الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( لم يكن الله ليغفر لهم ) ، وفيه سؤالان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الحكم المذكور في هذه الآية إما أن يكون مشروطا بما قبل التوبة أو بما بعدها . والأول باطل ؛ لأن الكفر قبل التوبة غير مذكور على الإطلاق ، وحينئذ تضيع هذه الشرائط المذكورة في هذه الآية ، والثاني أيضا باطل ؛ لأن الكفر بعد التوبة مغفور ، ولو كان ذلك بعد ألف مرة ، فعلى كلا التقديرين فالسؤال لازم .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب عنه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنا لا نحمل قوله : ( إن الذين ) على الاستغراق ، بل نحمله على المعهود السابق ، والمراد به أقوام معينون علم الله تعالى منهم أنهم يموتون على الكفر ، ولا يتوبون عنه قط ، فقوله : ( لم يكن الله ليغفر لهم ) إخبار عن موتهم على الكفر ، وعلى هذا التقدير زال السؤال .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن الكلام خرج على الغالب المعتاد ، وهو أن كل من كان كثير الانتقال من الإسلام إلى الكفر لم يكن للإسلام في قلبه وقع ولا عظم ، والظاهر من حال مثل هذا الإنسان أنه يموت على الكفر على ما قررناه .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن الحكم المذكور في الآية مشروط بعدم التوبة عن الكفر ، وقول السائل : إن على هذا التقدير تضيع الصفات المذكورة .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : إن إفرادهم بالذكر يدل على أن كفرهم أفحش ، وخيانتهم أعظم وعقوبتهم في القيامة أقوى فجرى هذا مجرى قوله : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) [الأحزاب : 7] . خصهما بالذكر لأجل التشريف ، وكذلك قوله : ( وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) [البقرة : 98] .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني : في قوله : ( ليغفر لهم ) اللام للتأكيد فقوله : ( لم يكن الله ليغفر لهم ) يفيد نفي التأكيد ، وهذا غير لائق بهذا الموضع إنما اللائق به تأكيد النفي ، فما الوجه فيه ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : أن نفي التأكيد إذا ذكر على سبيل التهكم كان المراد منه المبالغة في تأكيد النفي .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ولا ليهديهم سبيلا ) قال أصحابنا : هذا يدل على أنه سبحانه وتعالى لم يهد الكافر إلى الإيمان خلافا للمعتزلة ، وهم أجابوا عنه بأنه محمول على المنع من زيادة اللطف ، أو على أنه تعالى لا يهديه في الآخرة إلى الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن من حمل الآية المتقدمة على المنافقين ، قال : إنه تعالى بين أنه لا يغفر لهم كفرهم ولا يهديهم إلى الجنة ، ثم قال : وكما لا يوصلهم إلى دار الثواب فإنه مع ذلك يوصلهم إلى أعظم أنواع العقاب ، وهو المراد من قوله : ( بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ) ، وقوله : ( بشر ) تهكم بهم ، والعرب تقول : تحيتك الضرب ، وعتابك السيف .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية