الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ( 91 ) ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ( 92 ) )

يقول تعالى : ( وإذا قيل لهم ) أي : لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب ( آمنوا بما أنزل الله ) [ أي ] : على محمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه واتبعوه ( قالوا نؤمن بما أنزل علينا ) أي : يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التوراة والإنجيل ولا نقر إلا بذلك ، ( ويكفرون بما وراءه ) يعني : بما بعده ( وهو الحق مصدقا لما معهم ) أي : وهم يعلمون أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم الحق ( مصدقا ) منصوب على الحال ، أي في حال تصديقه لما معهم من التوراة والإنجيل ، فالحجة قائمة عليهم بذلك ، كما قال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) [ البقرة : 146 ] ثم قال تعالى : ( [ قل ] فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ) أي : إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم ، فلم قتلتم الأنبياء الذين جاءوكم بتصديق التوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها ، وأنتم تعلمون صدقهم ؟ قتلتموهم بغيا [ وحسدا ] وعنادا واستكبارا على رسل الله ، فلستم تتبعون إلا مجرد الأهواء ، والآراء والتشهي كما قال تعالى ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) [ البقرة : 87 ] .

[ ص: 329 ]

وقال السدي : في هذه الآية يعيرهم الله تعالى : ( قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين )

وقال أبو جعفر بن جرير : قل يا محمد ليهود بني إسرائيل [ الذين ] إذا قلت لهم : آمنوا بما أنزل الله قالوا : ( نؤمن بما أنزل علينا ) : لم تقتلون إن كنتم يا معشر اليهود مؤمنين بما أنزل الله عليكم أنبياءه وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم ، بل أمركم فيه باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم ، وذلك من الله تكذيب لهم في قولهم : ( نؤمن بما أنزل علينا ) وتعيير لهم .

( ولقد جاءكم موسى بالبينات ) أي : بالآيات الواضحات والدلائل القاطعة على أنه رسول الله ، وأنه لا إله إلا الله . والبينات هي : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والعصا ، واليد ، وفلق البحر ، وتظليلهم بالغمام ، والمن والسلوى ، والحجر ، وغير ذلك من الآيات التي شاهدوها ( ثم اتخذتم العجل ) أي : معبودا من دون الله في زمان موسى وآياته . وقوله ( من بعده ) أي : من بعد ما ذهب عنكم إلى الطور لمناجاة الله كما قال تعالى : ( واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ) [ الأعراف : 148 ] ، ( وأنتم ظالمون ) [ أي وأنتم ظالمون ] في هذا الصنيع الذي صنعتموه من عبادتكم العجل ، وأنتم تعلمون أنه لا إله إلا الله ، كما قال تعالى : ( ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ) [ الأعراف : 149 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية