تنبيهات .
الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=29489التوبة النصوح : هي التوبة الصادقة .
وحاصلها أن يأتي
nindex.php?page=treesubj&link=19716بأركانها الثلاثة على الوجه الصحيح ، بأن يقلع عن الذنب إن كان
[ ص: 522 ] ملتبسا به ، ويندم على ما صدر منه من مخالفة أمر ربه - جل وعلا - وينوي نية جازمة ألا يعود إلى معصية الله أبدا .
وأظهر أقوال أهل العلم أنه إن
nindex.php?page=treesubj&link=19717_19719تاب توبة نصوحا وكفر الله عنه سيئاته بتلك التوبة النصوح ، ثم عاد إلى الذنب بعد ذلك أن توبته الأولى الواقعة على الوجه المطلوب لا يبطلها الرجوع إلى الذنب ، بل تجب عليه التوبة من جديد لذنبه الجديد خلافا لمن قال : إن عوده للذنب نقض لتوبته الأولى .
الثاني : اعلم أنه لا خلاف بين أهل العلم في أنه
nindex.php?page=treesubj&link=19717_19718لا تصح توبة من ذنب إلا بالندم على فعل الذنب ، والإقلاع عنه ، إن كان ملتبسا به كما قدمنا أنهما من أركان التوبة ، وكل واحد منهما فيه إشكال معروف ، وإيضاحه في الأول الذي هو الندم أن الندم ليس فعلا ، وإنما هو انفعال ، ولا خلاف بين أهل العلم في أن الله لا يكلف أحدا إلا بفعل يقع باختيار المكلف ، ولا يكلف أحدا بشيء إلا شيئا هو في طاقته ; كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ 2 \ 286 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فاتقوا الله ما استطعتم [ 64 \ 16 ] .
وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن الندم انفعال ليس داخلا تحت قدرة العبد ، فليس بفعل أصلا ، وليس في وسع المكلف فعله ، والتكليف لا يقع بغير الفعل ، ولا بما لا يطاق ، كما بينا ، قال في " مراقي السعود " :
ولا يكلف بغير الفعل باعث الأنبيا ورب الفضل
وقال أيضا :
والعلم والوسع على المعروف شرط يعم كل ذي تكليف
واعلم أن كلام الأصوليين في مسألة
nindex.php?page=treesubj&link=20715التكليف بما لا يطاق ، واختلافهم في ذلك إنما هو بالنسبة إلى الجوار العقلي ، والمعنى هل يجيزه العقل أو يمنعه ؟ .
أما وقوعه بالفعل فهم مجمعون على منعه ; كما دلت عليه آيات القرآن والأحاديث النبوية ، وبعض الأصوليين يعبر عن هذه المسألة بالتكليف بالمحال هل يجوز عقلا ، أو لا ؟ أما
nindex.php?page=treesubj&link=28077وقوع التكليف بالمحال عقلا ، أو عادة ، فكلهم مجمعون على منعه إن كانت الاستحالة لغير علم الله تعالى بعدم وقوعه أزلا ، ومثال المستحيل عقلا أن يكلف بالجمع بين الضدين كالبياض والسواد ، أو النقيضين كالعدم والوجود ، والمستحيل عادة كتكليف المقعد
[ ص: 523 ] بالمشي وتكليف الإنسان بالطيران ، ونحو ذلك ، فمثل هذا لا يقع التكليف به إجماعا .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28077_20726المستحيل لأجل علم الله في الأزل بأنه لا يقع ، فهو جائز عقلا ولا خلاف في التكليف به فإيمان
أبي لهب مثلا كان الله عالما في الأزل بأنه لا يقع ; كما قال الله تعالى عنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=3سيصلى نارا ذات لهب [ 11 \ 3 ] ، فوقوعه محال عقلا لعلم الله في الأزل ، بأنه لا يوجد ; لأنه لو وجد لاستحال العلم بعدمه جهلا ، وذلك مستحيل في حقه تعالى ، ولكن هذا المستحيل للعلم بعدم وقوعه جائز عقلا ، إذ لا يمنع العقل إيمان
أبي لهب ، ولو كان مستحيلا لما كلفه الله بالإيمان ، على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - فالإمكان عام ، والدعوة عامة ، والتوفيق خاص .
وإيضاح مسألة الحكم العقلي أنه عند جمهور النظار ثلاثة أقسام :
الأول : الواجب عقلا .
الثاني : المستحيل عقلا .
الثالث : الجائز عقلا ، وبرهان الحصر الحكم العقلي في الثلاثة المذكورة ، أن الشيء من حيث هو شيء ، لا يخلو من واحدة من ثلاث حالات : إما أن يكون العقل يقبل وجوده ، ولا يقبل عدمه بحال . وإما أن يكون يقبل عدمه ولا يقبل وجوده بحال . وإما أن يكون يقبل وجوده وعدمه معا ، فإن كان العقل يقبل وجوده دون عدمه ، فهو الواجب عقلا ، وذلك كوجود الله تعالى متصفا بصفات الكمال والجلال ، فإن العقل السليم لو عرض عليه وجود خالق هذه المخلوقات لقبله ، ولو عرض عليه عدمه وأنها خلقت بلا خالق ، لم يقبله ، فهو واجب عقلا ، وأما إن كان يقبل عدمه ، دون وجوده ، فهو المستحيل عقلا ; كشريك الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، فلو عرض على العقل السليم عدم شريك لله في ملكه ، وعبادته لقبله ، ولو عرض عليه وجوده لم يقبله بحال ; كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ 21 \ 22 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون [ 23 \ 91 ] ، فهو مستحيل عقلا . وأما إن كان العقل يقبل وجوده وعدمه معا ، فهو الجائز العقلي ، ويقال له الجائز الذاتي ، وذلك كإيمان
أبي لهب ، فإنه لو عرض وجوده على العقل السليم لقبله ، ولو عرض عليه عدمه بدل وجوده لقبله أيضا ، كما لا يخفى ، فهو جائز عقلا جوازا ذاتيا ، ولا خلاف في التكليف بهذا النوع الذي هو الجائز العقلي الذاتي .
[ ص: 524 ] وقالت جماعات من أهل الأهواء : إن الحكم العقلي قسمان فقط ، وهما : الواجب عقلا ، والمستحيل عقلا ، قالوا : والجائز عقلا لا وجود له أصلا ، وزعموا أن دليل الحصر في الواجب والمستحيل أن الأمر إما أن يكون الله عالما في أزله ، بأنه سيوجد فهو الواجب الوجود لاستحالة عدم وجوده مع سبق العلم الأزلي بوجوده ، كإيمان
أبي بكر فهو واجب عندهم عقلا لعلم الله بأنه سيقع ، إذ لو لم يقع لكان علمه جهلا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وذلك محال .
وإما أن يكون الله عالما في أزله ، بأنه لا يوجد كإيمان
أبي لهب ، فهو مستحيل عقلا ، إذ لو وجد لانقلب العلم جهلا ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وهذا القول لا يخفى بطلانه ، ولا يخفى أن إيمان
أبي لهب ،
وأبي بكر كلاهما يجيز العقل وجوده وعدمه ، فكلاهما جائز إلا أن الله تعالى شاء وجود أحد هذين الجائزين فأوجده ، وشاء عدم الآخر ، فلم يوجده .
والحاصل أن المستحيل لغير علم الله السابق بعدم وجوده ; لأنه مستحيل استحالة ذاتية كالجمع بين النقيضين لا يقع التكليف به إجماعا ، وكذلك المستحيل عادة ، كما لا يخفى .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=20712_20726الجائز الذاتي فالتكليف به جائز ، وواقع إجماعا كإيمان
أبي لهب فإنه جائز عقلا ، وإن استحال من جهة علم الله بعدم وقوعه ، وهم يسمون هذا الجائز الذاتي مستحيلا عرضيا ، ونحن ننزه صفة علم الله عن أن نقول إن الاستحالة بسببها عرضية .
فإذا علمت هذا ، فاعلم أن علماء الأصول وجميع أهل العلم مجمعون على وقوع التكليف بالجائز العقلي الذاتي ، كإيمان
أبي لهب ، وإن كان وقوعه مستحيلا لعلم الله بأنه لا يقع .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=28077_20721المستحيل عقلا لذاته كالجمع بين النقيضين ، والمستحيل عادة كمشي المقعد ، وطيران الإنسان بغير آلة ، فلا خلاف بين أهل العلم في منع وقوع التكليف بكل منهما ; كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ 2 \ 282 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فاتقوا الله ما استطعتم [ 64 \ 16 ] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007851إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " .
وأما المستحيل العقلي : فقالت جماعة من أهل الأصول : يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=20721_28077التكليف بالمستحيل الذاتي عادة وعقلا ، وبالمستحيل عادة ، وقال بعضهم : لا يجوز عقلا مع إجماعهم على أنه
[ ص: 525 ] لا يصح وقوعه بالفعل ، وحجة من يمنعه عقلا أنه عبث لا فائدة فيه ; لأن المكلف به لا يمكن أن يقدر عليه بحال ، فتكليفه بما هو عاجز عنه محققا عبث لا فائدة فيه ، قالوا فهو مستحيل ; لأن الله حكيم خبير . وحجة من قال بجوازه أن فائدته امتحان المكلف ، هل يتأسف على عدم القدرة ، ويظهر أنه لو كان قادرا لامتثل ، والامتحان سبب من أسباب التكليف ، كما كلف الله
إبراهيم بذبح ولده ، وهو عالم أنه لا يذبحه ، وبين أن حكمة هذا التكليف هي ابتلاء
إبراهيم ، أي : اختباره ، هل يمتثل ؟ فلما شرع في الامتثال فداه الله بذبح عظيم ; كما قال تعالى عنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=103فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم [ 37 \ 103 - 107 ] .
وقد أشار صاحب " مراقي السعود " إلى مسألة
nindex.php?page=treesubj&link=28077التكليف بالمحال ، وأقوال الأصوليين فيها ، وهي اختلافهم في جواز ذلك عقلا ، مع إجماعهم على منعه إن كانت الاستحالة لغير علم الله ، بعدم الوقوع كالاستحالة الذاتية ، بقوله :
وجوز التكليف بالمحال في الكل من ثلاثة الأحوال
وقيل بالمنع لما قد امتنع لغير علم الله أن ليس يقع
وليس واقعا إذا استحالا لغير علم ربنا تعالى
وقوله : وجوز التكليف ، يعني : الجواز العقلي .
وقوله : وقيل بالمنع ، أي : عقلا ، ومراده بالثلاثة الأحوال ما استحال عقلا وعادة ، كالجمع بين النقيضين ، وما استحال عادة كمشي المقعد ، وطيران الإنسان ، وإبصار الأعمى ، وما استحال لعلم الله بعدم وقوعه .
وإذا عرفت كلام أهل الأصول في هذه المسألة ، فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=19705_19717_19718التوبة تجب كتابا وسنة وإجماعا من كل ذنب اقترفه الإنسان فورا ، وأن الندم ركن من أركانها ، وركن الواجب واجب ، والندم ليس بفعل ، وليس باستطاعة المكلف ; لأنه انفعال لا فعل ، والانفعالات ليست بالاختيار ، فما وجه التكليف بالندم ، وهو غير فعل للمكلف ، ولا مقدور عليه .
والجواب عن هذا الإشكال : هو أن المراد بالتكليف بالندم التكليف بأسبابه التي يوجد بها ، وهي في طوق المكلف ، فلو راجع صاحب المعصية نفسه مراجعة صحيحة ،
[ ص: 526 ] ولم يحابها في معصية الله لعلم أن لذة المعاصي كلذة الشراب الحلو الذي فيه السم القاتل ، والشراب الذي فيه السم القاتل لا يستلذه عاقل لما يتبع لذته من عظيم الضرر ، وحلاوة المعاصي فيها ما هو أشد من السم القاتل ، وهو ما تستلزمه معصية الله - جل وعلا - من سخطه على العاصي ، وتعذيبه له أشد العذاب ، وعقابه على المعاصي قد يأتيه في الدنيا فيهلكه ، وينغص عليه لذة الحياة ، ولا شك أن من جعل أسباب الندم على المعصية وسيلة إلى الندم ، أنه يتوصل إلى حصول الندم على المعصية ، بسبب استعماله الأسباب التي يحصل بها .
فالحاصل أنه مكلف بالأسباب المستوجبة للندم ، وأنه إن استعملها حصل له الندم ، وبهذا الاعتبار كان مكلفا بالندم ، مع أنه انفعال لا فعل .
ومن أمثلة استعمال الأسباب المؤدية إلى الندم على المعصية قول الشاعر وهو
nindex.php?page=showalam&ids=14133الحسين بن مطير :
فلا تقرب الأمر الحرام فإنه حلاوته تفنى ويبقى مريرها
ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري - رحمه الله - أنه كان كثيرا ما يتمثل بقول الشاعر :
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار
وأما الإشكال الذي في الإقلاع عن الذنب ، فحاصله أن من تاب من الذنب الذي هو متلبس به ، مع بقاء فساد ذلك الذنب ، أي : أثره السيئ هل تكون توبته صحيحة ، نظرا إلى أنه فعل في توبته كل ما يستطيعه ، وإن كان الإقلاع عن الذنب لم يتحقق للعجز عن إزالة فساده في ذلك الوقت ، أو لا تكون توبته صحيحة ; لأن الإقلاع عن الذنب الذي هو ركن التوبة لم يتحقق .
ومن أمثلة هذا من كان على بدعة من البدع السيئة المخالفة للشرع المستوجبة للعذاب إذا بث بدعته ، وانتشرت في أقطار الدنيا ، ثم تاب من ارتكاب تلك البدعة ، فندم على ذلك ونوى ألا يعود إليه أبدا ، مع أن إقلاعه عن بدعته لا قدرة له عليه ، لانتشارها في أقطار الدنيا ; ولأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ففساد بدعته باق .
[ ص: 527 ] ومن أمثلته : من
nindex.php?page=treesubj&link=19718_19717غصب أرضا ، ثم سكن في وسطها ، ثم تاب من ذلك الغصب نادما عليه ، ناويا ألا يعود إليه ، وخرج من الأرض المغصوبة بسرعة ، وسلك أقرب طريق للخروج منها ، فهل تكون توبته صحيحة ، في وقت سيره في الأرض المغصوبة قبل خروجه منها ; لأنه فعل في توبته كل ما يقدر عليه ، أو لا تكون صحيحة ; لأن إقلاعه عن الغصب ، لم يتم ما دام موجودا في الأرض المغصوبة ، ولو كان يسير فيها ، ليخرج منها .
ومن أمثلته : من رمى مسلما بسهم ، ثم تاب فندم على ذلك ، ونوى ألا يعود قبل إصابة السهم للإنسان الذي رماه به بأن حصلت التوبة والسهم في الهواء في طريقه إلى المرمي ، هل تكون توبته صحيحة ; لأنه فعل ما يقدر عليه ، أو لا تكون صحيحة ; لأن إقلاعه عن الذنب لم يتحقق وقت التوبة ، لأن سهمه في طريقه إلى إصابة مسلم ، فجمهور أهل الأصول على أن توبته في كل الأمثلة صحيحة ; لأن التوبة واجبة عليه ، وقد فعل من هذا الواجب كل ما يقدر عليه ، وما لا قدرة له عليه معذور فيه ; لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ 2 \ 286 ] ، إلى آخر الأدلة التي قدمناها قريبا .
وقال
أبو هاشم ، وهو من أكابر
المعتزلة كابنه
nindex.php?page=showalam&ids=13980أبي علي الجبائي : إن التائب الخارج من الأرض المغصوبة آت بحرام ; لأن ما أتى به من الخروج تصرف في ملك الغير بغير إذن ، كالمكث ، والتوبة إنما تحقق عند انتهائه إذ لا إقلاع إلا حينئذ ، والإقلاع ترك المنهي عنه ، فالخروج عنده قبيح ; لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه ، وهو مناف للإقلاع ، فهو منهي عنه ، مع أن الخروج المذكور مأمور به عنده أيضا ، لأنه انفصال عن المكث في الأرض المغصوبة ، وهذا بناه على أصله الفاسد ، وهو القبح العقلي ، لكنه أخل بأصل له آخر ، وهو منع التكليف بالمحال فإنه قال : إن خرج عصى ، وإن مكث عصى ، فقد حرم عليه الضدين كليهما ، اهـ ، قاله في " نشر البنود " .
وإلى هذه المسألة أشار في " مراقي السعود " مقتصرا على مذهب الجمهور ، بقوله :
من تاب بعد أن تعاطى السببا فقد أتى بما عليه وجبا
وإن بقي فساده كمن رجع عن بث بدعة عليها يتبع
أو تاب خارجا مكان الغصب أو تاب بعد الرمي قبل الضرب
تَنْبِيهَاتٌ .
الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29489التَّوْبَةُ النَّصُوحُ : هِيَ التَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ .
وَحَاصِلُهَا أَنْ يَأْتِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=19716بِأَرْكَانِهَا الثَّلَاثَةِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ ، بِأَنْ يُقْلِعَ عَنِ الذَّنْبِ إِنْ كَانَ
[ ص: 522 ] مُلْتَبِسًا بِهِ ، وَيَنْدَمُ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ رَبِّهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَيَنْوِي نِيَّةً جَازِمَةً أَلَّا يَعُودَ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ أَبَدًا .
وَأَظْهَرُ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ إِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19717_19719تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا وَكَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ بِتِلْكَ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الذَّنْبِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ تَوْبَتَهُ الْأُولَى الْوَاقِعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ لَا يُبْطِلُهَا الرُّجُوعُ إِلَى الذَّنْبِ ، بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْ جَدِيدٍ لِذَنْبِهِ الْجَدِيدِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : إِنَّ عَوْدَهُ لِلذَّنْبِ نَقْضٌ لِتَوْبَتِهِ الْأُولَى .
الثَّانِي : اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=19717_19718لَا تَصِحُّ تَوْبَةٌ مِنْ ذَنْبٍ إِلَّا بِالنَّدَمِ عَلَى فِعْلِ الذَّنْبِ ، وَالْإِقْلَاعِ عَنْهُ ، إِنْ كَانَ مُلْتَبِسًا بِهِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُمَا مِنْ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ إِشْكَالٌ مَعْرُوفٌ ، وَإِيضَاحُهُ فِي الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ النَّدَمُ أَنَّ النَّدَمَ لَيْسَ فِعْلًا ، وَإِنَّمَا هُوَ انْفِعَالٌ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ أَحَدًا إِلَّا بِفِعْلٍ يَقَعُ بِاخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ ، وَلَا يُكَلِّفُ أَحَدًا بِشَيْءٍ إِلَّا شَيْئًا هُوَ فِي طَاقَتِهِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [ 2 \ 286 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [ 64 \ 16 ] .
وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ ، فَاعْلَمْ أَنَّ النَّدَمَ انْفِعَالٌ لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ قُدْرَةِ الْعَبْدِ ، فَلَيْسَ بِفِعْلٍ أَصْلًا ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِ فِعْلُهُ ، وَالتَّكْلِيفُ لَا يَقَعُ بِغَيْرِ الْفِعْلِ ، وَلَا بِمَا لَا يُطَاقُ ، كَمَا بَيَّنَّا ، قَالَ فِي " مَرَاقِي السُّعُودِ " :
وَلَا يُكَلِّفُ بِغَيْرِ الْفِعْلِ بَاعِثُ الْأَنْبِيَا وَرَبُّ الْفَضْلِ
وَقَالَ أَيْضًا :
وَالْعِلْمُ وَالْوُسْعُ عَلَى الْمَعْرُوفِ شَرْطٌ يَعُمُّ كُلَّ ذِي تَكْلِيفِ
وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ فِي مَسْأَلَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=20715التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ ، وَاخْتِلَافَهُمْ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجِوَارِ الْعَقْلِيِّ ، وَالْمَعْنَى هَلْ يُجِيزُهُ الْعَقْلُ أَوْ يَمْنَعُهُ ؟ .
أَمَّا وُقُوعُهُ بِالْفِعْلِ فَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى مَنْعِهِ ; كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ ، وَبَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ يُعَبِّرُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالتَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ هَلْ يَجُوزُ عَقْلًا ، أَوْ لَا ؟ أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28077وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ عَقْلًا ، أَوْ عَادَةً ، فَكُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى مَنْعِهِ إِنْ كَانَتِ الِاسْتِحَالَةُ لِغَيْرِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ وُقُوعِهِ أَزَلًا ، وَمِثَالُ الْمُسْتَحِيلِ عَقْلًا أَنْ يُكَلَّفَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ ، أَوِ النَّقِيضَيْنِ كَالْعَدَمِ وَالْوُجُودِ ، وَالْمُسْتَحِيلِ عَادَةً كَتَكْلِيفِ الْمُقْعَدِ
[ ص: 523 ] بِالْمَشْيِ وَتَكْلِيفِ الْإِنْسَانِ بِالطَّيَرَانِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يَقَعُ التَّكْلِيفُ بِهِ إِجْمَاعًا .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28077_20726الْمُسْتَحِيلُ لِأَجْلِ عِلْمِ اللَّهِ فِي الْأَزَلِ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ ، فَهُوَ جَائِزٌ عَقْلًا وَلَا خِلَافَ فِي التَّكْلِيفِ بِهِ فَإِيمَانُ
أَبِي لَهَبٍ مَثَلًا كَانَ اللَّهُ عَالِمًا فِي الْأَزَلِ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ ; كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=3سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [ 11 \ 3 ] ، فَوُقُوعُهُ مُحَالٌ عَقْلًا لِعِلْمِ اللَّهِ فِي الْأَزَلِ ، بِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ ; لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ لَاسْتَحَالَ الْعِلْمُ بِعَدَمِهِ جَهْلًا ، وَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ، وَلَكِنَّ هَذَا الْمُسْتَحِيلَ لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ جَائِزٌ عَقْلًا ، إِذْ لَا يَمْنَعُ الْعَقْلُ إِيمَانَ
أَبِي لَهَبٍ ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِيلًا لَمَا كَلَّفَهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ ، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْإِمْكَانُ عَامٌّ ، وَالدَّعْوَةُ عَامَّةٌ ، وَالتَّوْفِيقُ خَاصٌّ .
وَإِيضَاحُ مَسْأَلَةِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ أَنَّهُ عِنْدَ جُمْهُورِ النُّظَّارِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ :
الْأَوَّلُ : الْوَاجِبُ عَقْلًا .
الثَّانِي : الْمُسْتَحِيلُ عَقْلًا .
الثَّالِثُ : الْجَائِزُ عَقْلًا ، وَبُرْهَانُ الْحَصْرِ الْحُكْمُ الْعَقْلِيُّ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ ، أَنَّ الشَّيْءَ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَيْءٌ ، لَا يَخْلُو مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثِ حَالَاتٍ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَقْلُ يَقْبَلُ وُجُودَهُ ، وَلَا يَقْبَلُ عَدَمَهُ بِحَالٍ . وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يَقْبَلُ عَدَمَهُ وَلَا يَقْبَلُ وُجُودَهُ بِحَالٍ . وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يَقْبَلُ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ مَعًا ، فَإِنْ كَانَ الْعَقْلُ يَقْبَلُ وُجُودَهُ دُونَ عَدَمِهِ ، فَهُوَ الْوَاجِبُ عَقْلًا ، وَذَلِكَ كَوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ ، فَإِنَّ الْعَقْلَ السَّلِيمَ لَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ وُجُودُ خَالِقِ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ لَقَبِلَهُ ، وَلَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ عَدَمُهُ وَأَنَّهَا خُلِقَتْ بِلَا خَالِقٍ ، لَمْ يَقْبَلْهُ ، فَهُوَ وَاجِبٌ عَقْلًا ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ يَقْبَلُ عَدَمَهُ ، دُونَ وُجُودِهِ ، فَهُوَ الْمُسْتَحِيلُ عَقْلًا ; كَشَرِيكِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، فَلَوْ عُرِضَ عَلَى الْعَقْلِ السَّلِيمِ عَدَمُ شَرِيكٍ لِلَّهِ فِي مُلْكِهِ ، وَعِبَادَتِهِ لَقَبِلَهُ ، وَلَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ وَجُودُهُ لَمْ يَقْبَلْهُ بِحَالٍ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [ 21 \ 22 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [ 23 \ 91 ] ، فَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَقْلًا . وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْعَقْلُ يَقْبَلُ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ مَعًا ، فَهُوَ الْجَائِزُ الْعَقْلِيُّ ، وَيُقَالُ لَهُ الْجَائِزُ الذَّاتِيُّ ، وَذَلِكَ كَإِيمَانِ
أَبِي لَهَبٍ ، فَإِنَّهُ لَوْ عُرِضَ وُجُودُهُ عَلَى الْعَقْلِ السَّلِيمِ لَقَبِلَهُ ، وَلَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ عَدَمُهُ بَدَلَ وَجُودِهِ لَقَبِلَهُ أَيْضًا ، كَمَا لَا يَخْفَى ، فَهُوَ جَائِزٌ عَقْلًا جَوَازًا ذَاتِيًّا ، وَلَا خِلَافَ فِي التَّكْلِيفِ بِهَذَا النَّوْعِ الَّذِي هُوَ الْجَائِزُ الْعَقْلِيُّ الذَّاتِيُّ .
[ ص: 524 ] وَقَالَتْ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ : إِنَّ الْحُكْمَ الْعَقْلِيَّ قِسْمَانِ فَقَطْ ، وَهُمَا : الْوَاجِبُ عَقْلًا ، وَالْمُسْتَحِيلُ عَقْلًا ، قَالُوا : وَالْجَائِزُ عَقْلًا لَا وُجُودَ لَهُ أَصْلًا ، وَزَعَمُوا أَنَّ دَلِيلَ الْحَصْرِ فِي الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحِيلِ أَنَّ الْأَمْرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَالِمًا فِي أَزَلَهِ ، بِأَنَّهُ سَيُوجَدُ فَهُوَ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ لِاسْتِحَالَةِ عَدَمِ وُجُودِهِ مَعَ سَبْقِ الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ بِوُجُودِهِ ، كَإِيمَانِ
أَبِي بَكْرٍ فَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ عَقْلًا لِعِلْمِ اللَّهِ بِأَنَّهُ سَيَقَعُ ، إِذْ لَوْ لَمْ يَقَعْ لَكَانَ عِلْمُهُ جَهْلًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَذَلِكَ مُحَالٌ .
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَالِمًا فِي أَزَلِهِ ، بِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ كَإِيمَانِ
أَبِي لَهَبٍ ، فَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَقْلًا ، إِذْ لَوْ وُجِدَ لَانْقَلَبَ الْعِلْمُ جَهْلًا ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَخْفَى بُطْلَانُهُ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ إِيمَانَ
أَبِي لَهَبٍ ،
وَأَبِي بَكْرٍ كِلَاهُمَا يُجِيزُ الْعَقْلُ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ ، فَكِلَاهُمَا جَائِزٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَاءَ وُجُودَ أَحَدِ هَذَيْنِ الْجَائِزَيْنِ فَأَوْجَدَهُ ، وَشَاءَ عَدَمَ الْآخَرِ ، فَلَمْ يُوجِدْهُ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ لِغَيْرِ عِلْمِ اللَّهِ السَّابِقِ بِعَدَمِ وُجُودِهِ ; لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ اسْتِحَالَةً ذَاتِيَّةً كَالْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ لَا يَقَعُ التَّكْلِيفُ بِهِ إِجْمَاعًا ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ عَادَةً ، كَمَا لَا يَخْفَى .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=20712_20726الْجَائِزُ الذَّاتِيُّ فَالتَّكْلِيفُ بِهِ جَائِزٌ ، وَوَاقِعٌ إِجْمَاعًا كَإِيمَانِ
أَبِي لَهَبٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عَقْلًا ، وَإِنِ اسْتَحَالَ مِنْ جِهَةِ عِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ ، وَهُمْ يُسَمُّونَ هَذَا الْجَائِزَ الذَّاتِيَّ مُسْتَحِيلًا عَرَضِيًّا ، وَنَحْنُ نُنَزِّهُ صِفَةَ عِلْمِ اللَّهِ عَنْ أَنْ نَقُولَ إِنَّ الِاسْتِحَالَةَ بِسَبَبِهَا عَرَضِيَّةٌ .
فَإِذَا عَلِمْتَ هَذَا ، فَاعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْأُصُولِ وَجَمِيعَ أَهْلِ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْجَائِزِ الْعَقْلِيِّ الذَّاتِيِّ ، كَإِيمَانِ
أَبِي لَهَبٍ ، وَإِنْ كَانَ وُقُوعُهُ مُسْتَحِيلًا لِعِلْمِ اللَّهِ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28077_20721الْمُسْتَحِيلُ عَقْلًا لِذَاتِهِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ ، وَالْمُسْتَحِيلُ عَادَةً كَمَشْيِ الْمُقْعَدِ ، وَطَيَرَانِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ آلَةٍ ، فَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَنْعِ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [ 2 \ 282 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [ 64 \ 16 ] ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007851إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " .
وَأَمَّا الْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِيُّ : فَقَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ : يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=20721_28077التَّكْلِيفُ بِالْمُسْتَحِيلِ الذَّاتِيِّ عَادَةً وَعَقْلًا ، وَبِالْمُسْتَحِيلِ عَادَةً ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَجُوزُ عَقْلًا مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ
[ ص: 525 ] لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ بِالْفِعْلِ ، وَحُجَّةُ مَنْ يَمْنَعُهُ عَقْلًا أَنَّهُ عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ بِحَالٍ ، فَتَكْلِيفُهُ بِمَا هُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ مُحَقَّقًا عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، قَالُوا فَهُوَ مُسْتَحِيلٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ حَكِيمٌ خَبِيرٌ . وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِجَوَازِهِ أَنَّ فَائِدَتَهُ امْتِحَانُ الْمُكَلَّفِ ، هَلْ يَتَأَسَّفُ عَلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ ، وَيُظْهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَادِرًا لَامْتَثَلَ ، وَالِامْتِحَانُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّكْلِيفِ ، كَمَا كَلَّفَ اللَّهُ
إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ لَا يَذْبَحُهُ ، وَبَيَّنَ أَنَّ حِكْمَةَ هَذَا التَّكْلِيفِ هِيَ ابْتِلَاءُ
إِبْرَاهِيمَ ، أَيِ : اخْتِبَارُهُ ، هَلْ يَمْتَثِلُ ؟ فَلَمَّا شَرَعَ فِي الِامْتِثَالِ فَدَاهُ اللَّهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=103فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [ 37 \ 103 - 107 ] .
وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ " مَرَاقِي السُّعُودِ " إِلَى مَسْأَلَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28077التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ ، وَأَقْوَالِ الْأُصُولِيِّينَ فِيهَا ، وَهِيَ اخْتِلَافُهُمْ فِي جَوَازِ ذَلِكَ عَقْلًا ، مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى مَنْعِهِ إِنْ كَانَتِ الِاسْتِحَالَةُ لِغَيْرِ عِلْمِ اللَّهِ ، بِعَدَمِ الْوُقُوعِ كَالِاسْتِحَالَةِ الذَّاتِيَّةِ ، بِقَوْلِهِ :
وَجَوَّزَ التَّكْلِيفَ بِالْمُحَالِ فِي الْكُلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ الْأَحْوَالِ
وَقِيلَ بِالْمَنْعِ لِمَا قَدِ امْتَنَعْ لِغَيْرِ عِلْمِ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ يَقَعْ
وَلَيْسَ وَاقِعًا إِذَا اسْتَحَالَا لِغَيْرِ عِلْمِ رَبِّنَا تَعَالَى
وَقَوْلُهُ : وَجَوَّزَ التَّكْلِيفَ ، يَعْنِي : الْجَوَازَ الْعَقْلِيَّ .
وَقَوْلُهُ : وَقِيلَ بِالْمَنْعِ ، أَيْ : عَقْلًا ، وَمُرَادُهُ بِالثَّلَاثَةِ الْأَحْوَالِ مَا اسْتَحَالَ عَقْلًا وَعَادَةً ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ ، وَمَا اسْتَحَالَ عَادَةً كَمَشْيِ الْمُقْعَدِ ، وَطَيَرَانِ الْإِنْسَانِ ، وَإِبْصَارِ الْأَعْمَى ، وَمَا اسْتَحَالَ لِعِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ .
وَإِذَا عَرَفْتَ كَلَامَ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19705_19717_19718التَّوْبَةَ تَجِبُ كِتَابًا وَسُنَّةً وَإِجْمَاعًا مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ اقْتَرَفَهُ الْإِنْسَانُ فَوْرًا ، وَأَنَّ النَّدَمَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا ، وَرُكْنُ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ ، وَالنَّدَمُ لَيْسَ بِفِعْلٍ ، وَلَيْسَ بِاسْتِطَاعَةِ الْمُكَلَّفِ ; لِأَنَّهُ انْفِعَالٌ لَا فِعْلٌ ، وَالِانْفِعَالَاتُ لَيْسَتْ بِالِاخْتِيَارِ ، فَمَا وَجْهُ التَّكْلِيفِ بِالنَّدَمِ ، وَهُوَ غَيْرُ فِعْلٍ لِلْمُكَلَّفِ ، وَلَا مَقْدُورٍ عَلَيْهِ .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ : هُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْلِيفِ بِالنَّدَمِ التَّكْلِيفُ بِأَسْبَابِهِ الَّتِي يُوجَدُ بِهَا ، وَهِيَ فِي طَوْقِ الْمُكَلَّفِ ، فَلَوْ رَاجَعَ صَاحِبُ الْمَعْصِيَةِ نَفْسَهُ مُرَاجَعَةً صَحِيحَةً ،
[ ص: 526 ] وَلَمْ يُحَابِهَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ لَعَلِمَ أَنَّ لَذَّةَ الْمَعَاصِي كَلَذَّةِ الشَّرَابِ الْحُلْوِ الَّذِي فِيهِ السُّمُّ الْقَاتِلُ ، وَالشَّرَابُ الَّذِي فِيهِ السُّمُّ الْقَاتِلُ لَا يَسْتَلِذُّهُ عَاقِلٌ لِمَا يَتْبَعُ لَذَّتَهُ مِنْ عَظِيمِ الضَّرَرِ ، وَحَلَاوَةُ الْمَعَاصِي فِيهَا مَا هُوَ أَشَدُّ مِنَ السُّمِّ الْقَاتِلِ ، وَهُوَ مَا تَسْتَلْزِمُهُ مَعْصِيَةُ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - مِنْ سَخَطِهِ عَلَى الْعَاصِي ، وَتَعْذِيبِهِ لَهُ أَشَدَّ الْعَذَابِ ، وَعِقَابِهِ عَلَى الْمَعَاصِي قَدْ يَأْتِيهِ فِي الدُّنْيَا فَيُهْلِكُهُ ، وَيُنَغِّصُ عَلَيْهِ لَذَّةَ الْحَيَاةِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ جَعَلَ أَسْبَابَ النَّدَمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَسِيلَةً إِلَى النَّدَمِ ، أَنَّهُ يَتَوَصَّلُ إِلَى حُصُولِ النَّدَمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ، بِسَبَبِ اسْتِعْمَالِهِ الْأَسْبَابَ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا .
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْأَسْبَابِ الْمُسْتَوْجِبَةِ لِلنَّدَمِ ، وَأَنَّهُ إِنِ اسْتَعْمَلَهَا حَصَلَ لَهُ النَّدَمُ ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَ مُكَلَّفًا بِالنَّدَمِ ، مَعَ أَنَّهُ انْفِعَالٌ لَا فِعْلٌ .
وَمِنْ أَمْثِلَةِ اسْتِعْمَالِ الْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى النَّدَمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=14133الْحُسَيْنُ بْنُ مُطَيْرٍ :
فَلَا تَقْرَبِ الْأَمْرَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ حَلَاوَتُهُ تَفْنَى وَيَبْقَى مَرِيرُهَا
وَنُقِلَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا مِنَ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الْإِثْمُ وَالْعَارُ
تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوءٍ فِي مَغَبَّتِهَا لَا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا النَّارُ
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الَّذِي فِي الْإِقْلَاعِ عَنِ الذَّنْبِ ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ ، مَعَ بَقَاءِ فَسَادِ ذَلِكَ الذَّنْبِ ، أَيْ : أَثَرُهُ السَّيِّئُ هَلْ تَكُونُ تَوْبَتُهُ صَحِيحَةً ، نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ فَعَلَ فِي تَوْبَتِهِ كُلَّ مَا يَسْتَطِيعُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِلْعَجْزِ عَنْ إِزَالَةِ فَسَادِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، أَوَ لَا تَكُونُ تَوْبَتُهُ صَحِيحَةً ; لِأَنَّ الْإِقْلَاعَ عَنِ الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ التَّوْبَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ .
وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا مَنْ كَانَ عَلَى بِدْعَةٍ مِنَ الْبِدَعِ السَّيِّئَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ الْمُسْتَوْجِبَةِ لِلْعَذَابِ إِذَا بَثَّ بِدْعَتَهُ ، وَانْتَشَرَتْ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ تَابَ مِنَ ارْتِكَابِ تِلْكَ الْبِدْعَةِ ، فَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ وَنَوَى أَلَّا يَعُودَ إِلَيْهِ أَبَدًا ، مَعَ أَنَّ إِقْلَاعَهُ عَنْ بِدْعَتِهِ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ ، لِانْتِشَارِهَا فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا ; وَلِأَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَفَسَادُ بِدْعَتِهِ بَاقٍ .
[ ص: 527 ] وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ : مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19718_19717غَصَبَ أَرْضًا ، ثُمَّ سَكَنَ فِي وَسَطِهَا ، ثُمَّ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الْغَصْبِ نَادِمًا عَلَيْهِ ، نَاوِيًا أَلَّا يَعُودَ إِلَيْهِ ، وَخَرَجَ مِنَ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ بِسُرْعَةٍ ، وَسَلَكَ أَقْرَبَ طَرِيقٍ لِلْخُرُوجِ مِنْهَا ، فَهَلْ تَكُونُ تَوْبَتُهُ صَحِيحَةً ، فِي وَقْتِ سَيْرِهِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهَا ; لِأَنَّهُ فَعَلَ فِي تَوْبَتِهِ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، أَوْ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً ; لِأَنَّ إِقْلَاعَهُ عَنِ الْغَصْبِ ، لَمْ يَتِمَّ مَا دَامَ مَوْجُودًا فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَلَوْ كَانَ يَسِيرُ فِيهَا ، لِيَخْرُجَ مِنْهَا .
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ : مَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِسَهْمٍ ، ثُمَّ تَابَ فَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ ، وَنَوَى أَلَّا يَعُودَ قَبْلَ إِصَابَةِ السَّهْمِ لِلْإِنْسَانِ الَّذِي رَمَاهُ بِهِ بِأَنْ حَصَلَتِ التَّوْبَةُ وَالسَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْمَرْمِيِّ ، هَلْ تَكُونُ تَوْبَتُهُ صَحِيحَةً ; لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، أَوْ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً ; لِأَنَّ إِقْلَاعَهُ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَقْتَ التَّوْبَةِ ، لِأَنَّ سَهْمَهُ فِي طَرِيقِهِ إِلَى إِصَابَةِ مُسْلِمٍ ، فَجُمْهُورُ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى أَنَّ تَوْبَتَهُ فِي كُلِّ الْأَمْثِلَةِ صَحِيحَةٌ ; لِأَنَّ التَّوْبَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ فَعَلَ مِنْ هَذَا الْوَاجِبِ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ مَعْذُورٌ فِيهِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [ 2 \ 286 ] ، إِلَى آخِرِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا قَرِيبًا .
وَقَالَ
أَبُو هَاشِمٍ ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ
الْمُعْتَزِلَةِ كَابْنِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13980أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ : إِنَّ التَّائِبَ الْخَارِجَ مِنَ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ آتٍ بِحَرَامٍ ; لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنَ الْخُرُوجِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ ، كَالْمُكْثِ ، وَالتَّوْبَةُ إِنَّمَا تَحَقَّقُ عِنْدَ انْتِهَائِهِ إِذْ لَا إِقْلَاعَ إِلَّا حِينَئِذٍ ، وَالْإِقْلَاعُ تَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، فَالْخُرُوجُ عِنْدَهُ قَبِيحٌ ; لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَهُوَ مُنَافٍ لِلْإِقْلَاعِ ، فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، مَعَ أَنَّ الْخُرُوجَ الْمَذْكُورَ مَأْمُورٌ بِهِ عِنْدَهُ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ عَنِ الْمُكْثِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَهَذَا بِنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ الْفَاسِدِ ، وَهُوَ الْقُبْحُ الْعَقْلِيُّ ، لَكِنَّهُ أَخَلَّ بِأَصْلٍ لَهُ آخَرَ ، وَهُوَ مَنْعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَإِنَّهُ قَالَ : إِنْ خَرَجَ عَصَى ، وَإِنْ مَكَثَ عَصَى ، فَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ الضِّدَّيْنِ كِلَيْهِمَا ، اهـ ، قَالَهُ فِي " نَشْرِ الْبُنُودِ " .
وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ فِي " مَرَاقِي السُّعُودِ " مُقْتَصِرًا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ ، بِقَوْلِهِ :
مَنْ تَابَ بَعْدَ أَنْ تَعَاطَى السَّبَبَا فَقَدْ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَجَبَا
وَإِنْ بَقِي فَسَادُهُ كَمَنْ رَجَعَ عَنْ بَثِّ بِدْعَةٍ عَلَيْهَا يُتَّبَعْ
أَوْ تَابَ خَارِجًا مَكَانَ الْغَصْبِ أَوْ تَابَ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الضَّرْبِ