الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المسألة الثانية ]

[ من دخل على جماعة وكان قد صلى ]

وأما المسألة الثانية فإن الذي دخل المسجد ، وقد صلى لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون صلى [ ص: 121 ] منفردا ، وإما أن يكون صلى في جماعة .

فإن كان صلى منفردا فقال قوم : يعيد معهم كل الصلوات إلا المغرب فقط ، وممن قال بهذا القول مالك وأصحابه ، وقال أبو حنيفة : يعيد الصلوات كلها إلا المغرب والعصر .

وقال الأوزاعي : إلا المغرب والصبح ، وقال أبو ثور : إلا العصر والفجر ، وقال الشافعي : يعيد الصلوات كلها ، وإنما اتفقوا على إيجاب إعادة الصلاة عليه بالجملة لحديث بشر بن محمد عن أبيه " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له حين دخل المسجد ولم يصل معه : ما لك لم تصل مع الناس : ألست برجل مسلم ؟ فقال : بلى يا رسول الله ، ولكني صليت في أهلي ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت " فاختلف الناس لاحتمال تخصيص هذا العموم بالقياس أو بالدليل ، فمن حمله على عمومه أوجب عليه إعادة الصلوات كلها وهو مذهب الشافعي .

وأما من استثنى من ذلك صلاة المغرب ، فقط فإنه خصص العموم بقياس الشبه وهو مالك - رحمه الله - وذلك أنه زعم أن صلاة المغرب هي وتر ، فلو أعيدت لأشبهت صلاة الشفع التي ليست بوتر ; لأنها كانت تكون بمجموع ذلك ست ركعات ، فكأنها كانت تنتقل من جنسها إلى جنس صلاة أخرى ، وذلك مبطل لها ، وهذا القياس فيه ضعف لأن السلام قد فصل بين الأوتار ، والتمسك بالعموم أقوى من الاستثناء بهذا النوع من القياس ، وأقوى من هذا ما قاله الكوفيون من أنه إذا أعادها يكون قد أوتر مرتين ، وقد جاء في الأثر " لا وتران في ليلة " وأما أبو حنيفة فإنه قال : إن الصلاة الثانية تكون له نفلا ، فإن أعاد العصر يكون قد تنفل بعد العصر ، وقد جاء النهي عن ذلك ، فخصص العصر بهذا القياس ، والمغرب بأنها وتر ، والوتر لا يعاد ، وهذا قياس جيد إن سلم لهم الشافعي أن الصلاة الأخيرة لهم نفل . وأما من فرق بين العصر والصبح في ذلك فلأنه لم تختلف الآثار في النهي عن الصلاة بعد الصبح ، واختلف في الصلاة بعد العصر كما تقدم ، وهو قول الأوزاعي ، وأما إذا صلى في جماعة فهل يعيد في جماعة أخرى ؟ فأكثر الفقهاء على أنه لا يعيد ، منهم مالك ، وأبو حنيفة ، وقال بعضهم : بل يعيد ، وممن قال بهذا القول : أحمد ، وداود ، وأهل الظاهر .

والسبب في اختلافهم : تعارض مفهوم الآثار في ذلك ، وذلك أنه ورد عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " لا تصلى صلاة في يوم مرتين " وروي عنه " أنه أمر الذين صلوا في جماعة أن يعيدوا مع الجماعة الثانية " وأيضا فإن ظاهر حديث بشر يوجب الإعادة على كل مصل إذا جاء المسجد ، فإن قوته قوة العموم ، والأكثر على أنه إذا ورد العام على سبب خاص لا يقتصر به على سببه ، وصلاة معاذ مع النبي - عليه الصلاة والسلام - ثم كان يؤم قومه في تلك الصلاة فيه دليل على جواز إعادة الصلاة في الجماعة ، فذهب الناس في هذه الآثار مذهب الجمع ومذهب الترجيح .

أما من ذهب مذهب الترجيح فإنه أخذ بعموم قوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا تصلى صلاة واحدة في يوم مرتين " ولم يستثن من ذلك إلا صلاة المنفرد فقط لوقوع الاتفاق عليها .

وأما من ذهب مذهب الجمع فقالوا إن معنى قوله - عليه الصلاة والسلام : - " لا تصلى صلاة واحدة في [ ص: 122 ] يوم مرتين " إنما ذلك أن لا يصلي الرجل الصلاة الواحدة بعينها مرتين ، يعتقد في كل واحدة منهما أنها فرض ، بل يعتقد في الثانية أنها زائدة على الفرض ، ولكنه مأمور بها .

وقال قوم : بل معنى هذا الحديث إنما هو للمنفرد : ( أعني : أن لا يصلي الرجل المنفرد صلاة واحدة بعينها مرتين ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية