الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الرابعة : المنافع الفائتة في يد الزوج غير مضمونة عليه إن قلنا بضمان العقد ، وإن طالبته بالتسليم فامتنع . أما إذا قلنا بضمان اليد ، فعليه أجرة المثل من وقت الامتناع . وأما المنافع التي استوفاها بركوب أو لبس ، أو [ ص: 257 ] استخدام ونحوها ، فلا يضمنها على قول ضمان العقد ، إن قلنا : جناية البائع كآفة . وإن قلنا : هي كجناية أجنبي ، أو قلنا بضمان اليد ، ضمنها بأجرة المثل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال الأصحاب : القولان في ضمان العقد واليد مبنيان على أن الصداق نحلة وعطية ، أم عوض كالعوض في البيع ؟ وربما ردوا القولين إلى أن الغالب عليه شبه النحلة أم العوض ؟ ودليل النحلة قول الله تعالى : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة [ النساء : 3 ] ، ولأن النكاح لا يفسد بفساده ، ولا ينفسخ برده . ودليل العوض ، أن قوله : زوجتك بكذا ، كقوله : بعتك بكذا ، أو لأنها تتمكن من الرد بالعيب ، ولأنها تحبس نفسها لاستيفائه [ و ] لأنه تثبت الشفعة فيه ، وهذا أصح . وأجابوا عن الآية بجوابين . أحدهما : أنه يجوز أن يكون المراد بالنحلة : الدين ، يقال : فلان ينتحل كذا ، فالمعنى : آتوهن صدقاتهن تدينا . والثاني : يجوز أن يكون المعنى : عطية من عند الله - تعالى - لهن . وإنما لا يفسد النكاح بفساده ; لأنه ليس ركنا في النكاح ، مع أنه حكي قول قديم أنه يفسد النكاح بفساد الصداق .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا فسد الصداق بأن أصدقها حرا ، فقولان . أظهرهما : يجب مهر [ ص: 258 ] المثل . والثاني : قيمته بتقدير الرق ، وينسب هذا إلى القديم . قال الشيخ أبو حامد والصيدلاني والقاضي حسين والبغوي وغيرهم : قولان فيما إذا قال : أصدقتك هذا العبد وهو عالم بحريته ، أو جاهل . أما لو قال : أصدقتك هذا الحر ، فالعبارة فاسدة ، فيجب مهر المثل قطعا . وحكى المتولي طريقة أخرى ، أنه لا فرق بين اللفظين في جريان القولين . ولو قال : أصدقتك هذا واقتصر عليه ، فلا خلل في العبارة ، ففيه القولان . ولو ذكر خمرا أو خنزيرا أو ميتة ، فقيل : يجب مهر المثل قطعا . وقيل : على القولين . فعلى هذا يعود النظر في عبارته ، إن قال : أصدقتك هذا الخمر أو الخنزير ، فالعبارة فاسدة . وإن قال : هذا العصير أو النعجة ، فهو موضع القولين ، وعلى هذا على قول الرجوع إلى بدل الصداق ، يقدر الخمر عصيرا ويجب مثله ، وقد حكينا في نكاح المشرك ، فيما إذا جرى قبضهم في خمر وجها أنها تقدر خلا ، ولم يذكروا هناك تقدير العصير ، والوجه التسوية بينهما . وحكينا وجها أنه تعتبر قيمة الخمر عن من يرى لها قيمة ، فلا يبعد مجيئه هنا ، بل ينبغي أن يرجح كما سبق في نكاح المشرك تفريق الصفقة ، والخنزير يقدر بقرة ، كذا قاله الإمام والبغوي . وقد سبق مثله في " كتاب نكاح المشرك " وقال الغزالي : يقدر شاة ، والميتة تقدر مذكاة ، ثم الواجب فيها وفي الخنزير القيمة . هذا الاضطراب للأصحاب يزيد القول الأظهر القوة ، وهو وجوب مهر المثل .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية