ومنها : من
nindex.php?page=treesubj&link=28853عزم على المعصية ولم يفعلها أو لم يتلفظ بها لا يأثم لقوله صلى الله عليه وسلم - : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11219إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به } .
ووقع في فتاوى
قاضي القضاة تقي الدين بن رزين أن الإنسان إذا
nindex.php?page=treesubj&link=28853عزم على معصية فإن كان قد فعلها ولم يتب منها فهو مؤاخذ بهذا العزم لأنه إصرار ، وقد تكلم
السبكي في الحلبيات على ذلك كلاما مبسوطا أحسن فيه جدا فقال : الذي يقع في النفس من قصد المعصية على خمس مراتب :
الأولى : الهاجس : وهو ما يلقى فيها ، ثم جريانه فيها وهو الخاطر ، ثم حديث النفس : وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو لا ؟ ثم الهم : وهو ترجيح قصد الفعل ، ثم العزم : وهو قوة ذلك القصد والجزم به ، فالهاجس لا يؤاخذ به إجماعا لأنه ليس
[ ص: 34 ] من فعله ; وإنما هو شيء ورد عليه ، لا قدرة له ولا صنع ، والخاطر الذي بعده كان قادرا على دفعه بصرف الهاجس أول وروده ، ولكنه هو وما بعده من حديث النفس مرفوعان بالحديث الصحيح ، وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=28853ارتفع حديث النفس ارتفع ما قبله بطريق الأولى .
وهذه المراتب الثلاثة أيضا لو كانت في الحسنات لم يكتب له بها أجر . أما الأول فظاهر ، وأما الثاني والثالث فلعدم القصد ، وأما الهم فقد بين الحديث الصحيح " إن الهم بالحسنة ، يكتب حسنة ، والهم بالسيئة لا يكتب سيئة ، وينتظر فإن تركها لله كتبت حسنة ، وإن فعلها كتبت سيئة واحدة " والأصح في معناه أنه يكتب عليه الفعل وحده ; وهو معنى قوله " واحدة " ، وأن الهم مرفوع .
ومن هذا يعلم أن قوله في حديث النفس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34602 : ما لم يتكلم أو يعمل } ليس له مفهوم ، حتى يقال : إنها إذا تكلمت أو عملت يكتب عليه حديث النفس ; لأنه إذا كان الهم لا يكتب ، فحديث النفس أولى ، هذا كلامه في الحلبيات .
وقد خالفه في شرح المنهاج فقال : إنه ظهر له المؤاخذة من إطلاق قوله - صلى الله عليه وسلم - : {
أو تعمل } ولم يقل أو تعمله ، قال : فيؤخذ منه
nindex.php?page=treesubj&link=19429تحريم المشي إلى معصية ، وإن كان المشي في نفسه مباحا ، لكن لانضمام قصد الحرام إليه ، فكل واحد من المشي والقصد لا يحرم عند انفراده ، أما إذا اجتمعا فإن مع الهم عملا لما هو من أسباب المهموم به فاقتضى إطلاق {
أو تعمل } المؤاخذة به . قال : فاشدد بهذه الفائدة يديك ، واتخذها أصلا يعود نفعه عليك .
وقال ولده في منع الموانع : هنا دقيقة نبهنا عليها في جمع الجوامع وهي : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28853عدم المؤاخذة بحديث النفس والهم ليس مطلقا بل بشرط عدم التكلم والعمل ، وحتى إذا عمل يؤاخذ بشيئين همه وعمله ، ولا يكون همه مغفورا ، وحديث نفسه إلا إذا لم يتعقبه العمل ، كما هو ظاهر الحديث ، ثم حكى كلام أبيه الذي في شرح المنهاج ، والذي في الحلبيات ورجح المؤاخذة ، ثم قال في الحلبيات : وأما العزم فالمحققون على أنه يؤاخذ به ، وخالف بعضهم وقال : إنه من الهم المرفوع ، وربما تمسك بقول أهل اللغة ، هم بالشيء عزم عليه ، والتمسك بهذا غير سديد لأن اللغوي لا يتنزل إلى هذه الدقائق .
واحتج الأولون بحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9666إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . قالوا يا رسول الله : هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : كان حريصا على قتل صاحبه } فعلل بالحرص ، واحتجوا أيضا بالإجماع على المؤاخذة بأعمال القلوب كالحسد ونحوه ، وبقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } على تفسير الإلحاد بالمعصية ، ثم قال : إن التوبة واجبة على الفور ، ومن ضرورتها العزم على عدم العود ، فمتى عزم على العود
[ ص: 35 ] قبل أن يتوب منها ، فذلك مضاد للتوبة ، فيؤاخذ به بلا إشكال ، وهو الذي قاله
ابن رزين ، ثم قال في آخر جوابه : والعزم على الكبيرة ، وإن كان سيئة ، فهو دون الكبيرة المعزوم عليها .
وَمِنْهَا : مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28853عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَة وَلَمْ يَفْعَلهَا أَوْ لَمْ يَتَلَفَّظ بِهَا لَا يَأْثَم لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11219إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ } .
وَوَقَعَ فِي فَتَاوَى
قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ رَزِينٍ أَنَّ الْإِنْسَان إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28853عَزَمَ عَلَى مَعْصِيَة فَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَهَا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِهَذَا الْعَزْمِ لِأَنَّهُ إصْرَارٌ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ
السُّبْكِيُّ فِي الْحَلَبِيَّاتِ عَلَى ذَلِكَ كَلَامًا مَبْسُوطًا أَحْسَن فِيهِ جِدًّا فَقَالَ : الَّذِي يَقَع فِي النَّفْس مِنْ قَصْد الْمَعْصِيَة عَلَى خَمْس مَرَاتِب :
الْأُولَى : الْهَاجِس : وَهُوَ مَا يُلْقَى فِيهَا ، ثُمَّ جَرَيَانه فِيهَا وَهُوَ الْخَاطِر ، ثُمَّ حَدِيث النَّفْس : وَهُوَ مَا يَقَع فِيهَا مِنْ التَّرَدُّد هَلْ يَفْعَل أَوْ لَا ؟ ثُمَّ الْهَمّ : وَهُوَ تَرْجِيح قَصْد الْفِعْل ، ثُمَّ الْعَزْم : وَهُوَ قُوَّة ذَلِكَ الْقَصْد وَالْجَزْم بِهِ ، فَالْهَاجِس لَا يُؤَاخَذ بِهِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ
[ ص: 34 ] مِنْ فِعْله ; وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء وَرَدَ عَلَيْهِ ، لَا قُدْرَة لَهُ وَلَا صُنْع ، وَالْخَاطِر الَّذِي بَعْده كَانَ قَادِرًا عَلَى دَفْعه بِصَرْفِ الْهَاجِس أَوَّلَ وُرُوده ، وَلَكِنَّهُ هُوَ وَمَا بَعْده مِنْ حَدِيث النَّفْس مَرْفُوعَانِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح ، وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28853ارْتَفَعَ حَدِيث النَّفْس ارْتَفَعَ مَا قَبْله بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ الثَّلَاثَةُ أَيْضًا لَوْ كَانَتْ فِي الْحَسَنَات لَمْ يُكْتَب لَهُ بِهَا أَجْر . أَمَّا الْأَوَّل فَظَاهِر ، وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِث فَلِعَدَمِ الْقَصْد ، وَأَمَّا الْهَمّ فَقَدْ بَيَّنَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ " إنَّ الْهَمَّ بِالْحَسَنَةِ ، يُكْتَبُ حَسَنَةً ، وَالْهَمَّ بِالسَّيِّئَةِ لَا يُكْتَبُ سَيِّئَة ، وَيُنْتَظَر فَإِنْ تَرَكَهَا لِلَّهِ كُتِبَتْ حَسَنَةً ، وَإِنْ فَعَلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً " وَالْأَصَحّ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكْتَب عَلَيْهِ الْفِعْل وَحْده ; وَهُوَ مَعْنَى قَوْله " وَاحِدَة " ، وَأَنَّ الْهَمّ مَرْفُوع .
وَمِنْ هَذَا يُعْلَم أَنَّ قَوْله فِي حَدِيث النَّفْس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34602 : مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَعْمَلْ } لَيْسَ لَهُ مَفْهُوم ، حَتَّى يُقَال : إنَّهَا إذَا تَكَلَّمَتْ أَوْ عَمِلَتْ يُكْتَب عَلَيْهِ حَدِيث النَّفْس ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْهَمّ لَا يُكْتَب ، فَحَدِيثُ النَّفْسِ أَوْلَى ، هَذَا كَلَامُهُ فِي الْحَلَبِيَّاتِ .
وَقَدْ خَالَفَهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَقَالَ : إنَّهُ ظَهَرَ لَهُ الْمُؤَاخَذَة مِنْ إطْلَاق قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : {
أَوْ تَعْمَلْ } وَلَمْ يَقُلْ أَوْ تَعْمَلهُ ، قَالَ : فَيُؤْخَذ مِنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=19429تَحْرِيم الْمَشْي إلَى مَعْصِيَة ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْي فِي نَفْسه مُبَاحًا ، لَكِنْ لِانْضِمَامِ قَصْد الْحَرَام إلَيْهِ ، فَكُلّ وَاحِد مِنْ الْمَشْي وَالْقَصْد لَا يَحْرُم عِنْد انْفِرَاده ، أَمَّا إذَا اجْتَمَعَا فَإِنَّ مَعَ الْهَمّ عَمَلًا لِمَا هُوَ مِنْ أَسْبَاب الْمَهْمُوم بِهِ فَاقْتَضَى إطْلَاقُ {
أَوْ تَعْمَلْ } الْمُؤَاخَذَةَ بِهِ . قَالَ : فَاشْدُدْ بِهَذِهِ الْفَائِدَة يَدَيْك ، وَاِتَّخِذْهَا أَصْلًا يَعُود نَفْعه عَلَيْك .
وَقَالَ وَلَده فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ : هُنَا دَقِيقَة نَبَّهْنَا عَلَيْهَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَهِيَ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28853عَدَم الْمُؤَاخَذَة بِحَدِيثِ النَّفْس وَالْهَمّ لَيْسَ مُطْلَقًا بَلْ بِشَرْطِ عَدَم التَّكَلُّم وَالْعَمَل ، وَحَتَّى إذَا عَمِلَ يُؤَاخَذُ بِشَيْئَيْنِ هَمّه وَعَمَله ، وَلَا يَكُون هَمُّهُ مَغْفُورًا ، وَحَدِيث نَفْسه إلَّا إذَا لَمْ يَتَعَقَّبهُ الْعَمَل ، كَمَا هُوَ ظَاهِر الْحَدِيث ، ثُمَّ حَكَى كَلَامَ أَبِيهِ الَّذِي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ ، وَاَلَّذِي فِي الْحَلَبِيَّاتِ وَرَجَّحَ الْمُؤَاخَذَة ، ثُمَّ قَالَ فِي الْحَلَبِيَّاتِ : وَأَمَّا الْعَزْم فَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ ، وَخَالَفَ بَعْضهمْ وَقَالَ : إنَّهُ مِنْ الْهَمّ الْمَرْفُوع ، وَرُبَّمَا تَمَسّك بِقَوْلِ أَهْل اللُّغَة ، هَمَّ بِالشَّيْءِ عَزَمَ عَلَيْهِ ، وَالتَّمَسُّكُ بِهَذَا غَيْر سَدِيد لِأَنَّ اللُّغَوِيّ لَا يَتَنَزَّل إلَى هَذِهِ الدَّقَائِق .
وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9666إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ : كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ } فَعُلِّلَ بِالْحِرْصِ ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْمُؤَاخَذَة بِأَعْمَالِ الْقُلُوب كَالْحَسَدِ وَنَحْوه ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } عَلَى تَفْسِير الْإِلْحَاد بِالْمَعْصِيَةِ ، ثُمَّ قَالَ : إنَّ التَّوْبَة وَاجِبَة عَلَى الْفَوْر ، وَمِنْ ضَرُورَتهَا الْعَزْم عَلَى عَدَم الْعَوْد ، فَمَتَى عَزَمَ عَلَى الْعَوْد
[ ص: 35 ] قَبْل أَنْ يَتُوب مِنْهَا ، فَذَلِكَ مُضَادّ لِلتَّوْبَةِ ، فَيُؤَاخَذ بِهِ بِلَا إشْكَال ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ
ابْنُ رَزِينٍ ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِر جَوَابه : وَالْعَزْم عَلَى الْكَبِيرَة ، وَإِنْ كَانَ سَيِّئَة ، فَهُوَ دُون الْكَبِيرَة الْمَعْزُوم عَلَيْهَا .