الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 433 ] فصل .

                                                                                                                          في نقض العهد وإذا امتنع الذمي من بذل الجزية ، أو التزام أحكام الملة ، انتقض عهده ، وإن تعدى على مسلم بقتل أو قذف أو زنا ، أو قطع طريق أو تجسس أو إيواء جاسوس ، أو ذكر الله - تعالى - أو كتابه أو رسوله بسوء ، فعلى روايتين وإن أظهر منكرا أو رفع صوته بكتابه ونحوه ، لم ينتقض عهده . وظاهر كلام الخرقي أنه ينتقض إن كان مشروطا عليهم ، ولا ينتقض عهد نسائه وأولاده بنقض عهده وإذا انتقض عهده ، خير الإمام فيه ، كالأسير الحربي وماله فيء عند الخرقي . وقال أبو بكر : يكون لورثته .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( فصل .

                                                                                                                          في نقض العهد : وإذا امتنع الذمي من بذل الجزية ) أو الصغار ، قاله الشيخ تقي الدين ( أو التزام أحكام الملة ، انتقض عهده ) لأن الله - تعالى - أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية ويلتزموا أحكام الملة الإسلامية ؛ لأنها نسخت كل حكم يخالفها ، فلا يجوز بقاء العهد مع الامتناع ، زاد في " المغني " و " الشرح " : إذا حكم بها حاكم ، ولم أره في غيرهما ، وسواء شرط عليهم ذلك أو لا ، وكذا إذا قاتلنا . والأشهر : أو لحق بدار الحرب مقيما ؛ لأنه صار حربا لنا ، لدخوله في جملة أهل الحرب . ( وإن تعدى على مسلم بقتل ) وقيده أبو الخطاب في " خلافه الصغير " بالعمد ( أو قذف أو زنا ) بمسلمة قال الشيخ تقي الدين : ولو لم يثبت ببينة ، بل اشتهر بين المسلمين ، وفيه شيء . ( أو قطع طريق ، أو تجسس ، أو إيواء جاسوس ، أو ذكر الله - تعالى - ، أو كتابه ، أو رسوله بسوء ، فعلى روايتين ) .

                                                                                                                          إحداهما : ينتقض ، اختاره القاضي ، والشريف ، وجزم به في " الوجيز " وقدمه في " المحرر " في غير القذف لما روي عن عمر أنه رفع إليه ذمي أراد استكراه مسلمة على الزنا فقال : ما على هذا صالحناكم ، وأمر به فصلب في بيت المقدس ، وقيل لابن عمر : إن راهبا يشتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : لو سمعته لقتلته إنا لم نعط الأمان على هذا ، ولأن في ذلك ضررا على المسلمين أشبه الامتناع من الصغار .

                                                                                                                          [ ص: 434 ] والثانية : لا ينتقض ؛ لأنه لا يجب عليهم تركه فلم ينتقض بفعله . قاله ابن المنجا ، وفيه نظر ، فعلى هذا يقام عليه الحد فيما يوجبه ، ويقتص منه فيما يوجب القصاص ، ويعزر فيما سوى ذلك ؛ لأن ما يقتضيه العهد باق ، ونصه فيمن قذف مسلما أو آذاه بسحر في تصرفاته كإبطال بعض أعضائه ، أنه لا ينتقض ؛ لأن ضرره لا يعم المسلمين ، أشبه ما لو لطمه بخلاف ما سبق ، فإن فيه غضاضة على المسلمين ، خصوصا بسب الله ودينه ورسوله . والمذهب أنه إذا فتن مسلما عن دينه ، أو أصاب المسلمة باسم نكاح : أنه ينتقض . وذكر جماعة الخلاف السابق مع الشرط .

                                                                                                                          ( وإن أظهر منكرا أو رفع صوته بكتابه ) أو ركب الخيل ( لم ينتقض عهده ) لأن العقد لا يقتضيه ، ولا ضرر على المسلمين فيه ، ولكن يعزر لارتكابه المحرم في نفسه . ( وظاهر كلام الخرقي ) . وجزم به في " الوجيز " ( أنه ينتقض إن كان مشروطا عليهم ) لحديث عبد الرحمن بن غنم ، ولأنه عقد بشرط ، فزال بزواله ، كما لو امتنع من بذل الجزية . ( ولا ينتقض عهد نسائه وأولاده بنقض عهده ) نقله عبد الله ، وجزم به جماعة . لأن النقض وجد منه دونهم ، فاختص حكمه به . وظاهره : لحقوا بدار الحرب أو لا ، وفى " الأحكام السلطانية " بلى ؛ كحادث بعد نقضه بدار حرب ، ولم يقيده في " الفصول " و " المحرر " بها ، وفى " العمدة " ينتقض في ذريته إن ألحقهم بدار حرب ، وكمن علم منهم بنقضه ولم ينكر عليه ففيه وجهان . فلو حملت به أمه وولدته بعد النقض فإنه يسترق ويسبى لعدم ثبوت الأمان له ، ومن انتقض عهده في نفسه ، انتقض عهده في ماله ، وسيأتي .

                                                                                                                          [ ص: 435 ] ( وإذا انتقض عهده ؛ خير الإمام فيه كالأسير الحربي ) لفعل عمر ، ولأنه كافر لا أمان له ، أشبه الأسير ، وكما لو دخل متلصصا ، وهذا ظاهر فيمن نقضه بلحوقه بدار الحرب ، ومن نقضه بغيره ، فنصه : يقتل ؛ لأنه فعل ما يوجبه لو كان مسلما ، وكذا فإن كان ذميا ، فقيل : يتعين قتله ، قدمه في " المحرر " والأشهر أنه يخير فيه ، وعلى ذلك تشرع استتابته بالعود إلى الذمة ؛ لأن إقراره بها جائز بعد هذا ، لكن لا تجب استتابته رواية واحدة . فمن أسلم ، حرم قتله ، ذكره جماعة . وفي " المستوعب " : ورقه ، وإن رق ثم أسلم ، بقي رقه ، وقيل : من نقض عهده بغير قتالنا ، ألحق بمأمنه ، وقولنا : حرم قتله ، وهذا في غير الساب ، فإن ابن أبي موسى ، وابن البنا والسامري ، والشيخ تقي الدين قالوا بأن ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتل ولو أسلم ، ونص عليه أحمد ؛ لأنه قذف لميت ، فلا يسقط بالتوبة . ( وماله فيء عند الخرقي ) وهو ظاهر كلام أحمد . وجزم به في " الوجيز " واختاره المجد لأن المال لا حرمة له في نفسه إنما هو تابع لمالكه حقيقة ، وقد انتقض عهد المالك في نفسه فكذا في ماله ( وقال أبو بكر : يكون لورثته ) لأن ماله كان معصوما فلا تزول عصمته بنقضه العهد ، كذريته ، فإن لم يكن له وارث ، فهو فيء . انتهى .




                                                                                                                          الخدمات العلمية