الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المسألة الثانية

[ القراءة في صلاة الكسوف ]

واختلفوا في القراءة فيها ، فذهب مالك والشافعي إلى أن القراءة فيها سر . وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وإسحاق بن راهويه : يجهر بالقراءة فيها .

[ ص: 178 ] والسبب في اختلافهم : اختلاف الآثار في ذلك بمفهومها وبصيغها ، وذلك أن مفهوم حديث ابن عباس الثابت أنه قرأ سرا لقوله فيه عنه - عليه الصلاة والسلام - : " فقام قياما نحوا من سورة البقرة " . وقد روي هذا المعنى نصا عنه أنه قال : " قمت إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما سمعت منه حرفا " . وقد روي أيضا من طريق ابن إسحاق عن عائشة في صلاة الكسوف أنها قالت : " تحريت قراءته فحزرت أنه قرأ سورة البقرة " . فمن رجح هذه الأحاديث قال : القراءة فيها سر ، ولمكان ما جاء في هذه الآثار استحب مالك والشافعي أن يقرأ في الأولى : البقرة ، وفي الثانية : آل عمران ، وفي الثالثة : بقدر مائة وخمسين آية من البقرة ، وفي الرابعة : بقدر خمسين آية من البقرة ، وفي كل واحدة أم القرآن . ورجحوا أيضا مذهبهم هذا بما روي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " صلاة النهار عجماء " . ووردت هاهنا أيضا أحاديث مخالفة لهذه ، فمنها أنه روى : " أنه - عليه الصلاة والسلام - قرأ في إحدى الركعتين في صلاة الكسوف بالنجم " . ومفهوم هذا أنه جهر ، وكان أحمد وإسحاق يحتجان لهذا المذهب بحديث سفيان بن الحسن عن الزهري عن عروة عن عائشة : " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - جهر بالقراءة في كسوف الشمس " . قال أبو عمر : سفيان بن الحسن ليس بالقوي ، وقال : وقد تابعه على ذلك عن الزهري عن عبد الرحمن بن سليمان ابن كثير ، وكلهم ليس في حديث الزهري ، مع أن حديث ابن إسحاق المتقدم عن عائشة يعارضه .

واحتج هؤلاء أيضا لمذهبهم بالقياس الشبهي ، فقالوا : صلاة سنة تفعل في جماعة نهارا ، فوجب أن يجهر فيها أصله العيدان والاستسقاء ، وخير في ذلك كله الطبري ، وهي طريقة الجمع ، وقد قلنا إنها أولى من طريقة الترجيح إذا أمكنت ، ولا خلاف في هذا أعلمه بين الأصوليين

التالي السابق


الخدمات العلمية