الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            فصل في صفة الأئمة ومتعلقاتها واعلم أن الإمام تطلب فيه صفات بعضها واجب وبعضها مستحب ، كما سيأتي أن الواجب أن تكون صلاته صحيحة عند المقتدي مغنية عن القضاء ، وإلا فلا تصح القدوة . وقد شرع في بيان ذلك فقال : ( فصل ) في صفة الأئمة ومتعلقاتها ( لا يصح اقتداؤه بمن يعلم بطلان صلاته ) كعلمه بكفره أو حدثه لتلاعبه ( أو يعتقده ) أي البطلان بأن يظنه ظنا غالبا وليس المراد به ما اصطلح عليه الأصوليون ، وهو الجازم المطابق لدليل ( كمجتهدين اختلفا في القبلة ) [ ص: 163 ] اجتهادا ولو مع التيامن والتياسر ، وإن اتحدت الجهة ( أو ) في ( إناءين ) كماء طاهر ونجس ، وأدى اجتهاد كل لغير ما أدى إليه اجتهاد صاحبه فصلى كل لجهة ، أو توضأ من إناء فيمتنع على أحدهما أن يقتدي بالآخر لاعتقاده بطلان صلاته ( فإن تعدد الطاهر ) من الآنية كالمثال الآتي ولم يظن من حال غيره شيئا ( فالأصح الصحة ) أي صحة اقتداء بعضهم ببعض ( ما لم يتعين إناء الإمام للنجاسة ) لما يأتي .

                                                                                                                            ( فإن ) ( ظن ) بالاجتهاد ( طهارة إناء غيره ) كإنائه ( اقتدى به قطعا ) جوازا لعدم تردده أو نجاسته لم يقتد به قطعا كما في حق نفسه ( فلو ) ( اشتبه خمسة ) من الآنية ( فيها ) إناء ( نجس على خمسة ) من الناس واجتهد كل منهم ( فظن كل طهارة إنائه ) والإضافة هنا ليست للملك ، إذ لا يشترط في المجتهد فيه كونه مملوكا له ، وإنما هي للاختصاص ( فتوضأ به ) ولم يظن شيئا من أحوال الأربعة الباقية ( وأم كل منهم ) الباقين ( في صلاة ) من الخمس مبتدئين بالصبح ( ففي الأصح ) السابق فيما قبلها ( يعيدون العشاء ) لتعين النجاسة في إمامها بزعمهم ، وإنما عولوا على التعيين بالزعم هنا مع كون الأمر منوطا بظن المبطل المعين ولم يوجد ، بخلاف المبهم لما مر من صحة الصلاة بالاجتهاد إلى جهات متعددة ; لأنه لما كان الأصل في فعل المكلف صونه عن الإبطال [ ص: 164 ] ما أمكن اضطررنا ; لأجل ذلك إلى اعتباره ، وهو يستلزم اعترافه ببطلان صلاة الأخير فكان مؤاخذا به بخلاف ما مر ثم ، فإن كل اجتهاد وقع صحيحا فلزمه أن يعمل بمقتضاه ولا مبالاة بوقوع مبطل غير معين ( إلا إمامها فيعيد المغرب ) لتعين النجاسة في حقه ، ومرادهم بتعين النجاسة عدم احتمال بقاء وجودها في حق غيره . وضابط ذلك أن كلا يعيد ما صلاه مأموما آخر .

                                                                                                                            والوجه الثاني يعيد كل منهم ما صلاه مأموما وهو أربع صلوات ; لعدم صحة الاقتداء كما تقدم ، ولو كان في الخمسة نجسان صحت صلاة كل خلف اثنين فقط ، أو النجس منها ثلاثة فبواحد فقط .

                                                                                                                            ويؤخذ مما مر في الضابط أن من تأخر منهم تعين الاقتداء به للبطلان ، ولو كان النجس أربعة [ ص: 165 ] لم يقتد أحد منهم بأحد ، ولو سمع صوت حدث أو شمه بين خمسة وتناكروه ، وأم كل في صلاة فكما ذكر في الأواني ( و ) شمل قوله يعتقده الاعتقاد الجازم لدليل نشأ عن اجتهاد في الفروع فعليه ( لو ) ( اقتدى شافعي بحنفي ) مثلا ارتكب مبطلا في اعتقادنا أو اعتقاده كأن ( مس فرجه أو افتصد ) ( فالأصح الصحة في الفصد دون المس اعتبارا ) فيهما ( بنية المقتدي ) هو من زيادته على المحرر ، ومراده بالنية الاعتقاد ; لأنه محدث عنده بالمس دون الفصد ، وقد صورها صاحب الخواطر السريعة بما إذا نسي الإمام كونه مفتصدا لتكون نيته جازمة في اعتقاده ، بخلاف ما إذا علمه ; لأنه متلاعب عندنا أيضا لعلمنا بعدم جزمه بالنية ، قيل ويرده كلام الأصحاب فإنهم عللوا الوجه القائل باعتبار عقيدة الإمام بأنه يرى أنه متلاعب في الفصد ونحوه فلا تقع منه نية صحيحة ، فالخلاف إنما هو عند علمه حال النية بفصده .

                                                                                                                            ويجاب بأن المراد بالتلاعب في تعليل ما ذكر بالنظر للمأموم دون الإمام ، إذ غاية أمره أنه عالم حال [ ص: 166 ] النية بمبطل عنده ، وعلمه به مؤثر في جزمه عنده لا عندنا ، ومقابل الأصح أن العبرة بعقيدة الإمام لما مر ، ولا يشكل على ما تقرر حكمنا باستعمال مائه وعدم مفارقته عند سجوده ل { ص } .

                                                                                                                            ولا قولهم لو نوى مسافران شافعي وحنفي إقامة أربعة أيام بموضع انقطع بوصولهما سفر الشافعي فقط وجاز له الاقتداء بالحنفي مع اعتقاده بطلان صلاته ; لأن كلامهم هنا في ترك واجب لا يجوزه الشافعي مطلقا بخلافه ثم فإنه يجوز القصر في الجملة ، وسيأتي فيه زيادة في بابه ، وأيضا فالمبطل هنا وفيما لو سجد ل { ص } أو تنحنح عمدا عهد اغتفار نظيره في اعتقاد الشافعي لو وقع من جاهل ، والحنفي مثله فلا ينافي اعتقاد كل جواز ما أقدم عليه فاغتفر له قياسا عليه ، بخلاف الصلاة مع نحو المس فإنه يستوي في ذلك الجاهل وغيره .

                                                                                                                            ولو شك شافعي في إتيان المخالف بالواجبات عند المأموم لم يؤثر في صحة الاقتداء به تحسينا للظن به [ ص: 167 ] في توقي الخلاف ، ولو ترك الإمام البسملة لم تصح قدوة الشافعي به ولو كان المقتدى به الإمام الأعظم أو نائبه كما نقلاه عن تصحيح الأكثرين وقطع جماعة وهو المعتمد ، وإن نقلا عن الحليمي والأودني الصحة خلفه واستحسناه . وتعليل الجواز بخوف الفتنة ممنوع ، فقد لا يعلم الإمام بعدم اقتدائه أو مفارقته كأن يكون في الصف الأخير مثلا أو يتابعه في أفعالها من غير ربط وانتظار كثير فينتفي خوف الفتنة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في صفات الأئمة ( قوله : في صفات الأئمة ) قد يتعين أن يكون الإنسان إماما ، ولا يجوز أن يكون مأموما كالأصم الأعمى الذي لا يمكنه العلم بانتقالات غيره فإنه يصح أن يكون إماما ولا يصح أن يكون مأموما م ر ا هـ سم على منهج . ( قوله : ومتعلقاتها ) أي متعلقات الصفات كوجوب الإعادة ومسألة الأواني ( قوله : أو حدثه ) أي المتفق عليه أما المختلف فيه فسيأتي في قوله ولو اقتدى إلخ ( قوله : ظنا غالبا ) كان التقييد بالغالب ليكون اعتقادا : أي بالمعنى الآتي وهو الظن القوي لكن لا يبعد الاكتفاء بأصل الظن ، بل الوجه أن يراد بالاعتقاد هنا ما يشمل أصل الظن بدليل المثال فإن الاجتهاد المذكور غالبا أو كثيرا إنما يحصل أصل الظن . ا هـ سم على ابن حجر .

                                                                                                                            وقوله ليكون اعتقادا فيه نظر ، فإنه وإن أريد الظن الغالب لا يكون اعتقادا لأخذهم في مفهوم الاعتقاد الجزم ، فلو قال قيد به ليكون بيانا للمراد بالاعتقاد هنا كان أولى . وقول سم : لا يبعد الاكتفاء بأصل الظن : أي حيث كان مستند الدليل ، بخلاف ظن منشؤه غلبة النجاسة مثلا المعارضة بأصل الطهارة كأن توضأ إمامه من ماء قليل يغلب ولوغ الكلاب من مثله فلا التفات لهذا الظن استصحابا لأصل الطهارة .

                                                                                                                            ( قوله : وهو الجازم ) أي التصديق الجازم ( قوله : المطابق ) قيد به ; ليكون اعتقادا صحيحا ، وإلا فغير [ ص: 163 ] المطابق اعتقاد فاسد ، ومحل تسميته اعتقادا حيث قبل التغيير وإلا فهو علم ( قوله : اجتهادا ) أي اختلف اجتهادهما فهو تمييز محول عن الفاعل ( قوله : أو توضأ ) أي كل منهما ( قوله : من الآنية ) جمع إناء . قال في المصباح : الإناء والآنية الوعاء والأوعية وزنا ومعنى . ا هـ .

                                                                                                                            وهو لف ونشر مرتب ، فالإناء مفرد كالوعاء ، والآنية جمع كالأوعية ، وأصل آنية أأنية قلبت الثانية ألفا ; لأنه متى اجتمع همزتان ثانيتهما ساكنة وجب إبدالها من جنس حركة ما قبلها ( قوله : ولم يظن من حال غيره ) تقييد لمحل الخلاف كما سيأتي ولقوله الآتي إلا إمامها فيعيد المغرب ( قوله : من الآنية ) جمع إناء وجمعها أوان كما في مختار الصحاح ( قوله : كونه مملوكا له ) ثم رأيت أكثر النسخ إناء وحينئذ لا إشكال . ا هـ ابن حجر ( قوله : وإنما هي للاختصاص ) أي من حيث الاستعمال وهو من إفراد الإضافة لأدنى ملابسة وهي من المجاز الحكمي كما نقل عن السعد وأيده العصام فراجع الأطول . ( قوله : ولم يظن شيئا من أحوال الأربعة ) يؤخذ منه أنه لو زادت الأواني على عدد المجتهدين كثلاث أوان مع مجتهدين كان فيها نجس بيقين ، واجتهد أحد المجتهدين في أحدها فظن طهارته ولم يظن شيئا في الباقي واجتهد الآخر في الإناءين الباقيين فظن طهارة أحدهما صح اقتداء الأول بالثاني لاحتمال أن يكون صادف الطاهر .

                                                                                                                            وعليه فلو جاء آخر واجتهد وأداه اجتهاده لطهارة الثالث بعد اقتدائه بالأول فليس لأحد المجتهدين المذكورين أن يقتدي بالثالث لانحصار النجاسة في إنائه ، ولو كانوا خمسة والأواني ستة كان الحكم كذلك ، فلكل من الخمسة أن يقتدي بالبقية وليس لواحد منهم أن يقتدي بمن تطهر من السادس لما مر ( قوله : مبتدئين بالصبح ) قيد به لأجل قوله يعيدون العشاء ( قوله : ففي الأصح ) عبارة المحرر : فعلى الأصح قالالإسنوي وتبعه ابن النقيب : يجوز أن يكون مراده مراد المحرر ، ويجوز أن يكون عدوله إلى الفاء إشارة إلى أن هذا خلاف في قدر المقضي مفرع على الأصح السابق . قال الإسنوي : ويرشد إلى الثاني إتيانه بالفاء في قوله فلو اشتبه إلخ . انتهى فليتأمل انتهى .

                                                                                                                            عميرة وقوله عدوله إلى الفاء أولى منه عدوله إلى في ; لأنها التي عدل إليها وهي مركبة من حرفين ، ومثل ذلك يعبر بلفظه على أن الفاء إنما يعبر بها عن الفاء التي هي اسم لحرف التهجي ( قوله : بخلاف المبهم ) أي فليس الأمر منوطا به .

                                                                                                                            وقوله لما مر علة لكون الأمر ليس منوطا بالمبطل المبهم [ ص: 164 ] قوله : إلى اعتباره ) أي اعتبار التعيين بالزعم هنا مع كون الأمر منوطا إلخ ( قوله : وهو ) أي اعتباره ( قوله : إلا إمامها ) أي العشاء ( قوله : فيعيد المغرب ) ويتصور اقتداء بعضهم ببعض بأن يكونوا جاهلين أو ناسين وإلا فمتى تعين إناء من يريد الإمامة للنجاسة حرم الاقتداء به . ثم رأيت ابن حجر صرح بالحرمة المذكورة ، ولا يرد ذلك على المتن ; لأنه لم يتعرض لحكم الاقتداء ( قوله : في حق غيره ) أي بالنسبة للمقتدي ( قوله : كما تقدم ) الذي هو مقابل الأصح السابق في قوله فالأصح الصحة ، وبقي ما لو صلى بهم واحد إماما في الصلوات الخمس ، والذي يظهر الصحة ولا إعادة على واحد منهم ; لأن كل واحد جازم بطهارة إنائه الذي توضأ منه ولم تنحصر النجاسة في واحد .

                                                                                                                            [ فرع ] رأى إنسانا توضأ وأغفل لمعة فهل يصح اقتداؤه به لاحتمال أن هذا الوضوء تجديد أو لا يصح ; لأن الظاهر أنه عن حدث ؟ فيه تردد . قال م ر : الأصح منه عدم الصحة .

                                                                                                                            [ فرع ] لو اقتدى من يرى الاعتدال قصيرا بمن يراه طويلا فأطاله ، أو اقتدى شافعي بمثله فقرأ الإمام الفاتحة وركع واعتدل ثم شرع في الفاتحة لم يوافقه بل يسجد وينتظره ساجدا ، ذكر ذلك القاضي وكلام البغوي يقتضيه . قال الزركشي : وهو واضح ، واعتمده م ر وإن كان كلام القاضي يقتضي أن ينتظره في الاعتدال ويحتمل تطويل الركن القصير في ذلك . قال في شرح الروض : والمختار جواز كل من الأمرين ، وقد أفتيت به في نظيره من الجلوس بين السجدتين انتهى .

                                                                                                                            وقال م ر : المعتمد الأول . وانظر هل يخالف الأول ما في شرح الروض في الرحمة أنه جوز الدارمي وغيره للمنفرد أن يقتدي في اعتداله بغيره قبل ركوعه ويتابعه أو يفرق . [ فرع ] قال في الروض وشرحه : ولو ترك شافعي القنوت وخلفه حنفي فسجد الشافعي للسهو تابعه الحنفي ، ولو ترك السجود لم يسجد اعتبارا باعتقاده ، وفيه أنه إن كان المدار على اعتقاد الإمام فكان مقتضاه أنه إذا ترك [ ص: 165 ] السجود سجد الحنفي ; لأن مقتضى اعتقاد الإمام أن الإمام إذا ترك سجود السهو سن للمأموم بعد سلام الإمام الإتيان به .

                                                                                                                            ويرد أيضا أنه قد يكون الحكم عند الحنفي بخلاف ما ذكر ، فكيف يحكم عليه باعتقاده وهو لا يلزمه العمل بما يعتقده فليحرر . وإن كان المدار على اعتقاد المأموم فكان مقتضاه أن يرجع إلى مذهب الحنفي في ذلك ، فإن كان الحكم عندهم ما ذكر فواضح ، وإلا فكيف يحكم عليهم بما يعتقدون خلافه ؟ فليراجع . ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وقوله في الفرع الأول : فهل يصح اقتداؤه إلخ ؟ بقي ما لو رآه يتوضأ وضوءين وأغفل اللمعة المذكورة فهل يصح اقتداؤه به لاحتمال أنه تجديد أو لا لاحتمال أنه أحدث بين الوضوءين ، أو يفرق بين أن يعتاد التجديد أو لا ؟ فيه نظر والأقرب الثاني نظرا إلى ذلك الاحتمال ; لأنه يؤدي إلى تردد المقتدي في النية وقوله في الفرع الثاني : وقال م ر : المعتمد الأول هو قوله : قال الزركشي وهو واضح إلخ ، وقوله أو يفرق .

                                                                                                                            أقول : الظاهر الفرق ; لأنه في مسألة الاقتداء ينقطع اعتداله بقصد المتابعة فلا يعد فعله تطويلا للركن القصير بخلاف ما هنا ( قوله : لم يقتد أحد منهم ) أي لم يجز له ذلك . ( قوله : فكما ذكر في الأواني ) لكن لو تعدد الصوت المسموع لم يعد كل إلا صلاة واحدة لاحتمال أن الكل من واحد ( قوله : اعتبارا بنية المقتدي ) قضية الصحة واعتبار اعتقاد المأموم أن هذا الإمام يتحمل عن المأموم كغيره وتدرك الركعة بإدراكه راكعا فليحرر . ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            أقول : وهو ظاهر ; لأن اعتقاده صحة صلاته صيره من أهل التحمل عنده ( قوله : هو من زيادته ) أي قوله : اعتبارا بنية المقتدي ( قوله : محدث عنده ) أي المقتدي ( قوله : بما إذا نسي الإمام كونه مفتصدا ) قال سم على منهج : اعتمد هذا التصوير شيخنا الرملي وشيخنا طب وم ر ا هـ .

                                                                                                                            وكلام الشارح هنا صريح في اعتماده حيث حكى رده بقيل ثم أجاب عنه تبعا لحج ( قوله : قيل ) قائله ابن حجر ( قوله : ويرده كلام الأصحاب ) أي يرد تصوير صاحب الخواطر السريعة وقوله بعد ويجاب : أي عن هذا الرد ، ويؤخذ منه أنه لا فرق عنده بين كون الإمام ناسيا أو عالما ( قوله : إذ غاية أمره ) أي المأموم ، وقوله عنده : أي [ ص: 166 ] الإمام ، وقوله وعلمه : أي المأموم ، وقوله عنده : أي الإمام ( قوله : لما مر ) أي في قوله لتكون نيته جازمة ( قوله : عند سجوده ل { ص } ) أي لآية { ص } إلخ ( قوله : مع اعتقاده ) أي الشافعي ، وقوله : بطلان صلاته أي الحنفي ( قوله : لو وقع من جاهل ) وحكم باستعمال مائه ; لأنه أدى به ما لا بد منه ، وهو ترك الاعتراض عليه من الشافعي ; لأن المجتهد لا ينكر على مجتهد ، وإن لم يقل بمذهبه ( قوله : لم يؤثر ) بقي أن يقال : سلمنا أنه أتى به لكن على اعتقاد السنية ، ومن اعتقد بفرض معين نفلا كان ضارا : أي كما تقدم ، والشارح : أي في شرح الروض السابق أشار إلى دفعه بقوله : ولا يضر عدم اعتقاده الوجوب إلخ ، وكان حاصله أنه لما أتى به وكان اعتقاده عدم الوجوب مذهبا له غير مبطل عنده اكتفينا منه بذلك ، بخلاف الموافق فإن اعتقاده عدم الوجوب ليس مذهبا له ومبطل عنده فلم يكتف منه بذلك .

                                                                                                                            والحاصل أن اعتقاد عدم الوجوب إنما يؤثر إذا لم يكن مذهبا للمعتقد ، وإلا لم يؤثر ، ويكتفي منه بمجرد الإتيان ، وأما ما دفع به م ر أيضا ذلك من اعتقاده عدم الوجوب كإتيان من ظن أنه أتى بالجلوس بين السجدتين بالجلوس بقصد الاستراحة مع أنه يقع عن الجلوس بين السجدتين ففيه نظر ; لأنه ليس هناك اعتقاد فرض معين نفلا غاية الأمر أنه أتى بالفرض يظنه نفلا بناء على ظنه أنه أتى بالفرض بخلاف ما نحن فيه ، ويؤخذ من كون الشك في أن الحنفي ترك الواجبات لا يضر أن الشافعي كذلك ، إذ لا فرق بل الأولى ; لأنه لم يضر الشك في المخالف الذي لا يعتقد وجوب بعض الواجبات ففي الموافق أولى ، ومن ذلك ما إذا شك في طهارة الإمام ويدل عليه ما ذكره في شرح الروض كغيره فيما إذا أسر الإمام في الجهرية أنه لا إعادة عليه . ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            ( قوله : في صحة الاقتداء به ) أي فلو أخبره بعد بترك شيء من الواجبات فهل يؤثر لذلك ، وتجب الإعادة أو لا للحكم بمضي صلاته على الصحة ، فيه نظر ، والأقرب الأول قياسا على ما يأتي من أنه لو كان إمامه تاركا لتكبيرة الإحرام وجبت الإعادة ; لأن التحرم مما لا يخفى إلا أن يفرق بأن التحرم من شأنه جهر الإمام به : أي فينسب المأموم لتقصير في عدم العلم بالإتيان به من الإمام ، ولو كان بعيدا ، ولا كذلك غيره من الواجبات ، ويؤيد الفرق ما صرحوا به من أن الإمام لو شك بعد إحرام المأموم فاستأنف النية وكبر ثانيا لا يجب على المأموم إعادة الصلاة إذا علم بحال الإمام مع أنه بذلك يتبين تقدم إحرامه على إحرام إمامه ، وعللوا ذلك بمشقة الاطلاع على حال الإمام وأنه لا يلزمه تأمل حاله في بقية صلاته ، وسيأتي عن الشارح في كلام سم ما يقتضي وجوب الإعادة .

                                                                                                                            ( قوله : تحسينا للظن به ) قال في الروض وشرحه : [ ص: 167 ] ومحافظة على الكمال عنده . ا هـ . وقد يعترض على كلا التعليلين بأنه قد لا يكون المتروك عنده من الكمال ولا مما يطلب الخروج من الخلاف فيه عنده فلا يكون الظاهر الإتيان بجميع الواجبات . ا هـ سم على منهج في أثناء كلام . ( قوله : ولو ترك الإمام البسملة ) كأن سمعه يصل تكبيرة التحرم أو القيام بالحمد لله ( قوله : لم تصح ) أي فتجب عليه نية المفارقة عند إرادته الركوع ; لأن قبله بسبيل من أن يعيدها على الصواب ( قوله : الأودني ) قال في اللب : الأودني بالضم وفتح المهملة والنون إلى أودنة من قرى بخارى . قلت : وبالفتح إلى أودن منها أيضا ، قال ياقوت : وأظنهما واحدا ، واختلف في الهمزة . انتهى .

                                                                                                                            وفي طبقات الإسنوي : هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن بصير بالباء الموحدة ، توفي ببخارى سنة خمس وثمانين وثلثمائة ، وأودنة بفتح الهمزة كما نقله ابن الصلاح عن الإكمال لابن ماكولا وعن خط ابن السمعاني في الأنساب واقتصر عليه ، وذكر ابن خلكان أن ابن السمعاني قال : إنه بالضم وأن الفتح من خطأ الفقهاء ولم يذكر غيره أعنى ابن خلكان ( قوله : خلفه ) أي الإمام ، وقوله كأن يكون : أي المأموم ( قوله : وانتظار كثير ) أي عرفا م ر فيما يأتي في فصل شرط القدوة إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : واعلم أن الإمام تطلب فيه صفات إلى قوله إن الواجب إلى آخره ) كذا في نسخ الشارح ، ولعل قوله إن الواجب حرفه النساخ من قوله فمن الواجب ، وإلا فأصل العبارة للإمداد وهي كما ذكرت ( قوله : بأن يظنه ظنا غالبا وليس المراد إلخ ) ينافيه ما سيأتي له في قوله وشمل قوله : يعتقده الاعتقاد الجازم لدليل شرعي إلخ ، فقوله : وليس المراد به ما اصطلح عليه الأصوليون : أي فقط ، بل المراد هو والظن المذكور فهو مستعمل في حقيقته ومجازه ، لكن ينافى هذا الحمل الحصر في قوله بأن يظنه إلخ فكان الأصوب خلاف هذا التعبير ( قوله : المطابق ) [ ص: 163 ] إنما هو قيد في الاعتقاد الصحيح وإلا فالاعتقاد أعم من المطابق وغيره ( قوله : كما في حق نفسه ) أي كما يعلم بذلك طهارة ونجاسة في حق نفسه : أي فيتطهر بالأول دون الثاني فهو راجع للمسألتين ( قوله : فعل المكلف ) وهو هنا [ ص: 164 ] اقتداؤه بهم ( قوله : وهو يستلزم ) عبارة الشهاب حج وهو لاختياره له بالتشهي يستلزم إلخ ، ولا بد من هذا الذي حذفه الشارح ; لأنه هو محل الفرق بين المسألتين فلعله سقط من النساخ ( قوله : فإن كل اجتهاد وقع صحيحا ) أي كل اجتهاد صادر منه وبه فارق مسألة المياه ، إذ الاجتهاد وقع فيها من غيره وكان الأولى في التعبير ; لأن صلاته لكل جهة وقعت باجتهاد منه صحيح ( قوله : لما تقدم ) لم يتقدم له ما يصحح هذه الإحالة وهو تابع فيها للجلال المحلي ، لكن ذلك ذكر أولا مقابل الأصح السابق بقوله : والثاني لا يصح اقتداء بعضهم ببعض ، وعلله بقوله لتردد كل منهم في استعمال غيره للنجس فساغت له هذه الإحالة ، بخلاف الشارح وكأنه ظن أنه قدم مقدمة الجلال المذكور ( قوله : ويؤخذ مما مر ) في التعبير بالأخذ هنا مسامحة إذ ما هنا من أفراد الضابط ، وكان غرضه ما ذكره الشهاب حج بقوله : تنبيه : يؤخذ مما تقرر من لزوم الإعادة أنه يحرم عليهم فعل العشاء وعلى الإمام فعل المغرب لما تقرر من [ ص: 165 ] تعين النجاسة في كل . ا هـ . وإن كانت العبارة قاصرة عنه ( قوله : ويجاب ) عن هذا الرد الذي حكاه بقيل وقائله الشهاب حج .

                                                                                                                            فتلخص أن الشارح يختار تصوير صاحب الخواطر السريعة مخالفا للشهاب المذكور ، وإنما عبروا فيه بالتلاعب بالنظر للمأموم ; لأنه يرى الإمام حينئذ متلاعبا : أي صورة ، وإلا فلا تلاعب مع النسيان ، لكن قوله : إذ غاية الأمر لا يتنزل على ذلك فلا معنى له هنا ، وإن أوله الشيخ في الحاشية بما لا تقبله العبارة مع عدم صحته كما يعلم بمراجعتها ، وأصل ذلك أن الشهاب المذكور لما رد التصوير المتقدم بكلام الأصحاب المذكور واختار أن المسألة مصورة بالعمد استشعر سؤالا صورته : أنه كيف يصح الاقتداء به حينئذ وهو متلاعب ؟ فأورده وأجاب عنه بقوله : قلت كونه متلاعبا عندنا ممنوع ، إذ غاية أمره إلى آخر ما ذكره الشارح .

                                                                                                                            والشارح رتب هذا على جوابه [ ص: 166 ] المذكور فلم يلتئم معه ، وبعضهم أجاب عما أجاب عنه الشارح بحمل التلاعب في القول الثاني على ما هو في حكم التلاعب وذلك في الناسي لا في التلاعب حقيقة ، وبالفعل كما في العامد ، وهو يرجع في التحقيق إلى جواب الشارح بحسب ما قررناه به .




                                                                                                                            الخدمات العلمية