الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ظهور شماتة المنافقين بالهزيمة :

                          قال ابن إسحاق : ولما انهزم المسلمون ورأى من كان مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الطعن ، فقال أبو سفيان بن حرب لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته . وصرح جبلة بن الجنيد - وقال ابن هشام صوابه كلدة - ألا قد بطل السحر اليوم . فقال له صفوان أخوه لأمه وكان بعد مشركا : اسكت فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن .

                          وذكر ابن سعد عن شيبة بن عثمان الحجبي قال : لما كان عام الفتح دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة عنوة ، قلت : أسير مع قريش إلى هوازن بحنين ، فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة فأثأر منه ، فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها ، وأقول : لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما اتبعته أبدا ، وكنت مرصدا لما خرجت له لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوة ، فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن بغلته فأصلت السيف فدنوت أريد ما أريد منه ، ورفعت سيفي حتى كدت أشعره إياه ، فرفع لي شواظ من نار كالبرق يكاد يمحشني ، فوضعت يدي على بصري خوفا عليه ، فالتفت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فناداني " يا شيب ادن مني " فدنوت منه فمسح [ ص: 226 ] صدري ، ثم قال : " اللهم أعذه من الشيطان " قال : فوالله لهو كان ساعتئذ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي ، وأذهب الله ما كان في نفسي ، ثم قال : " ادن فقاتل " فتقدمت أمامه أضرب بسيفي - الله أعلم أني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء ، ولو لقيت تلك الساعة أبي لو كان حيا لأوقعت به السيف ، فجعلت ألزمه فيمن لزمه حتى تراجع المسلمون فكروا كرة رجل واحد ، وقربت بغلة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستوى عليها وخرج في إثرهم حتى تفرقوا في كل وجه ، ورجع إلى معسكره ، فدخل خباءه ، فدخلت عليه ما دخل عليه أحد غيري حبا لرؤية وجهه وسرورا به ، فقال : " يا شيب الذي أراك الله بك خير مما أردت لنفسك " ثم حدثني بكل ما أضمرت في نفسي مما لم أكن أذكره لأحد قط . ( قال ) فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، ثم قلت : استغفر لي ، فاستغفر لي فقال : " غفر الله لك
                          " اهـ . وروي نحو من هذا عن النضر أو النضير بن الحارث من أنه خرج إلى حنين وهو كافر يريد أن يعين على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن كانت الحرب عليه ، ثم صرح له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجعرانة بما كان في نفسه فحسن إسلامه . ذكر الحافظ هذا في ترجمة نضير من الإصابة ، وذكر شيئا من هذا المعنى عن أبي سفيان صخر بن حرب لم يذكر تاريخه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية