الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الثالث:

                                877 919 - نا آدم، نا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول على المنبر: " من جاء إلى الجمعة فليغتسل ".

                                التالي السابق


                                والمقصود من هذا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب على المنبر، ويعلم الناس دينهم عليه.

                                ولو جمعت الأحاديث التي فيها ذكر خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر وكلامه عليه لكانت كثيرة جدا، وكذلك أحاديث اتخاذ المنبر كثيرة أيضا.

                                وقد خرج منها البخاري في " دلائل النبوة " من حديث ابن عمر ، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب إلى الجذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع، فأتاه فمسح يده عليه.

                                خرجه عن محمد بن المثنى ، نا يحيى بن كثير أبو غسان ، نا أبو حفص - واسمه: عمر بن العلاء ، أخو أبي عمرو بن العلاء - قال: سمعت نافعا ، عن ابن عمر - فذكره.

                                ثم قال: وقال عبد الحميد : أنا عثمان بن عمر ، أنا معاذ بن العلاء ، عن نافع ، عن ابن عمر - بهذا.

                                ورواه أبو عاصم ، عن ابن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي [ ص: 468 ] -صلى الله عليه وسلم-. انتهى.

                                وعبد الحميد هذا، قيل: إنه عبد بن حميد .

                                وقد خرجه الترمذي ، عن أبي حفص الفلاس ، عن عثمان بن عمر ويحيى بن كثير - كلاهما - عن معاذ بن العلاء ، عن نافع .

                                وخرجه البيهقي من رواية عباس الدوري ، عن عثمان بن عمر ، عن معاذ.

                                وكذا رواه غير واحد، عن عثمان بن عمر .

                                وخرجه ابن حبان في " صحيحه " من رواية أبي عبيدة الحداد ، عن معاذ بن العلاء - أيضا.

                                وكذا رواه وكيع ويحيى بن سعيد ومعتمر بن سليمان ، عن معاذ بن العلاء .

                                وليس لأبي حفص عمر بن العلاء ذكر في غير رواية البخاري المسندة، وقد قيل إنها وهم من محمد بن المثنى .

                                ولكن خرجه أبو أحمد الحاكم من رواية عبد الله بن رجاء الغداني ، عن أبي حفص بن العلاء - أيضا.

                                وقد رواه يحيى بن سعيد ومعتمر بن سليمان ، عن معاذ بن العلاء ، وكنياه: " أبا غسان ".

                                قال أبو أحمد الحاكم : والله أعلم، أهما أخوان: أحدهما يسمى: عمر ، والآخر: معاذا ، وحدثا بحديث واحد؟ أو أحدهما محفوظ، والآخر غير محفوظ؟

                                [ ص: 469 ] وذكر: أن معاذ بن العلاء أخا أبي عمرو مشهور، وأن أبا حفص لا يعرفه إلا في هاتين الروايتين. قال: والله أعلم بصحة ذلك. انتهى.

                                والصحيح في هذا الحديث: معاذ بن العلاء ، قاله أحمد والدارقطني وغيرهما.

                                وأما رواية أبي عاصم ، عن ابن أبي رواد التي علقها البخاري ، فخرجها أبو داود ، ولفظ حديثه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بدن، قال له تميم الداري : ألا أتخذ لك منبرا يا رسول الله، يجمع عظامك، أو يحمل عظامك؟ قال: " بلى "، فاتخذ له منبرا مرقاتين .

                                ولم يزد على هذا.

                                وخرجه البيهقي ، وزاد: " فاتخذ له مرقاتين - أو ثلاثة - فجلس عليها.

                                قال: فصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فحن جذع في المسجد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب يستند إليه، فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- فاحتضنه، فقال شيئا لا أدري ما هو؟ ثم صعد المنبر، وكانت أساطين المسجد جذوعا، وسقائفه جرائد
                                ".

                                وعنده - في أوله -: " لما أسن وثقل ".

                                ورواه عامر بن مدرك ، عن ابن أبي رواد ، عن نافع ، عن تميم الداري - بنحوه، وفي حديثه: " فصنع له منبرا مرقاتين، والثالثة مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما، فإذا عي قعد فاستراح، ثم قام فخطب - وذكر الحديث.

                                ورواية أبي عاصم أصح.

                                ومن أغرب سياقات أحاديث اتخاذ المنبر: ما رواه عبد الله بن محمد بن [ ص: 470 ] عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي إلى جذع، إذ كان المسجد عريشا، وكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، هل لك أن نجعل لك شيئا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمعهم؟ قال: " نعم "، فصنع له ثلاث درجات التي على المنبر - ثم ذكر حنينه إليه وسكونه بمسحه بيده - ثم قال: وكان إذا صلى صلى إليه، فلما هدم المسجد وغير أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب ، فكان عنده حتى بلي وأكلته الأرضة، وعاد رفاتا.

                                خرجه الإمام أحمد .

                                وفي رواية له: أن القائل: " فلما هدم المسجد " - إلى آخره، هو الطفيل بن أبي بن كعب .

                                وخرجه ابن ماجه - بمعناه.

                                وخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في " زيادات المسند "، وعنده: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: " إن تشأ غرستك في الجنة فيأكل منك الصالحون، وإن تشأ أعيدك كما كنت حطبا " فاختار الآخرة على الدنيا، فلما قبض النبي -صلى الله عليه وسلم- دفع إلى أبي ، فلم يزل عنده حتى أكلته الأرضة .

                                وقد خرجه الطبراني بنحو هذه الزيادة، بإسناد ضعيف، عن عائشة ، وفيه: أن المنبر كان أربع مراق. وفي آخره: أن الجذع غار فذهب .

                                [ ص: 471 ] وفي " مسند البزار "، بإسناد لا يصح، عن [...] معاذ ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن أتخذ المنبر، فقد اتخذه أبي إبراهيم ، وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم ".

                                وقد أنكره أبو حاتم الرازي وغيره.

                                وقد قال بعض السلف: إن إبراهيم -عليه السلام- هو أول من خطب على المنابر.

                                والصحيح: أن المنبر كان ثلاث مراق، ولم يزل على ذلك في عهد خلفائه الراشدين، ثم زاد فيه معاوية .

                                وقد عد طائفة من العلماء: تطويل المنابر من البدع المحدثة ، منهم: ابن بطة من أصحابنا وغيره.

                                وقد روي في حديث مرفوع: أن ذلك من أشراط الساعة، ولا يثبت إسناده.

                                وكره بعض الشافعية المنبر الكبير جدا، إذا كان يضيق به المسجد.



                                الخدمات العلمية