العقبة ) هي آخر الجمرات مما يلي منى وأولها مما يلي مكة ، وهي عند العقبة وبها سميت فصار علما بالغلبة ; لأنه - عليه السلام - بدأ بها ، ولأنها تحية ، فلم يتقدمها شيء كالطواف بالبيت ( فرماها بسبع حصيات ) راكبا إن كان ، والأكثر ماشيا ، نص عليه ( واحدة بعد واحدة يكبر مع كل حصاة ) لحديث جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة . رواه مسلم ، ونقل حرب : يرمي ثم يكبر ويقول : اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ; لأن ابن مسعود ، وابن عمر كانا يقولان ذلك . وظاهره أنه إذا وضعها من غير رمي لا يجزئه لعدم الرمي بل لو طرحها أجزأت . وظاهر " الفصول " لا ; لأنه لم يرم ، فلو رماها دفعة واحدة ، لم تجزئه عنهما ويؤدب ، نقله الأثرم ، فيجزئه عن واحدة ، ويكمل السبع . وظاهره أنه لا يستحب غسلها ، واستحبه " الخرقي " في رواية ; لأنه يروى عن ابن عمر ، وفي حجر كبير وجهان ، ويستبطن الوادي ، ويستقبل القبلة ، ويرمي على حاجبه الأيمن ، لفعل عبد الله . قال الترمذي : حديث صحيح ، وله الرمي من فوقها لفعل عمر ، والأول أفضل ، ( ويرفع يده ) قال : جماعة يمناه ( حتى يرى بياض إبطه ) ; لأنه أعون على الرمي ، وأمكن ، ويشترط علم حصولها في المرمى ، فلو رماها فوقعت [ ص: 240 ] في غير المرمى فتدحرجت حصاة بسببها ، فوقعت فيه أو التقطها طائر بعد رميها قبل وصولها ، لم يجزئه فلو وقعت في مكان صلب ، ثم تدحرجت إليه أو وقعت على ثوب إنسان فنفضها من وقعت عليه أجزأه ، نص عليه ، وقال ابن عقيل : لا يجزئه قال في " الفروع " : وهو أظهر ; لأن فعل الأول انقطع ، فلو رماها وشك في وقوعها فيه ، لم يسقط . وعنه : بلى ذكره ابن البنا ، وقيل : يكفي الظن بوقوعها فيه .

                                                                                                                          فرع : إذا عجز عن الرمي جاز أن يستنيب فيه فإذا رمى ، ثم ترك لم يلزمه إعادته ; لأن الواجب سقط عنه ( ولا ) يسن أن ( يقف عندها ) لما روى ابن عمر ، وابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رمى جمرة العقبة انصرف ، ولم يقف . رواه ابن ماجه ، وروى البخاري معناه في حديث ابن عمر ، ولضيق المكان ( ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي ) في قول الجمهور لما روى الفضل بن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة أخرجاه في " الصحيحين " ولأنه كان رديفه ، فهو أعلم بحاله ، وفي لفظ : قطع عند أول حصاة . رواه حنبل في " المناسك " ولأنه يتحلل به فشرع قطعها في ابتدائه ، كالمعتمر يقطعها بالشروع في الطواف ( فلو رمى بذهب أو فضة ) لم يجزئه ; لأنه - عليه السلام - لم يرم إلا بالحصى ، وهو تعبدي ، وعنه : بلى ، فإن رمى بخاتم فصه حصاة ، فوجهان ( أو غير الحصى ) الظاهر أنه أراد به نحو الكحل ، والرخام ، وصرح به أبو الخطاب ; لأن شرطه الحجرية ، وهذا ليس منه ، ويلحق به الجواهر المنطبعة ، والزبردج ، والياقوت على المشهور ، وعنه : تجزئ مع الكراهة ، وعنه : تجزئ مع الجهل لا القصد ، [ ص: 241 ] لكن الرخام والكدان صرح في " المغني " و " الشرح " بالإجزاء ، فيه فدل أنه ملحق بالأحجار ، وعلى الأول : لا ، ويحتمل أنه أراد الحجر الكبير ، وفيه روايتان ، والمذهب أنه لا يجزئ ، ونقل الزركشي أنه يجزئه على المشهور لوجود الحجرية ، وكذا القولان في الصغير قاله في " المغني " ( أو حجر رمي به مرة لم يجزئه ) في المنصوص ; لأنه استعمل في عبادة فلم يستعمل ثانيا كماء الوضوء ، ولأخذه - عليه السلام - إياه من غير المرمي ، ولأنه لو جاز لما احتيج إلى أخذه من غير مكانه ، ( ويرمي بعد طلوع الشمس ) هذا هو الأفضل ، وحكاه ابن عبد البر إجماعا لقول جابر رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرة ضحى يوم النحر . رواه مسلم ، وذكر جماعة : يسن بعد الزوال ( فإن رمى بعد نصف الليل ) أي : ليلة الأضحى ( أجزأه ) لما روت عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ، ثم مضت ، وأفاضت . رواه أبو داود ، وعنه : يجزئ بعد الفجر قبل طلوع الشمس ، وقال ابن عقيل : نصه للرعاء خاصة الرمي ليلا ، نقله ابن منصور ، والأول أولى ; لأنه وقت للدفع من مزدلفة فكان وقتا للرمي كبعد طلوع الشمس ، والأخبار محمولة على الاستحباب فإن أخره إلى آخر النهار جاز فإن غربت قبله فمن غد بعد الزوال .




                                                                                                                          الخدمات العلمية