بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم . ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم . ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السورة ; فقال
عامر الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين : هي سر الله في القرآن ، ولله في كل كتاب من كتبه سر . فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه ، ولا يجب أن يتكلم فيها ، ولكن نؤمن بها ونقرأ كما جاءت . وروي هذا القول عن
أبي بكر الصديق وعن
علي بن أبي طالب رضي الله عنهما . وذكر
أبو الليث السمرقندي عن
عمر وعثمان
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود أنهم قالوا : الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر . وقال
أبو حاتم : لم نجد الحروف المقطعة في القرآن إلا في أوائل السور ، ولا ندري ما أراد الله جل وعز بها .
قلت : ومن هذا المعنى ما ذكره
أبو بكر الأنباري : حدثنا
الحسن بن الحباب حدثنا
أبو بكر بن أبي طالب حدثنا
أبو المنذر الواسطي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16872مالك بن مغول عن
سعيد بن مسروق عن
الربيع بن خثيم قال : إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما شاء ، وأطلعكم على ما شاء ، فأما ما استأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه ، وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به ، وما بكل القرآن تعلمون ، ولا بكل ما تعلمون تعملون . قال
أبو بكر : فهذا يوضح أن حروفا من القرآن سترت معانيها عن جميع العالم ، اختبارا من الله عز وجل وامتحانا ; فمن آمن بها أثيب وسعد ، ومن كفر وشك أثم وبعد . حدثنا
أبو يوسف بن يعقوب [ ص: 151 ] القاضي حدثنا
محمد بن أبي بكر حدثنا
عبد الرحمن بن مهدي عن
سفيان عن
الأعمش عن
عمارة عن
حريث بن ظهير عن
عبد الله قال : ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب ، ثم قرأ : الذين يؤمنون بالغيب .
قلت : هذا القول في المتشابه وحكمه ، وهو الصحيح على ما يأتي بيانه في ( آل عمران ) إن شاء الله تعالى . وقال جمع من العلماء كبير : بل يجب أن نتكلم فيها ، ونلتمس الفوائد التي تحتها ، والمعاني التي تتخرج عليها ; واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة ; فروي عن
ابن عباس وعلي أيضا : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28969الحروف المقطعة في القرآن اسم الله الأعظم ، إلا أنا لا نعرف تأليفه منها .
وقال
قطرب والفراء وغيرهما : هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي منها بناء كلامهم ; ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم .
قال
قطرب : كانوا ينفرون عند استماع القرآن ، فلما سمعوا : الم و المص استنكروا هذا اللفظ ، فلما أنصتوا له صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجة عليهم . وقال قوم : روي أن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن
بمكة وقالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه نزلت ليستغربوها فيفتحون لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة .
وقال جماعة : هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها ; كقول
ابن عباس وغيره : الألف من الله ، واللام من
جبريل ، والميم من
محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : الألف مفتاح اسمه الله ، واللام مفتاح اسمه لطيف ، والميم مفتاح اسمه مجيد . وروى
أبو الضحى عن
ابن عباس في قوله : ( الم ) قال : أنا الله أعلم ، ( الر ) أنا الله أرى ، المص أنا الله أفصل . فالألف تؤدي عن معنى أنا ، واللام تؤدي عن اسم الله ، والميم تؤدي عن معنى أعلم . واختار هذا القول
الزجاج وقال : أذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى ; وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة نظما لها ووضعا بدل الكلمات التي الحروف منها ، كقوله : فقلت لها قفي فقالت قاف أراد : قالت وقفت . وقال
زهير : بالخير خيرات وإن شرا فا ولا أريد الشر إلا أن تا
أراد : وإن شرا فشر . وأراد : إلا أن تشاء .
[ ص: 152 ] وقال آخر : نادوهم ألا الجموا ألا تا
قالوا جميعا كلهم ألا فا
أراد : ألا تركبون ، قالوا : ألا فاركبوا . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830154من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة قال
شقيق : هو أن يقول في اقتل : اق ; كما قال عليه السلام
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500011كفى بالسيف شا معناه : شافيا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : هي أسماء للسور .
وقال
الكلبي : هي أقسام أقسم الله - تعالى - بها لشرفها وفضلها ، وهي من أسمائه ; عن
ابن عباس أيضا ، ورد بعض العلماء هذا القول فقال : لا يصح أن يكون قسما لأن القسم معقود على حروف مثل : إن ، وقد ، ولقد ، وما ; ولم يوجد هاهنا حرف من هذه الحروف ، فلا يجوز أن يكون يمينا . والجواب أن يقال : موضع القسم قوله تعالى : لا ريب فيه فلو أن إنسانا حلف فقال : والله هذا الكتاب لا ريب فيه ; لكان الكلام سديدا ، وتكون لا جواب القسم . فثبت أن قول
الكلبي وما روي عن
ابن عباس سديد صحيح . فإن قيل : ما الحكمة في القسم من الله تعالى ، وكان القوم في ذلك الزمان على صنفين : مصدق ، ومكذب ; فالمصدق يصدق بغير قسم ، والمكذب لا يصدق مع القسم ؟ . قيل له : القرآن نزل بلغة العرب ; والعرب إذا أراد بعضهم أن يؤكد كلامه أقسم على كلامه ; والله تعالى أراد أن يؤكد عليهم الحجة فأقسم أن القرآن من عنده .
وقال بعضهم : ( الم ) أي أنزلت عليك هذا الكتاب من اللوح المحفوظ . وقال
قتادة في قوله : ( الم ) قال اسم من أسماء القرآن .
وروي عن
محمد بن علي الترمذي أنه قال : إن الله تعالى أودع جميع ما في تلك السورة من الأحكام والقصص في الحروف التي ذكرها في أول السورة ، ولا يعرف ذلك إلا نبي أو ولي ، ثم بين ذلك في جميع السورة ليفقه الناس . وقيل غير هذا من الأقوال ; فالله أعلم .
والوقف على هذه الحروف على السكون لنقصانها إلا إذا أخبرت عنها أو عطفتها فإنك تعربها . واختلف : هل لها محل من الإعراب ؟ فقيل : لا ; لأنها ليست أسماء متمكنة ، ولا أفعالا مضارعة ; وإنما هي بمنزلة حروف التهجي فهي محكية . هذا مذهب
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه .
[ ص: 153 ] ومن قال : إنها أسماء السور فموضعها عنده الرفع على أنها عنده خبر ابتداء مضمر ، أي هذه ( الم ) ; كما تقول : هذه سورة البقرة . أو تكون رفعا على الابتداء والخبر ذلك ; كما تقول : زيد ذلك الرجل . وقال
ابن كيسان النحوي : ( الم ) في موضع نصب ; كما تقول : اقرأ ( الم ) أو عليك ( الم ) . وقيل : في موضع خفض بالقسم ; لقول ابن عباس : إنها أقسام أقسم الله بها .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْحُرُوفِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّورَةِ ; فَقَالَ
عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرُّ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ ، وَلِلَّهِ فِي كُلِّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ سِرٌّ . فَهِيَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي انْفَرَدَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُتَكَلَّمَ فِيهَا ، وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهَا وَنَقْرَأُ كَمَا جَاءَتْ . وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . وَذَكَرَ
أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ عَنْ
عُمَرَ وَعُثْمَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ مِنَ الْمَكْتُومِ الَّذِي لَا يُفَسَّرُ . وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : لَمْ نَجِدِ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ ، وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِهَا .
قُلْتُ : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ
أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ : حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَنَا
أَبُو الْمُنْذِرِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16872مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ ، وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ ، فَأَمَّا مَا اسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ ، وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبَرُونَ بِهِ ، وَمَا بِكُلِ الْقُرْآنِ تَعْلَمُونَ ، وَلَا بِكُلِ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ . قَالَ
أَبُو بَكْرٍ : فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ حُرُوفًا مِنَ الْقُرْآنِ سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيعِ الْعَالَمِ ، اخْتِبَارًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ ، وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ . حَدَّثَنَا
أَبُو يُوسُفَ بْنُ يَعْقُوبَ [ ص: 151 ] الْقَاضِي حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ
سُفْيَانَ عَنِ
الْأَعْمَشِ عَنْ
عُمَارَةَ عَنْ
حُرَيْثِ بْنِ ظُهَيْرٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِنٌ أَفْضَلُ مِنْ إِيمَانٍ بِغَيْبٍ ، ثُمَّ قَرَأَ : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ .
قُلْتُ : هَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُتَشَابِهِ وَحُكْمِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي ( آلِ عِمْرَانَ ) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَبِيرٌ : بَلْ يَجِبُ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا ، وَنَلْتَمِسَ الْفَوَائِدَ الَّتِي تَحْتَهَا ، وَالْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ عَدِيدَةٍ ; فَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ أَيْضًا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28969الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ فِي الْقُرْآنِ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ ، إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِفُ تَأْلِيفَهُ مِنْهَا .
وَقَالَ
قُطْرُبٌ وَالْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُمَا : هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ أَعْلَمَ اللَّهُ بِهَا الْعَرَبَ حِينَ تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلَفٌ مِنْ حُرُوفٍ هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاءُ كَلَامِهِمْ ; لِيَكُونَ عَجْزُهُمْ عَنْهُ أَبْلَغَ فِي الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَلَامِهِمْ .
قَالَ
قُطْرُبٌ : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا سَمِعُوا : الم وَ المص اسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظَ ، فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلَفِ لِيُثَبِّتَهُ فِي أَسْمَاعِهِمْ وَآذَانِهِمْ وَيُقِيمَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ قَوْمٌ : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ
بِمَكَّةَ وَقَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعَهُمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ بَعْدَهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : هِيَ حُرُوفٌ دَالَّةٌ عَلَى أَسْمَاءٍ أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتُهَا ; كَقَوْلِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ : الْأَلِفُ مِنَ اللَّهِ ، وَاللَّامُ مِنْ
جِبْرِيلَ ، وَالْمِيمُ مِنْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : الْأَلِفُ مِفْتَاح اسْمِهِ اللَّهِ ، وَاللَّامُ مِفْتَاح اسْمِهِ لَطِيفٍ ، وَالْمِيمُ مِفْتَاح اسْمِهِ مَجِيدٍ . وَرَوَى
أَبُو الضُّحَى عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : ( الم ) قَالَ : أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ ، ( الر ) أَنَا اللَّهُ أَرَى ، المص أَنَا اللَّهُ أَفْصِلُ . فَالْأَلِفُ تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا ، وَاللَّامُ تُؤَدِّي عَنِ اسْمِ اللَّهِ ، وَالْمِيمُ تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَمَ . وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ
الزَّجَّاجُ وَقَالَ : أَذْهَبُ إِلَى أَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتِ الْعَرَبُ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَلَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي الْحُرُوفُ مِنْهَا ، كَقَوْلِهِ : فَقُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافْ أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْتُ . وَقَالَ
زُهَيْرٌ : بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإِنْ شَرًّا فَا وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَا
أَرَادَ : وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ . وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاءَ .
[ ص: 152 ] وَقَالَ آخَرُ : نَادَوْهُمْ أَلَا الْجِمُوا أَلَا تَا
قَالُوا جَمِيعًا كُلُّهُمْ أَلَا فَا
أَرَادَ : أَلَا تَرْكَبُونَ ، قَالُوا : أَلَا فَارْكَبُوا . وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830154مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ قَالَ
شَقِيقٌ : هُوَ أَنْ يَقُولَ فِي اقْتُلْ : اقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500011كَفَى بِالسَّيْفِ شَا مَعْنَاهُ : شَافِيًا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : هِيَ أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ .
وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : هِيَ أَقْسَامٌ أَقْسَمَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلِهَا ، وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا ، وَرَدَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْقَوْلَ فَقَالَ : لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَمَ مَعْقُودٌ عَلَى حُرُوفٍ مِثْلَ : إِنَّ ، وَقَدْ ، وَلَقَدْ ، وَمَا ; وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا حَرْفٌ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ : مَوْضِعُ الْقَسَمِ قَوْلُهُ تَعَالَى : لَا رَيْبَ فِيهِ فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاللَّهِ هَذَا الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَامُ سَدِيدًا ، وَتَكُونُ لَا جَوَابَ الْقَسَمِ . فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَ
الْكَلْبِيِّ وَمَا رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ سَدِيدٌ صَحِيحٌ . فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَةُ فِي الْقَسَمِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَانَ الْقَوْمُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّقٌ ، وَمُكَذِّبٌ ; فَالْمُصَدِّقُ يُصَدِّقُ بِغَيْرِ قَسَمٍ ، وَالْمُكَذِّبُ لَا يُصَدِّقُ مَعَ الْقَسَمِ ؟ . قِيلَ لَهُ : الْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ; وَالْعَرَبُ إِذَا أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُؤَكِّدَ كَلَامَهُ أَقْسَمَ عَلَى كَلَامِهِ ; وَاللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّدَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : ( الم ) أَيْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ هَذَا الْكِتَابَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ . وَقَالَ
قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ : ( الم ) قَالَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ .
وَرُوِيَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيعَ مَا فِي تِلْكَ السُّورَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْقَصَصِ فِي الْحُرُوفِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ، وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَلِيٌّ ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ السُّورَةِ لِيُفَقِّهَ النَّاسَ . وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا مِنَ الْأَقْوَالِ ; فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْوَقْفُ عَلَى هَذِهِ الْحُرُوفِ عَلَى السُّكُونِ لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْتَ عَنْهَا أَوْ عَطَفْتَهَا فَإِنَّكَ تُعْرِبُهَا . وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الْإِعْرَابِ ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاءً مُتَمَكِّنَةً ، وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَةً ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوفِ التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّةٌ . هَذَا مَذْهَبُ
الْخَلِيلِ nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ .
[ ص: 153 ] وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاءُ السُّوَرِ فَمَوْضِعُهَا عِنْدَهُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهَا عِنْدَهُ خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ ، أَيْ هَذِهِ ( الم ) ; كَمَا تَقُولُ : هَذِهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ . أَوْ تَكُونُ رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ ذَلِكَ ; كَمَا تَقُولُ : زَيْدٌ ذَلِكَ الرَّجُلُ . وَقَالَ
ابْنُ كَيْسَانَ النَّحْوِيُّ : ( الم ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ; كَمَا تَقُولُ : اقْرَأْ ( الم ) أَوْ عَلَيْكَ ( الم ) . وَقِيلَ : فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّهَا أَقْسَامٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا .