الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              فصل في تفريع الشافعي في القديم على تقليد الصحابة ونصوصه .

              قال في كتاب اختلاف الحديث : إنه روي عن علي أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست سجدات ، قال : لو ثبت ذلك عن علي لقلت به وهذا ; لأنه رأى أنه لا يقول ذلك إلا عن [ ص: 171 ] توقيف إذ لا مجال للقياس فيه . وهذا غير مرضي ، لأنه لم ينقل فيه حديثا حتى يتأمل لفظه ومورده وقرائنه وفحواه وما يدل عليه ولم نتعبد إلا بقبول خبر يرويه صحابي مكشوفا يمكن النظر فيه ، كما كان الصحابة يكتفون بذكر مذهب مخالف للقياس ويقدرون ذلك حديثا من غير تصريح به .

              وقد نص في موضع أن قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف فهو حجة وهو ضعيف ; لأن السكوت ليس بقول ، فأي فرق بين أن ينتشر أو لا ينتشر ؟ وقد نص على أنه إذا اختلفت الصحابة فالأئمة أولى ، فإن اختلف الأئمة فقول أبي بكر وعمر أولى لمزيد فضلهما ، وقال في موضع آخر : يجب الترجيح بقول الأعلم والأكثر قياسا لكثرة القائلين على كثرة الرواة وكثرة الأشباه ، وإنما يجب ترجيح الأعلم ; لأن زيادة عمله تقوي اجتهاده وتبعده عن الإهمال والتقصير والخطأ ، وإن اختلف الحكم والفتوى من الصحابة فقد اختلف قول الشافعي فيه ، فقال مرة : الحكم أولى ; لأن العناية به أشد والمشورة فيه أبلغ ، وقال مرة : الفتوى أولى ; لأن سكوتهم على الحكم يحمل على الطاعة للوالي .

              وكل هذا مرجوع عنه . فإن قيل : فما قولكم في ترجيح أحد القياسين بقول الصحابي ؟ قلنا قال القاضي : لا ترجيح إلا بقوة الدليل ، ولا يقوى الدليل بمصير مجتهد إليه . والمختار أن هذا في محل الاجتهاد فربما يتعارض ظنان والصحابي في أحد الجانبين فتميل نفس المجتهد إلى موافقة الصحابي ، ويكون ذلك أغلب على ظنه ، ويختلف ذلك باختلاف المجتهدين وقال قوم : إنما يجوز ترجيح قياس المصير إذا كان أصل القياس في واقعة شاهدها الصحابي ، وإلا فلا فرق بينه وبين غيره .

              وهذا قريب ، ولكن مع هذا يحتمل أن يكون مصيره إليه لا لاختصاصه بمشاهدة ما يدل عليه بل بمجرد الظن . أما إذا حمل الصحابي لفظ الخبر على أحد محتمليه فمنهم من رجح ومنهم من قال إذا لم يقل : علمت ذلك من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بقرينة شاهدتها فلا ترجيح به ، وهذا اختيار القاضي .

              فإن قيل فقد ترك الشافعي في الجديد القياس في تغليظ الدية في الحرم بقول عثمان ، وكذلك فرق بين الحيوان وغيره في شرط البراءة بقول علي ؟ قلنا له : في مسألة شرط البراءة أقوال ، فلعل هذا مرجوع عنه ، وفي مسألة التغليظ الظن به أنه قوى القياس بموافقة الصحابة ، فإن لم يكن كذلك فمذهبه في الأصول أن لا يقلد والله أعلم .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية