الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المسألة الرابعة : اعلم أنا قدمنا في سورة النساء ، أن هذه الآية التي هي قوله تعالى : والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تدل بظاهرها على منع نكاح المتعة ; لأنه - جل وعلا - صرح فيها بما يعلم منه ، وجوب حفظ الفرج عن غير الزوجة والسرية ، ثم صرح بأن المبتغي وراء ذلك من العادين بقوله فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون وأن المرأة المستمتع بها في نكاح المتعة ، ليست زوجة ، ولا مملوكة . أما كونها غير مملوكة فواضح ، وأما الدليل على كونها غير زوجة ، فهو انتفاء لوازم الزوجية عنها كالميراث والعدة والطلاق والنفقة ، ونحو ذلك ، فلو كانت زوجة لورثت واعتدت ووقع عليها الطلاق ، ووجبت لها النفقة ، فلما انتفت عنها لوازم الزوجية علمنا أنها ليست بزوجة ; لأن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم بإجماع العقلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      فتبين بذلك أن مبتغي نكاح المتعة من العادين المجاوزين ما أحل الله إلى ما حرم ، وقد أوضحنا ذلك في سورة النساء بأدلة الكتاب والسنة ، وأن نكاح المتعة ممنوع إلى يوم القيامة ، وقد يخفى على طالب العلم معنى لفظة على في هذه الآية يعني قوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم الآية ; لأن مادة الحفظ ، لا تتعدى إلى المعمول الثاني في هذا الموضوع بعلى فقيل : إن على بمعنى : عن .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى : أنهم حافظون فروجهم عن كل شيء ، إلا عن أزواجهم ، وحفظ قد تتعدى بعن .

                                                                                                                                                                                                                                      وحاول الزمخشري الجواب عن الإتيان بعلى هنا فقال ما نصه [ ص: 319 ] " على أزواجهم " في موضع الحال ، أي : إلا والين ، على أزواجهم ، أو قوامين عليهن من قولك : كان فلان على فلانة ، فمات عنها ، فخلف عليها فلان ، ونظيره : كان زياد على البصرة أي : واليا عليها ، ومنه قولهم : فلانة تحت فلان ، ومن ثمة سميت المرأة فراشا .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى : أنهم لفروجهم حافظون في كافة الأحوال ، إلا في تزوجهم أو تسريهم ، أو تعلق على بمحذوف يدل عليه غير ملومين ، كأنه قيل : يلامون إلا على أزواجهم أي : يلامون على كل مباشرة إلا على ما أطلق لهم ، فإنهم غير ملومين عليه ، أو تجعله صلة لحافظين من قولك : احفظ علي عنان فرسي على تضمينه ، معنى النفي كما ضمن قولهم : نشدتك بالله إلا فعلت ، بمعنى : ما طلبت منك إلا فعلك . اهـ منه ، ولا يخفى ما فيه من عدم الظهور .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو حيان : وهذه الوجوه التي تكلفها الزمخشري ظاهر فيها العجمة ، وهي متكلفة ، ثم استظهر أبو حيان أن يكون الكلام من باب التضمين ، ضمن حافظون معنى : ممسكون أو قاصرون ، وكلاهما يتعدى بعلى كقوله : أمسك عليك زوجك [ 33 \ 37 ] والظاهر أن قوله هنا أو ما ملكت أيمانهم مع أن المملوكات من جملة العقلاء ، والعقلاء يعبر عنهم بمن لا بما هو أن الإماء لما كن يتصفن ببعض صفات غير العقلاء كبيعهن وشرائهن ، ونحو ذلك ، كان ذلك مسوغا لإطلاق لفظة ما عليهن ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض أهل العلم : إن وراء ذلك ، هو مفعول ابتغى أي : ابتغى سوى ذلك ، وقال بعضهم : إن المفعول به محذوف ، ووراء ظرف ، أي : فمن ابتغى مستمتعا لفرجه ، وراء ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية