الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين . الآية . أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي، وغيره قالوا : قال عبد الله بن [ ص: 540 ] رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اشترط لربك ولنفسك ما شئت . قال : أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم . قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال : الجنة . قال : ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل . فنزلت : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن جابر بن عبد الله قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم الآية، فكبر الناس في المسجد، فأقبل رجل من الأنصار ثانيا طرفي ردائه على عاتقه، فقال : يا رسول الله، أنزلت هذه الآية؟ قال : نعم . فقال الأنصاري : بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سل سيفه في سبيل الله فقد بايع الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، أن أسعد بن زرارة أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، فقال : يا أيها الناس، هل تدرون علام تبايعون محمدا؟ إنكم تبايعونه على أن تحاربوا العرب والعجم، والجن [ ص: 541 ] والإنس مجلبة . فقالوا : نحن حرب لمن حارب، وسلم لمن سالم . فقال أسعد بن زرارة : يا رسول الله، اشترط علي . فقال : تبايعوني على أن تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، والسمع والطاعة، ولا تنازعوا الأمر أهله، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم . قالوا : نعم . قال قائل الأنصار : نعم، هذا لك يا رسول الله، فما لنا؟ قال : الجنة والنصر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم بالعباس بن عبد المطلب، وكان ذا رأي، إلى السبعين من الأنصار عند العقبة، فقال العباس : ليتكلم متكلمكم ولا يطيل الخطبة، فإن عليكم للمشركين عينا، وإن يعلموا بكم يفضحوكم . فقال قائلهم وهو أبو أمامة أسعد : يا محمد، سل لربك ما شئت، ثم سل لنفسك وأصحابك ما شئت، ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله وعليكم إذا فعلنا ذلك . فقال : أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأسألكم لنفسي وأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم . قال : فما لنا إذا فعلنا؟ ذلك قال : الجنة . فكان الشعبي إذا حدث هذا الحديث قال : ما سمع الشيب والشبان بخطبة أقصر ولا أبلغ منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كان إذا قرأ هذه الآية : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم قال : أنفس هو خلقها، وأموال هو [ ص: 542 ] رزقها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة قال : ثامنهم والله وأغلى لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن قال : ما على ظهر الأرض مؤمن إلا قد دخل في هذه البيعة - وفي لفظ : اسمعوا إلى بيعة بايع الله بها كل مؤمن - إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، من طريق عياش بن عتبة الحضرمي، عن إسحاق بن عبد الله المدني قال : لما نزلت هذه الآية : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الأنصار، فقال : يا رسول الله، نزلت هذه الآية؟ فقال : نعم . فقال الأنصاري : بيع رابح، لا نقيل ولا نستقيل . قال عياش : وحدثني إسحاق أن المسلمين كلهم قد دخلوا في هذه الآية؛ من كان منهم إذا احتيج إليه نفع وأغار، ومن كان منهم لا يغير إذا احتيج إليه فقد خرج من هذه البيعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير في قوله : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يعني : بالجنة، يقاتلون . يعني : يقاتلون المشركين، في سبيل الله يعني : [ ص: 543 ] في طاعة الله، فيقتلون يعني : العدو : ويقتلون يعني المؤمنين، وعدا عليه حقا يعني : ينجز ما وعدهم من الجنة، في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فليس أحد أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به الرب تبارك بإقراركم بالعهد الذي ذكره في هذه الآية، وذلك يعني : الذي ذكر من الثواب في الجنة للقاتل والمقتول، هو الفوز العظيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة قال : ثامنهم والله فأغلى لهم الثمن، وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن قال : وعدهم في التوراة والإنجيل أنه من قتل في سبيل الله أدخله الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن شمر بن عطية قال : ما من مسلم إلا ولله تعالى في عنقه بيعة، وفى بها أو مات عليها : إن الله اشترى من المؤمنين الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن الربيع قال : في قراءة عبد الله : (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله : إن الله اشترى الآية . قال : نسختها : ليس على الضعفاء الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 544 ] وأخرج أبو الشيخ ، عن سليمان بن موسى : وجبت نصرة المسلمين على كل مسلم؛ لدخوله في البيعة التي اشترى الله بها من المؤمنين أنفسهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية