الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وليس على المتيمم طلب الماء إذا لم يغلب على ظنه أن بقربه ماء ) لأن الغالب عدم الماء في الفلوات ، ولا دليل على الوجود ، فلم يكن واجدا للماء ( وإن غلب على ظنه أن هناك ماء لم يجز له أن يتيمم حتى يطلبه ) لأنه واجد [ ص: 234 ] للماء نظرا إلى الدليل ، ثم يطلب مقدار الغلوة ، ولا يبلغ ميلا كي لا ينقطع عن رفقته .

                                                                                                        ( وإن كان مع رفيقه ماء طلب منه قبل أن يتيمم ) لعدم المنع غالبا ، فإن منعه منه تيمم لتحقق العجز ( ولو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة رحمه الله ) لأنه لا يجب عليه الطلب من ملك الغير ، وقالا : لا يجزئه ، لأن الماء مبذول عادة ( ولو أبى أن يعطيه إلا بثمن المثل وعنده ثمنه لا يجزئه التيمم ) لتحقق القدرة ، ولا يلزمه تحمل الغبن الفاحش ، لأن الضرر مسقط ، والله أعلم .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        أحاديث التيمم من غير طلب الماء قد يستدل لذلك بحديث رواه أبو داود في " سننه " من حديث عبد الله بن نافع عن الليث عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري ، قال : { خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة ، وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا ، فصليا ، ثم وجدا الماء في الوقت ، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ، ولم يعد الآخر ، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له ، فقال للذي لم يعد : أصبت السنة ، وأجزأتك صلاتك ، وقال للذي توضأ فأعاد : لك الأجر مرتين }انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، قال أبو داود : وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء عن النبي مرسلا ، وذكر أبي سعيد فيه وهم ليس بمحفوظ . انتهى .

                                                                                                        قال ابن القطان في [ ص: 235 ] الوهم والإيهام " : فالذي أسنده أسقط من الإسناد رجلا ، وهو عميرة فيصير منقطعا ، والذي يرسله فيه مع الإرسال عميرة ، وهو مجهول الحال ، قال : لكن رواه أبو علي بن السكن : حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد الواسطي ثنا عباس بن محمد ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا الليث بن سعد عن عمرو بن الحارث ، وعميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء عن أبي سعيد أن رجلين خرجا في سفر ، الحديث ، قال : فوصله ما بين الليث ، وبكر بعمرو بن الحارث ، وهو ثقة ، وقرنه بعميرة ، وأسنده بذكر أبي سعيد .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا زيد بن أبي الزرقاء الموصلي ثنا ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن حنش عن عبد الله بن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم تيمم ، فقيل له : إن الماء منك قريب ، قال : فلعلي لا أبلغه } ، انتهى .



                                                                                                        في أن التيمم رافع أو مبيح . ومما استدل به على أن التيمم رافع للحدث ، حديث " الصحيحين " { وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا }.

                                                                                                        وحديث السنن { الصعيد الطيب وضوء المسلم ، ولو إلى عشر حجج }" وتكلف القائل بأنه مبيح لا رافع ، وأجاب عن الحديثين : بأن معناهما أن التراب قائم مقام الطهور في إباحة الصلاة ، قالوا : ولو كان طهورا حقيقة لما احتاج الجنب بعد التيمم أن يغتسل ، ثم استدلوا على ذلك بحديث عمران بن حصين أخرجاه في " الصحيحين " قال : { كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ، فإذا هو برجل معتزل ، فقال : ما منعك أن تصلي ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء ، قال : عليك بالصعيد ، واشتكى إليه الناس العطش فدعا عليا ، وآخر ، فقال : أبغيا الماء فذهبا فجاءا بامرأة معها مزادتان ، فأفرغ من أفواه المزادتين ، ونودي في الناس ، فسقى واستسقى ، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء [ ص: 236 ] فقال : اذهب فأفرغه عليك }انتهى .

                                                                                                        وقد يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم عاجله بالماء قبل أن يتيمم ، إذ ليس في الحديث أنه تيمم ، أو يقال : إنه عليه السلام أمره بالاغتسال استحبابا لا وجوبا ، وقد روى أبو داود من حديث عمرو بن العاص ، قال : { احتلمت في ليلة باردة ، وأنا في غزوة ذات السلاسل ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ، ثم صليت بأصحابي الصبح ، ثم أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ، ولم يقل شيئا } ، ورواه الحاكم ، وقال : على شرط الشيخين ، فلو كان الاغتسال بعد التيمم واجبا لأمره به .

                                                                                                        فائدة في ذكر وهم وقع لعبد الحق في " أحكامه " ذكر في " باب التيمم ، من كتاب الطهارة " من طريق العقيلي عن صالح بن بيان عن محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مسح التيمم هكذا ، ووصف صالح من وسط رأسه إلى جبهته }.

                                                                                                        قال ابن القطان في " كتابه " : هذا خطأ ، وتصحيف حققه عليه إدخاله إياه في " التيمم " إذ لم يسمع في رواية ولا في رأي يمسح الرأس في التيمم ، وإنما هو مسح اليتيم ، ولو قرأ آخر الحديث لتبين له سوء نقله ، قال العقيلي في " كتابه " في " ترجمة محمد بن سليمان بن علي أمير البصرة " : عن أبيه عن جده عن ابن عباس مرفوعا : { مسح اليتيم هكذا ووصف صالح من وسط رأسه إلى جبهته } ، ومن كان له أب فهكذا ، ووصف صالح من جبهته إلى وسط رأسه ، قال : ومحمد بن سليمان ليس يعرف بالنقل ، وحديثه غير محفوظ انتهى .

                                                                                                        وقد ذكره غير العقيلي كذلك ومنهم البزار في " مسنده " وليس لقائل أن يقول : لعل التصحيف من العقيلي ، فإن العقيلي إنما يترجم بأسماء الرجال . وعبد الحق إنما تحقق وهمه بإدخاله إياه في " كتاب الطهارة " بين أحاديث التيمم ، وإنما هو اليتيم ، فقال البزار لما رواه : هذا حديث لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه ، فلذلك كتبناه ، إذ لم يشارك محمد بن سليمان في هذه الرواية أحد ، وكذلك رواه الخطيب في " تاريخ بغداد " في " ترجمة محمد بن سليمان " وقال : لا يحفظ له غيره ، ولم يذكره بجرح ، ولا تعديل ، والله أعلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية