الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                قال البخاري:

                                860 902 - نا أحمد، نا عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن [ ص: 409 ] عبيد الله بن أبي جعفر، أن محمد بن جعفر بن الزبير حدثه، عن عروة بن الزبير، عن عائشة - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار، يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى إنسان منهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عندي - فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا ".

                                التالي السابق


                                " أحمد " هذا، قد سبق الاختلاف فيه: هل هو ابن أخي ابن وهب ، أو ابن صالح ، أو ابن عيسى التستري ؟

                                وذكر أبو نعيم في " مستخرجه ": أنه ابن عبد الله .

                                كذا قال، ولم يبين من هو؟

                                وفي أكثر النسخ: " فيأتون في الغبار "، وفي بعضها: " في العباء "، وهو الأشبه.

                                وفي النسخ: " فيخرج منهم العرق "، وفي " صحيح مسلم ": " فيخرج منهم الريح ".

                                وفيه - أيضا -: " العباء ".

                                وهذا من أوضح الأدلة على أن غسل الجمعة ليس بواجب، حتى ولا على من له ريح تخرج منه، وإنما يؤمر به ندبا واستحبابا، لقوله: " لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا ".

                                ومقصود البخاري من هذا الحديث: أن أهل العوالي كانوا يشهدون الجمعة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس في هذا ما يدل على وجوب الجمعة على من كان خارج [ ص: 410 ] المصر، فإنه ليس فيه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم بشهود الجمعة.

                                وكذا، ما خرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال: إن أهل قباء كانوا يجمعون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

                                لكن قد روي عنه، أنه أمرهم بذلك.

                                خرجه الترمذي من رواية إسرائيل ، عن ثوير - هو: ابن أبي فاختة - عن رجل من أهل قباء ، عن أبيه - وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشهد الجمعة من قباء .

                                وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

                                قال: ولا يصح في هذا الباب شيء. انتهى.

                                وثوير ، ضعيف الحديث، وشيخه مجهول.

                                وقد خرجه وكيع في " كتابه "، عن إسرائيل ، به، ولفظه: كنا نجمع من قباء - ولم يذكر: أمرهم بذلك.

                                وقال الزهري : كانوا يشهدون الجمعة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذي الحليفة .

                                خرجه ابن أبي شيبة وغيره.

                                ومراسيل الزهري ضعيفة.

                                وقد ذكر الإمام أحمد أن بين ذي الحليفة والمدينة فرسخين، وقال: كانوا يتطوعون بذلك من غير أن يجب عليهم.

                                ويشهد لقوله: أن أبا هريرة كان بذي الحليفة ، وكان أحيانا يأتي الجمعة، وأحيانا لا يأتيها.

                                [ ص: 411 ] وكذلك ذكر عمرو بن شعيب ، أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكون بالرهط، فلا يشهد الجمعة مع الناس بالطائف ، وإن ما بينه وبين الطائف أربعة أميال أو ثلاثة.

                                خرجه عبد الرزاق .

                                وروى عطاء بن السائب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو ، أنه كان يشهد الجمعة بالطائف من الرهط.

                                وهذا يدل على أنه كان يشهدها أحيانا، ويتركها أحيانا، كما فعل غيره من الصحابة - رضي الله عنهم.



                                الخدمات العلمية