الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : اختلف العلماء في أن الإيمان بهؤلاء الأنبياء الذين تقدموا ونسخت شرائعهم كيف يكون ؟ وحقيقة الخلاف ، أن شرعه لما صار منسوخا ، فهل تصير نبوته منسوخة ؟ فمن قال إنها تصير منسوخة قال : نؤمن أنهم كانوا أنبياء ورسلا ، ولا نؤمن بأنهم الآن أنبياء ورسل ، ومن قال : إن نسخ الشريعة لا يقتضي نسخ النبوة ، قال : نؤمن أنهم أنبياء ورسل في الحال . فتنبه لهذا الموضع .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قوله : ( لا نفرق بين أحد منهم ) فيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال الأصم : التفرق قد يكون بتفضيل البعض على البعض ، وقد يكون لأجل القول بأنهم ما كانوا على سبيل واحد في الطاعة لله ، والمراد [ ص: 110 ] من هذا الوجه يعني : نقر بأنهم كانوا بأسرهم على دين واحد في الدعوة إلى الله وفي الانقياد لتكاليف الله .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال بعضهم المراد : ( لا نفرق بين أحد منهم ) بأن نؤمن ببعض دون بعض كما تفرقت اليهود والنصارى .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : قال أبو مسلم " لا نفرق بين أحد منهم " أي لا نفرق ما أجمعوا عليه ، وهو كقوله : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) [ آل عمران : 103 ] ، وذم قوما وصفهم بالتفرق فقال : ( لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ) [ الأنعام : 94 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( ونحن له مسلمون ) ففيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : إن إقرارنا بنبوة هؤلاء الأنبياء إنما كان لأجل كوننا منقادين لله تعالى مستسلمين لحكمه وأمره ، وفيه تنبيه على أن حاله على خلاف الذين خاطبهم الله بقوله : ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض ) .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : قال أبو مسلم : " ونحن له مسلمون " أي مستسلمون لأمر الله بالرضا وترك المخالفة وتلك صفة المؤمنين بالله وهم أهل السلم والكافرون يوصفون بالمحاربة لله ، كما قال : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ) [ المائدة : 33 ] . الثالث : أن قوله : ( ونحن له مسلمون ) يفيد الحصر ، والتقدير : له أسلمنا لا لغرض آخر من سمعة ورياء وطلب مال ، وهذا تنبيه على أن حالهم بالضد من ذلك فإنهم لا يفعلون ولا يقولون إلا للسمعة والرياء وطلب الأموال والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية