الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 472 ] 27 - باب: الخطبة قائما

                                وقال أنس: بينا النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما.

                                حديث أنس، هو الذي فيه ذكر الاستسقاء في الجمعة، وسيأتي - إن شاء الله سبحانه وتعالى - فيما بعد.

                                878 920 - حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، نا خالد بن الحارث، نا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم كما يفعلون الآن.

                                التالي السابق


                                وفي الخطبة قائما أحاديث أخر.

                                وخرج مسلم من حديث سماك ، عن جابر بن سمرة ، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائما، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا، فقد كذب، فقد - والله - صليت معه أكثر من ألفي صلاة.

                                وخرج مسلم بإسناده من حديث كعب بن عجرة ، أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعدا، فقال: انظروا الخبيث، يخطب قاعدا، وقد قال الله تعالى: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما

                                وخرج ابن ماجه من حديث إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، أنه [ ص: 473 ] سئل: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما أو قاعدا؟ قال: أما تقرأ: وتركوك قائما ؟

                                وهذا إسناد جيد.

                                لكن روي عن إبراهيم ، عن علقمة من قوله. وعن إبراهيم ، عن عبد الله منقطعا.

                                واستدل بهذه الآية على القيام في الخطبة جماعة، منهم: ابن سيرين ، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود .

                                وإنما احتاجوا إلى السؤال عن ذلك، لأنه كان في زمن بني أمية من يخطب جالسا، وقد قيل: إن أول من جلس معاوية ، قاله الشعبي والحسن وطاوس .

                                وقال طاوس : الجلوس على المنبر يوم الجمعة بدعة.

                                وقال الحسن : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان يخطبون قياما، ثم إن عثمان لما رق وكبر كان يخطب، فيدركه ما يدرك الكبير فيستريح ولا يتكلم، ثم يقوم فيتم خطبته.

                                خرجه القاضي إسماعيل .

                                وخرج - أيضا - من رواية ابن جريج ، عن عطاء ، أنه قال: أول من جعل في الخطبة جلوسا عثمان ، حين كبر وأخذته الرعدة جلس هنية، قيل له: هل كان يخطب عمر إذا جلس؟ قال: لا أدري.

                                وقد روي عن عمر بن عبد العزيز ، أنه كان يخطب الخطبة الأولى جالسا، ويقوم في الثانية .

                                خرجه ابن سعد .

                                والظن به أنه لم تبلغه السنة في ذلك، ولو بلغته كان أتبع الناس لها.

                                [ ص: 474 ] وقد قيل: إن ذلك لم يصح عنه؛ فإن الأثرم حكى: أن الهيثم بن خارجة قال لأحمد : كان عمر بن عبد العزيز يجلس في خطبته؟ قال: فظهر منه إنكار لذلك.

                                ورواية ابن سعد له عن الواقدي ، وهو لا يعتمد.

                                وقد روي عن ابن الزبير - أيضا - الجلوس في الخطبة الأولى - أيضا.

                                خرجه القاضي إسماعيل .

                                واختلف العلماء في الخطبة جالسا: فمنهم من قال: لا يصح، وهو قول الشافعي ، وحكى روايته عن مالك وأحمد .

                                وقال ابن عبد البر : أجمعوا على أن الخطبة لا تكون إلا قائما لمن قدر على القيام.

                                ولعله أراد إجماعهم على استحباب ذلك؛ فإن الأكثرين على أنها تصح من الجالس، مع القدرة على القيام، مع الكراهة، وهو قول أبي حنيفة ومالك ، والمشهور عن أحمد ، وعليه أصحابه، وقول إسحاق - أيضا.



                                الخدمات العلمية