الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب العدد المباح للحر والعبد وما خص به النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك 2707 - ( عن قيس بن الحارث قال : { أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : اختر منهن أربعا } رواه أبو داود وابن ماجه )

                                                                                                                                            2708 - ( وعن عمر بن الخطاب قال : ينكح العبد امرأتين ، ويطلق تطليقتين ، وتعتد الأمة حيضتين رواه الدارقطني ) .

                                                                                                                                            2709 - ( وعن قتادة عن أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة [ ص: 178 ] الواحدة ، وله يومئذ تسع نسوة } وفي رواية : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة ، قلت لأنس : وكان يطيقه ؟ قال : كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين } رواهما أحمد والبخاري )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث قيس بن الحارث وفي رواية الحارث بن قيس في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وقد ضعفه غير واحد من الأئمة وقال أبو القاسم البغوي : ولا أعلم للحارث بن قيس حديثا غير هذا وقال أبو عمر النمري : ليس له إلا حديث واحد ولم يأت من وجه صحيح وفي معنى هذا الحديث حديث غيلان الثقفي لما أسلم وتحته عشر نسوة ، وسيأتي في باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع ويأتي الكلام عليه هنالك

                                                                                                                                            وفي الباب عن نوفل بن معاوية عند الشافعي أنه { أسلم وتحته خمس نسوة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أمسك أربعا وفارق الأخرى } وفي إسناده رجل مجهول ; لأن الشافعي قال : حدثنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهل عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية قال : أسلمت فذكره وفي الباب أيضا عن عروة بن مسعود وصفوان بن أمية عند البيهقي وأثر عمر يقويه ما رواه البيهقي وابن أبي شيبة من طريق الحكم بن عتيبة أنه أجمع الصحابة على أنه لا ينكح العبد أكثر من اثنتين وقال الشافعي بعد أن روى ذلك عن علي وعمر وعبد الرحمن بن عوف أنه لا يعرف لهم من الصحابة مخالف وأخرجه ابن أبي شيبة عن جماهير التابعين عطاء والشعبي والحسن وغيرهم

                                                                                                                                            قوله : ( اختر منهن أربعا ) استدل به الجمهور على تحريم الزيادة على أربع وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا ، ولعل وجهه قوله تعالى: { مثنى وثلاث ورباع } ومجموع ذلك - إلا باعتبار ما فيه من العدل - تسع وحكي ذلك عن ابن الصباغ والعمراني وبعض الشيعة وحكي أيضا عن القاسم بن إبراهيم وأنكر الإمام يحيى الحكاية عنه ، وحكاه صاحب البحر عن الظاهرية وقوم مجاهيل وأجابوا عن حديث قيس بن الحارث المذكور بما فيه من المقال المتقدم وأجابوا عن حديث غيلان الثقفي بما سيأتي فيه من المقال

                                                                                                                                            وكذلك أجابوا عن حديث نوفل بن معاوية بما قدمنا من كون في إسناده مجهول ، قالوا : ومثل هذا الأصل العظيم لا يكتفى فيه بمثل ذلك ، ولا سيما وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين تسع أو إحدى عشرة ، وقد قال تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وأما دعوى اختصاصه بالزيادة على الأربع فهو محل النزاع ولم يقم عليه دليل وأما قوله تعالى: { مثنى وثلاث ورباع } فالواو فيه للجمع لا للتخيير وأيضا لفظ : مثنى ، معدول به عن اثنين ، وهو يدل على تناول ما كان متصفا من الأعداد بصفة الاثنينية وإن كان في غاية الكثرة البالغة إلى ما فوق الألوف ، فإنك تقول : جاءني القوم [ ص: 179 ] مثنى : أي اثنين اثنين ، وهكذا ثلاث ورباع ، وهذا معلوم في لغة العرب لا يشك فيه أحد ، فالآية المذكورة تدل بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوج من النساء اثنتين اثنتين ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا ، وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى من العدد إلا بعد مفارقته للطائفة التي قبلها فإنه لا شك أنه يصح لغة وعرفا أن يقول الرجل لألف رجل عنده : جاءني هؤلاء اثنين اثنين ، أو ثلاثة ثلاثة ، أو أربعة أربعة فحينئذ الآية تدل على إباحة الزواج بعدد من النساء كثير سواء كانت الواو للجمع أو للتخيير ; لأن خطاب الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكل واحد منهم ، فكأن الله سبحانه قال لكل فرد من الناس : انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، ومع هذا فالبراءة الأصلية مستصحبة ، وهي بمجردها كافية في الحل حتى يوجد ناقل صحيح ينقل عنها

                                                                                                                                            وقد يجاب بأن مجموع الأحاديث المذكورة في الباب لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره فتنتهض بمجموعها للاحتجاج وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال ويؤيد ذلك كون الأصل في الفروج الحرمة كما صرح به الخطابي فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا بدليل وأيضا هذا الخلاف مسبوق بالإجماع على عدم جواز الزيادة على الأربع كما صرح بذلك في البحر وقال في الفتح : اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن قوله : ( ينكح العبد امرأتين ) قد تمسك بهذا من قال : إنه لا يجوز لعبد أن يتزوج فوق اثنتين ، وهو مروي عن علي وزيد بن علي والناصر والحنفية والشافعية ولا يخفى أن قول الصحابي لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته ، نعم لو صح إجماع الصحابة على ذلك كما أسلفنا لكان دليلا عند القائلين بحجية الإجماع

                                                                                                                                            ولكنه قد روي عن أبي الدرداء ومجاهد وربيعة وأبي ثور والقاسم بن محمد وسالم والقاسمية أنه يجوز له أن ينكح أربعا كالحر ، حكى ذلك عنهم صاحب البحر ، فالأولى الجزم بدخوله تحت قوله تعالى: { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } والحكم له وعليه بما للأحرار وعليهم ، إلا أن يقوم دليل يقتضي المخالفة كما في المواضع المعروفة بالتخالف بين حكميهما قوله : ( ويطلق تطليقتين ) سيأتي الكلام على هذا في باب ما جاء في طلاق العبد ، وكذلك يأتي الكلام على عدة الأمة قوله : ( تسع نسوة ) هن : " عائشة وسودة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وصفية وجويرية وأم حبيبة وميمونة " هؤلاء الزوجات اللاتي مات عنهن

                                                                                                                                            واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية ، وهل ماتت في حياته أو بعده ؟ ودخل أيضا بخديجة ولم يتزوج عليها حتى ماتت ، وبزينب أم المساكين وماتت في حياته قبل أن يتزوج صفية ، ومن بعدها ، قال الحافظ في التلخيص : وأما حديث أنس { أنه تزوج خمس عشرة امرأة ودخل منهن بإحدى عشرة ومات عن تسع } فقد [ ص: 180 ] قواه الضياء في المختارة قال : وأما من عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يعقد عليها فضبطنا منهن نحوا من ثلاثين امرأة ، وقد حررت ذلك في كتابي في الصحابة

                                                                                                                                            وقد ذكر الحافظ في الفتح والتلخيص الحكمة في تكثير نسائه صلى الله عليه وسلم فليراجع ذلك




                                                                                                                                            الخدمات العلمية