المسألة السادسة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=87ومن أصدق من الله حديثا ) استفهام على سبيل الإنكار ، والمقصود منه بيان أنه يجب
nindex.php?page=treesubj&link=29688كونه تعالى صادقا وأن الكذب والخلف في قوله محال . وأما
المعتزلة فقد بنوا ذلك على أصلهم ، وهو أنه تعالى عالم بكون الكذب قبيحا ، وعالم بكونه غنيا عنه ، وكل من كان كذلك استحال أن يكذب . إنما قلنا : إنه عالم بقبح الكذب ، وعالم بكونه غنيا عنه لأن الكذب قبيح لكونه كذبا ، والله تعالى غير محتاج إلى شيء أصلا ، وثبت أنه عالم بجميع المعلومات فوجب القطع بكونه عالما بهذين الأمرين ، وأما أن كل من كان كذلك استحال أن يكذب فهو ظاهر لأن الكذب جهة صرف لا جهة دعاء ، فإذا خلا عن معارض الحاجة بقي ضارا محضا فيمتنع صدور الكذب عنه ، وأما أصحابنا فدليلهم أنه لو كان كاذبا لكان كذبه قديما ، ولو كان كذبه قديما لامتنع زوال كذبه لامتناع العدم على القديم ، ولو امتنع زوال كذبه قديما لامتنع كونه صادقا ، لأن وجود أحد الضدين يمنع وجود الضد الآخر ، فلو كان كاذبا لامتنع أن يصدق لكنه غير ممتنع ، لأنا نعلم بالضرورة أن كل من علم شيئا فإنه لا يمتنع عليه أن يحكم عليه بحكم مطابق للمحكوم عليه ، والعلم بهذه الصحة ضروري ، فإذا كان إمكان الصدق قائما كان امتناع الكذب حاصلا لا محالة ، فثبت أنه لا بد من القطع بكونه تعالى صادقا .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=87وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّهُ يَجِبُ
nindex.php?page=treesubj&link=29688كَوْنُهُ تَعَالَى صَادِقًا وَأَنَّ الْكَذِبَ وَالْخُلْفَ فِي قَوْلِهِ مُحَالٌ . وَأَمَّا
الْمُعْتَزِلَةُ فَقَدْ بَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِمْ ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِكَوْنِ الْكَذِبِ قَبِيحًا ، وَعَالَمٌ بِكَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْهُ ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يَكْذِبَ . إِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّهُ عَالِمٌ بِقُبْحِ الْكَذِبِ ، وَعَالِمٌ بِكَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْهُ لِأَنَّ الْكَذِبَ قَبِيحٌ لِكَوْنِهِ كَذِبًا ، وَاللَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى شَيْءٍ أَصْلًا ، وَثَبَتَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِهَذَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يَكْذِبَ فَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْكَذِبَ جِهَةُ صَرْفٍ لَا جِهَةَ دُعَاءٍ ، فَإِذَا خَلَا عَنْ مُعَارِضِ الْحَاجَةِ بَقِيَ ضَارًّا مَحْضًا فَيَمْتَنِعُ صُدُورُ الْكَذِبِ عَنْهُ ، وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَدَلِيلُهُمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا لَكَانَ كَذِبُهُ قَدِيمًا ، وَلَوْ كَانَ كَذِبُهُ قَدِيمًا لَامْتَنَعَ زَوَالُ كَذِبِهِ لِامْتِنَاعِ الْعَدَمِ عَلَى الْقَدِيمِ ، وَلَوِ امْتَنَعَ زَوَالُ كَذِبِهِ قَدِيمًا لَامْتَنَعَ كَوْنُهُ صَادِقًا ، لِأَنَّ وُجُودَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يَمْنَعُ وُجُودَ الضِّدِّ الْآخَرِ ، فَلَوْ كَانَ كَاذِبًا لَامْتَنَعَ أَنْ يَصْدُقَ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ ، لِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِحُكْمٍ مُطَابِقٍ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ، وَالْعِلْمُ بِهَذِهِ الصِّحَّةِ ضَرُورِيٌّ ، فَإِذَا كَانَ إِمْكَانُ الصِّدْقِ قَائِمًا كَانَ امْتِنَاعُ الْكَذِبِ حَاصِلًا لَا مَحَالَةَ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْقَطْعِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى صَادِقًا .