الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الطريق الثاني:

                                817 855 - ثنا سعيد بن عفير، ثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب : زعم عطاء، أن جابر بن عبد الله زعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا - أو قال: فليعتزل مسجدنا - وليقعد في بيته ".

                                وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي بقدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول، فقال: " قربوها " - إلى بعض أصحابه كان معه - فلما رآه كره أكلها. قال: " كل، فإني أناجي من لا تناجي ".


                                وقال أحمد بن صالح، عن ابن وهب: " أتي ببدر ".

                                قال ابن وهب: يعني: طبقا فيه خضرات.

                                ولم يذكر الليث وأبو صفوان، عن يونس قصة القدر، فلا أدري: هو من [ ص: 285 ] قول الزهري، أو في الحديث؟

                                التالي السابق


                                قال الخطابي: قول ابن شهاب : " زعم عطاء ، أن جابرا زعم " ليس على معنى التهمة لهما، ولكن لما كان أمرا مختلفا فيه حكى عنهم بالزعم، وقد يستعمل فيما يختلف فيه كما يستعمل فيما يرتاب به، ويقال: في قول فلان مزاعم، إذا لم يكن موثوقا به.

                                وذكر: أن رواية " القدر " تصحيف، إنما الصواب " ببدر "، وهو الطبق، كما قاله ابن وهب ، وسمي بدرا لاستدارته وحسن اتساقه، تشبيها بالقمر.

                                قال : وإن لم يكن " القدر " تصحيفا، فلعله كان مطبوخا، ولذلك لم يكره أكله لأصحابه، ثم بين أن كراهته لا تبلغ التحريم لقوله: " أناجي من لا تناجي "، يريد: الملك. انتهى.

                                وخرج ابن جرير الطبري بإسناد فيه ضعف من حديث أبي أيوب الأنصاري ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال - لما امتنع من أكل الطعام الذي أرسله إليه -: " إن فيها هذه البقلة: الثوم، وأنا رجل أقرب الناس وأناجيهم، فأكره أن يجدوا مني ريحه، ولكن مر أهلك أن يأكلوها ".

                                وهذه الرواية: تدل على أنه كره أكلها لكثرة مخالطته للناس وتعليمهم القرآن والعلم، فيستفاد من ذلك: أن من كان على هذه الصفة، فإنه يكره ذلك من ذلك ما لا يكره لمن لم يكن مثل حاله.

                                ولكن؛ روى مالك ، عن ابن شهاب ، عن سليمان بن يسار ، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يأكل الثوم ولا البصل ولا الكراث من أجل أن الملائكة تأتيه، من أجل أنه يكلم جبريل عليه السلام .

                                وهذا مرسل.

                                [ ص: 286 ] ولا ينافي التعليل بمناجاة الملك التعليل بمناجاة بني آدم ، كما ورد تعليل النهي عن قربان آكل الثوم للمساجد بالعلتين جميعا، كما سبق ذكره.

                                وقد ذكر البخاري : أن قصة إتيانه بقدر أو بدر لم يذكرها في هذا إلا ابن وهب ، عن يونس ، وأن الليث بن سعد وأبا صفوان - وهو: عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان - رويا عن يونس أول الحديث دون هذه القصة الآخرة، وأن ذلك يوجب التوقف في أن هذه القصة: هل هي من تمام حديث جابر ، أو مدرجة من كلام الزهري ؛ فإن الزهري كان كثيرا يروي الحديث، ثم يدرج فيه أشياء، بعضها مراسيل، وبعضها من رأيه وكلامه.

                                وقد خرج البخاري في " الأطعمة " الحديث من رواية أبي صفوان ، عن يونس ، مقتصرا على أول الحديث.

                                وخرج البخاري في " الأطعمة " الحديث، عن أحمد بن صالح ، عن ابن وهب ، وفي حديثه: " ببدر "، وذكر مخالفة سعيد بن عفير له، وأنه قال: " بقدر ".



                                الخدمات العلمية