الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                والثاني أنها متجزئة في قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                وعندهما غير متجزئة ; لأنها عقد يفضي إلى العتق والعتق متجزئ عنده وعندهما لا يتجزأ كذا المكاتبة ، وعلى هذا يخرج ما إذا كاتب رجل نصف عبده أنه جازت الكتابة في النصف ، وصار نصفه مكاتبا عند أبي حنيفة ; لأن الكتابة متجزئة عنده فصحت في ذلك النصف لا غير ، وصار في النصف الآخر مأذونا بالتجارة ; لأن الكتابة تقتضي وجوب أداء بدل الكتابة ولا يمكنه الأداء إلا بالإذن ، والإذن لا يتجزأ فصار الإذن في قدر الكتابة إذنا في الكل فصار مأذونا في الكل ، ونصفه مكاتب .

                                                                                                                                فإن أدى عتق نصفه وصار النصف الآخر مستسعى فإن شاء أعتق وإن شاء استسعى غير مشقوق عليه ، بمنزلة رجل أعتق نصف عبده فإن اكتسب العبد مالا قبل الأداء فنصفه له ونصفه للمولى في قول أبي حنيفة ; لأن نصفه مكاتب ونصفه رقيق في قولهما ، والكسب كله للمكاتب ; لأنه كله صار مكاتبا وما اكتسب بعد الأداء فكله للمكاتب بالإجماع وليس للمولى فيه شيء ، أما على قولهما فلا يشكل ; لأنه حر عليه دين .

                                                                                                                                وأما على أصل أبي حنيفة فلأن المستسعى كالمكاتب وكسب المكاتب له ، وإذا كاتب نصف عبده ثم أراد أن يحول بينه وبين الكسب لم يكن له ذلك ; لأنه لما كاتب نصفه فقد أذن له بالاكتساب ; لأنه لا يتوصل إلى أداء بدل الكتابة إلا بالكسب فلا يملك الحجر عليه إلا بعد فسخ الكتابة ، ولا يفسخ إلا برضاه ، بخلاف العبد المأذون له إنه يملك حجره ومنعه من الاكتساب ; لأنه إنما صار مأذونا بالقول فيصير محجوزا عليه بحجره ، والإذن ههنا لا يثبت بالقبول بل مقتضى الكتابة فلا يصير محجورا عليه إلا بفسخ الكتابة ، فإن أراد أن يخرج من المصر فله منعه بالقياس ولكن استحسن أن لا يمنعه ، وكذلك إذا أراد أن يستخدمه يوما أو يستسعيه يوما ويخلي عنه يوما للكسب له ذلك في القياس ، ولكن استحسن أن لا يتعرض له في شيء حتى يؤدي أو يعجز ، كذا ذكر في الأصل ، وجه القياس أن نصفه رقيق لم تزل يده عنه فله أن يمنعه من الخروج من المصر لأجل النصف فيقول له إن كان نصفك مكاتبا فالنصف الآخر غير مكاتب فلي المنع فكان له أن يمسكه ويستخدمه يوما كالعبد المشترك ، وجه الاستحسان أنه بعقد الكتابة صار مأذونا بالاكتساب وذلك بالخروج إلى الأمصار فلا يجوز له منعه وأن يحول بينه وبين الاكتساب بالاستخدام ، ولا يمكنه أن يخرج بالنصف دون النصف أو يستخدم النصف دون النصف .

                                                                                                                                فإما أن يجعل النصف الذي هو مكاتب تبعا [ ص: 148 ] للنصف الذي ليس بمكاتب ، أو يجعل النصف الذي هو غير مكاتب تبعا للنصف الذي هو مكاتب ، وهذا الثاني أولى ; لأن الحرية والرق إذا اجتمعا غلبت الحرية الرق ، وفي الكتابة شعبة من العتق ; لأنها تعقد للعتق في المستقبل وهي سبب من أسبابه .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية