قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين فيه عشر مسائل :
الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28987قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66وإن لكم في الأنعام لعبرة قد تقدم القول في الأنعام ، وهي هنا الأصناف الأربعة : الإبل والبقر والضأن والمعز . لعبرة أي دلالة على قدرة الله ووحدانيته وعظمته . والعبرة أصلها تمثيل الشيء بالشيء لتعرف حقيقته من طريق المشاكلة ، ومنه فاعتبروا . وقال
أبو بكر الوراق : العبرة في الأنعام تسخيرها لأربابها وطاعتها لهم ، وتمردك على ربك وخلافك له في كل شيء . ومن أعظم العبر بريء يحمل مذنبا .
الثانية : قوله تعالى : نسقيكم قراءة
أهل المدينة وابن عامر وعاصم في رواية
أبي بكر [ ص: 111 ] ( بفتح النون ) من سقى يسقي . وقرأ الباقون
وحفص عن
عاصم بضم النون من أسقى يسقي ، وهي قراءة
الكوفيين وأهل مكة . قيل : هما لغتان . وقال
لبيد :
سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال
وقيل : يقال لما كان من يدك إلى فيه سقيته ، فإذا جعلت له شرابا أو عرضته لأن يشرب بفيه أو يزرعه قلت أسقيته ; قال
ابن عزيز ، وقد تقدم . وقرأت فرقة " تسقيكم " بالتاء ، وهي ضعيفة ، يعني الأنعام . وقرئ بالياء ، أي يسقيكم الله - عز وجل - . والقراء على القراءتين المتقدمتين ; ففتح النون لغة
قريش وضمها لغة
حمير .
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66مما في بطونه اختلف الناس في الضمير من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66مما في بطونه على ماذا يعود . فقيل : هو عائد إلى ما قبله وهو جمع المؤنث . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : العرب تخبر عن الأنعام بخبر الواحد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وما أراه عول عليه إلا من هذه الآية ، وهذا لا يشبه منصبه ولا يليق بإدراكه . وقيل : لما كان لفظ الجمع وهو اسم الجنس يذكر ويؤنث فيقال : هو الأنعام وهي الأنعام ، جاز عود الضمير بالتذكير ; وقال
الزجاج ، وقال
الكسائي : معناه مما في بطون ما ذكرناه ، فهو عائد على المذكور ; وقد قال الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=11إنها تذكرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=55فمن شاء ذكره وقال الشاعر :
مثل الفراخ نتفت حواصله
ومثله كثير . وقال
الكسائي :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66مما في بطونه أي مما في بطون بعضه ; إذ الذكور لا ألبان لها ، وهو الذي عول عليه
أبو عبيدة . وقال
الفراء : الأنعام والنعم واحد ، والنعم يذكر ، ولهذا تقول العرب : هذا نعم وارد ، فرجع الضمير إلى لفظ النعم الذي هو بمعنى الأنعام . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : إنما رجع التذكير إلى معنى الجمع ، والتأنيث إلى معنى الجماعة ، فذكره هنا باعتبار لفظ الجمع ، وأنثه في سورة المؤمنين باعتبار لفظ الجماعة فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=21نسقيكم مما في بطونها وبهذا التأويل ينتظم المعنى انتظاما حسنا . والتأنيث باعتبار لفظ الجماعة والتذكير باعتبار لفظ الجمع أكثر من رمل يبرين وتيهاء
فلسطين .
الرابعة : استنبط بعض العلماء الجلة وهو
القاضي إسماعيل من عود هذا الضمير ، أن
nindex.php?page=treesubj&link=12913لبن [ ص: 112 ] الفحل يفيد التحريم ، وقال : إنما جيء به مذكرا لأنه راجع إلى ذكر النعم ; لأن اللبن للذكر محسوب ، ولذلك
قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن لبن الفحل يحرم حين أنكرته عائشة في حديث أفلح أخي أبي القعيس
( فللمرأة السقي وللرجل اللقاح ) فجرى الاشتراك فيه بينهما . وقد مضى القول في تحريم لبن الفحل في " النساء " والحمد لله
الخامسة :
nindex.php?page=treesubj&link=32285قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66من بين فرث ودم لبنا خالصا نبه سبحانه على عظيم قدرته بخروج اللبن خالصا بين الفرث والدم . والفرث : الزبل الذي ينزل إلى الكرش ، فإذا خرج لم يسم فرثا . يقال : أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها . والمعنى : أن الطعام يكون فيه ما في الكرش ويكون منه الدم ، ثم يخلص اللبن من الدم ; فأعلم الله سبحانه أن هذا اللبن يخرج من بين ذلك وبين الدم في العروق . وقال
ابن عباس : إن الدابة تأكل العلف فإذا استقر في كرشها طبخته فكان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما ، والكبد مسلط على هذه الأصناف فتقسم الدم وتميزه وتجريه في العروق ، وتجري اللبن في الضرع ويبقى الفرث كما هو في الكرش ; حكمة بالغة فما تغن النذر . خالصا يريد من حمرة الدم وقذارة الفرث وقد جمعهما وعاء واحد . وقال
ابن بحر : خالصا بياضه . قال
النابغة :
بخالصة الأردان خضر المناكب
أي بيض الأكمام . وهذه قدرة لا تنبغي إلا للقائم على كل شيء بالمصلحة .
السادسة : قال
النقاش : في هذا دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=25294المني ليس بنجس . وقاله أيضا غيره واحتج بأن قال : كما يخرج اللبن من بين الفرث والدم سائغا خالصا كذلك يجوز أن يخرج المني على مخرج البول طاهرا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : إن هذا لجهل عظيم وأخذ شنيع . اللبن جاء الخبر عنه مجيء النعمة والمنة الصادرة عن القدرة ليكون عبرة ، فاقتضى ذلك كله وصف الخلوص واللذة ; وليس المني من هذه الحالة حتى يكون ملحقا به أو مقيسا عليه .
قلت : قد يعارض هذا بأن يقال : وأي منة أعظم وأرفع من خروج المني الذي يكون عنه
[ ص: 113 ] الإنسان المكرم ; وقد قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=7يخرج من بين الصلب والترائب ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة وهذا غاية في الامتنان . فإن قيل : إنه يتنجس بخروجه في مجرى البول ، قلنا : هو ما أردناه ، فالنجاسة عارضة وأصله طاهر ; وقد قيل : إن مخرجه غير مخرج البول وخاصة المرأة ; فإن مدخل الذكر منها ومخرج الولد غير مخرج البول على ما قاله العلماء . وقد تقدم فإن قيل : أصله دم فهو نجس ، قلنا ينتقض بالمسك ، فإن أصله دم وهو طاهر . وممن قال بطهارته
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وغيرهم ; لحديث
عائشة - رضي الله عنها - قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835421كنت أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يابسا بظفري . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فإن لم يفرك فلا بأس به . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص يفرك المني من ثوبه . وقال
ابن عباس : هو كالنخامة أمطه عنك بإذخرة وامسحه بخرقة . فإن قيل : فقد ثبت عن
عائشة أنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835422كنت أغسل المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه . قلنا : يحتمل أن تكون غسلته استقذارا كالأشياء التي تزال من الثوب كالنجاسة ، ويكون هذا جمعا بين الأحاديث . والله أعلم . وقال
مالك وأصحابه
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : هو نجس . قال
مالك :
nindex.php?page=treesubj&link=32567غسل الاحتلام من الثوب أمر واجب مجتمع عليه عندنا ، وهو قول
الكوفيين . ويروى عن
عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=98وجابر بن سمرة أنهم غسلوه من ثيابهم . واختلف فيه عن
ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة . وعلى هذين القولين في
nindex.php?page=treesubj&link=25294نجاسة المني وطهارته التابعون .
السابعة : في هذه الآية دليل على جواز الانتفاع بالألبان من الشرب وغيره ، فأما
nindex.php?page=treesubj&link=26406لبن الميتة فلا يجوز الانتفاع به ; لأنه مائع طاهر حصل في وعاء نجس ، وذلك أن ضرع الميتة نجس واللبن طاهر فإذا حلب صار مأخوذا من وعاء نجس . فأما
nindex.php?page=treesubj&link=25291لبن المرأة الميتة فاختلف أصحابنا فيه ، فمن قال : إن الإنسان طاهر حيا وميتا فهو طاهر . ومن قال : ينجس بالموت فهو نجس . وعلى القولين جميعا تثبت الحرمة ; لأن الصبي قد يغتذي به كما يغتذي من الحية ،
[ ص: 114 ] وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835423الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم . ولم يخص . وقد مضى في " النساء "
الثامنة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66سائغا للشاربين أي لذيذا هينا لا يغص به من شربه . يقال : ساغ الشراب يسوغ سوغا أي سهل مدخله في الحلق ، وأساغه شاربه ، وسغته أنا أسيغه وأسوغه ، يتعدى ، والأجود أسغته إساغة . يقال : أسغ لي غصتي أي أمهلني ولا تعجلني ; وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=17يتجرعه ولا يكاد يسيغه . والسواغ - بكسر السين - ما أسغت به غصتك . يقال : الماء سواغ الغصص ; ومنه قول
الكميت :
فكانت سواغا أن جئزت بغصة
وروي أن اللبن لم يشرق به أحد قط ، وروي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
التاسعة : في هذه الآية دليل على
nindex.php?page=treesubj&link=24625استعمال الحلاوة والأطعمة اللذيذة وتناولها ، ولا يقال : إن ذلك يناقض الزهد أو يباعده ، لكن إذا كان من وجهه ومن غير سرف ولا إكثار . وقد تقدم هذا المعنى في " المائدة " وغيرها وفي الصحيح عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835424لقد سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدحي هذا الشراب كله : العسل والنبيذ واللبن والماء . وقد كره بعض القراء
nindex.php?page=treesubj&link=24625أكل الفالوذج واللبن من الطعام ، وأباحه عامة العلماء . وروي عن
الحسن أنه كان على مائدة ومعه
مالك بن دينار ، فأتي بفالوذج فامتنع عن أكله ، فقال له
الحسن : كل فإن عليك في الماء البارد أكثر من هذا .
العاشرة : روى
أبو داود وغيره عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835425أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلبن فشرب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه . وإذا سقي لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزي عن الطعام والشراب إلا اللبن . قال
[ ص: 115 ] علماؤنا : فكيف لا يكون ذلك وهو أول ما يغتذي به الإنسان وتنمى به الجثث والأبدان ، فهو قوت خلي عن المفاسد به قوام الأجسام ، وقد جعله الله - تعالى - علامة
لجبريل على هداية هذه الأمة التي هي خير الأمم أمة ; فقال في الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839578فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال لي جبريل اخترت الفطرة أما إنك لو اخترت الخمر غوت أمتك . ثم إن في الدعاء بالزيادة منه علامة الخصب وظهور الخيرات والبركات ; فهو مبارك كله .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ فِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28987قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْأَنْعَامِ ، وَهِيَ هُنَا الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ : الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ . لَعِبْرَةً أَيْ دَلَالَةً عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ . وَالْعِبْرَةُ أَصْلُهَا تَمْثِيلُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لِتُعْرَفَ حَقِيقَتُهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ ، وَمِنْهُ فَاعْتَبِرُوا . وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ : الْعِبْرَةُ فِي الْأَنْعَامِ تَسْخِيرُهَا لِأَرْبَابِهَا وَطَاعَتُهَا لَهُمْ ، وَتَمَرُّدُكَ عَلَى رَبِّكَ وَخِلَافُكَ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ . وَمِنْ أَعْظَمِ الْعِبَرِ بَرِيءٌ يَحْمِلُ مُذْنِبًا .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : نُسْقِيكُمْ قِرَاءَةُ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَابْنِ عَامِرٍ وَعَاصِمٍ فِي رِوَايَةِ
أَبِي بَكْرٍ [ ص: 111 ] ( بِفَتْحِ النُّونِ ) مِنْ سَقَى يَسْقِي . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ بِضَمِّ النُّونِ مِنْ أَسْقَى يُسْقِي ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
الْكُوفِيِّينَ وَأَهْلِ مَكَّةَ . قِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ . وَقَالَ
لَبِيَدٌ :
سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى نُمَيْرًا وَالْقَبَائِلَ مِنْ هِلَالِ
وَقِيلَ : يُقَالُ لِمَا كَانَ مِنْ يَدِكَ إِلَى فِيهِ سَقَيْتَهُ ، فَإِذَا جَعَلْتَ لَهُ شَرَابًا أَوْ عَرَضْتَهُ لِأَنْ يَشْرَبَ بِفِيهِ أَوْ يَزْرَعَهُ قُلْتَ أَسْقَيْتُهُ ; قَالَ
ابْنُ عُزَيْزٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ " تُسْقِيكُمْ " بِالتَّاءِ ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ ، يَعْنِي الْأَنْعَامَ . وَقُرِئَ بِالْيَاءِ ، أَيْ يَسْقِيكُمُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - . وَالْقُرَّاءُ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ ; فَفَتْحُ النُّونِ لُغَةُ
قُرَيْشٍ وَضَمُّهَا لُغَةُ
حِمْيَرَ .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66مِمَّا فِي بُطُونِهِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الضَّمِيرِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66مِمَّا فِي بُطُونِهِ عَلَى مَاذَا يَعُودُ . فَقِيلَ : هُوَ عَائِدٌ إِلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ جَمْعُ الْمُؤَنَّثِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : الْعَرَبُ تُخْبِرُ عَنِ الْأَنْعَامِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَمَا أَرَاهُ عَوَّلَ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَهَذَا لَا يُشْبِهُ مَنْصِبَهُ وَلَا يَلِيقُ بِإِدْرَاكِهِ . وَقِيلَ : لَمَّا كَانَ لَفْظُ الْجَمْعِ وَهُوَ اسْمُ الْجِنْسِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَيُقَالُ : هُوَ الْأَنْعَامُ وَهِيَ الْأَنْعَامُ ، جَازَ عَوْدُ الضَّمِيرِ بِالتَّذْكِيرِ ; وَقَالَ
الزَّجَّاجُ ، وَقَالَ
الْكِسَائِيُّ : مَعْنَاهُ مِمَّا فِي بُطُونِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَهُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمَذْكُورِ ; وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=11إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=55فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَقَالَ الشَّاعِرُ :
مِثْلَ الْفِرَاخِ نُتِفَتْ حَوَاصِلُهُ
وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ . وَقَالَ
الْكِسَائِيُّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66مِمَّا فِي بُطُونِهِ أَيْ مِمَّا فِي بُطُونِ بَعْضِهِ ; إِذِ الذُّكُورُ لَا أَلْبَانَ لَهَا ، وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ
أَبُو عُبَيْدَةَ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : الْأَنْعَامُ وَالنَّعَمُ وَاحِدٌ ، وَالنَّعَمُ يُذَكَّرُ ، وَلِهَذَا تَقُولُ الْعَرَبُ : هَذَا نَعَمٌ وَارِدٌ ، فَرَجَعَ الضَّمِيرُ إِلَى لَفْظِ النَّعَمِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْأَنْعَامِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : إِنَّمَا رَجَعَ التَّذْكِيرُ إِلَى مَعْنَى الْجَمْعِ ، وَالتَّأْنِيثُ إِلَى مَعْنَى الْجَمَاعَةِ ، فَذَكَرَهُ هُنَا بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الْجَمْعِ ، وَأَنَّثَهُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الْجَمَاعَةِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=21نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ يَنْتَظِمُ الْمَعْنَى انْتِظَامًا حَسَنًا . وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الْجَمَاعَةِ وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الْجَمْعِ أَكْثَرَ مِنْ رَمْلَ يَبْرِينَ وَتَيْهَاءَ
فِلَسْطِينَ .
الرَّابِعَةُ : اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْجِلَّةِ وَهُوَ
الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ مِنْ عَوْدِ هَذَا الضَّمِيرِ ، أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12913لَبَنَ [ ص: 112 ] الْفَحْلِ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ ، وَقَالَ : إِنَّمَا جِيءَ بِهِ مُذَكَّرًا لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى ذِكْرِ النَّعَمِ ; لِأَنَّ اللَّبَنَ لِلذَّكَرِ مَحْسُوبٌ ، وَلِذَلِكَ
قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ حِينَ أَنْكَرَتْهُ عَائِشَةُ فِي حَدِيثِ أَفْلَحَ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ
( فَلِلْمَرْأَةِ السَّقْيُ وَلِلرَّجُلِ اللِّقَاحُ ) فَجَرَى الِاشْتِرَاكُ فِيهِ بَيْنَهُمَا . وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي تَحْرِيمِ لَبَنِ الْفَحْلِ فِي " النِّسَاءِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=32285قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا نَبَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ بِخُرُوجِ اللَّبَنِ خَالِصًا بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ . وَالْفَرْثُ : الزِّبْلُ الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى الْكَرِشِ ، فَإِذَا خَرَجَ لَمْ يُسَمَّ فَرْثًا . يُقَالُ : أَفْرَثْتُ الْكَرِشَ إِذَا أَخْرَجْتُ مَا فِيهَا . وَالْمَعْنَى : أَنَّ الطَّعَامَ يَكُونُ فِيهِ مَا فِي الْكَرِشِ وَيَكُونُ مِنْهُ الدَّمُ ، ثُمَّ يُخَلَّصُ اللَّبَنُ مِنَ الدَّمِ ; فَأَعْلَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذَا اللَّبَنَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ذَلِكَ وَبَيْنَ الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّ الدَّابَّةَ تَأْكُلُ الْعَلَفَ فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي كِرْشِهَا طَبَخَتْهُ فَكَانَ أَسْفَلُهُ فَرْثًا وَأَوْسَطُهُ لَبَنًا وَأَعْلَاهُ دَمًا ، وَالْكَبِدُ مُسَلَّطٌ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ فَتَقْسِمُ الدَّمَ وَتُمَيِّزهُ وَتُجْرِيهِ فِي الْعُرُوقِ ، وَتُجْرِيَ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ وَيَبْقَى الْفَرْثُ كَمَا هُوَ فِي الْكِرْشِ ; حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ . خَالِصًا يُرِيدُ مِنْ حُمْرَةِ الدَّمِ وَقَذَارَةِ الْفَرْثِ وَقَدْ جَمَعَهُمَا وِعَاءٌ وَاحِدٌ . وَقَالَ
ابْنُ بَحْرٍ : خَالِصًا بَيَاضُهُ . قَالَ
النَّابِغَةُ :
بِخَالِصَةِ الْأَرْدَانِ خُضْرِ الْمَنَاكِبِ
أَيْ بِيضُ الْأَكْمَامِ . وَهَذِهِ قُدْرَةٌ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِلْقَائِمِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِالْمَصْلَحَةِ .
السَّادِسَةُ : قَالَ
النَّقَّاشُ : فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25294الْمَنِيَّ لَيْسَ بِنَجِسٍ . وَقَالَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَاحْتَجَّ بِأَنْ قَالَ : كَمَا يَخْرُجُ اللَّبَنُ مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ سَائِغًا خَالِصًا كَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ الْمَنِيُّ عَلَى مَخْرَجِ الْبَوْلِ طَاهِرًا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : إِنَّ هَذَا لَجَهْلٌ عَظِيمٌ وَأَخْذٌ شَنِيعٌ . اللَّبَنُ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْهُ مَجِيءَ النِّعْمَةِ وَالْمِنَّةِ الصَّادِرَةِ عَنِ الْقُدْرَةِ لِيَكُونَ عِبْرَةً ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ كُلُّهُ وَصْفَ الْخُلُوصِ وَاللَّذَّةِ ; وَلَيْسَ الْمَنِيُّ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى يَكُونَ مُلْحَقًا بِهِ أَوْ مَقِيسًا عَلَيْهِ .
قُلْتُ : قَدْ يُعَارَضُ هَذَا بِأَنْ يُقَالَ : وَأَيُّ مِنَّةٍ أَعْظَمُ وَأَرْفَعُ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ الَّذِي يَكُونُ عَنْهُ
[ ص: 113 ] الْإِنْسَانُ الْمُكَرَّمُ ; وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=7يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَهَذَا غَايَةٌ فِي الِامْتِنَانِ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِخُرُوجِهِ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ ، قُلْنَا : هُوَ مَا أَرَدْنَاهُ ، فَالنَّجَاسَةُ عَارِضَةٌ وَأَصْلُهُ طَاهِرٌ ; وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَخْرَجَهُ غَيْرُ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَخَاصَّةً الْمَرْأَةَ ; فَإِنَّ مَدْخَلَ الذَّكَرِ مِنْهَا وَمَخْرَجَ الْوَلَدِ غَيْرُ مَخْرَجِ الْبَوْلِ عَلَى مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فَإِنْ قِيلَ : أَصْلُهُ دَمٌ فَهُوَ نَجِسٌ ، قُلْنَا يَنْتَقِضُ بِالْمِسْكِ ، فَإِنَّ أَصْلَهُ دَمٌ وَهُوَ طَاهِرٌ . وَمِمَّنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ ; لِحَدِيثِ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835421كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَابِسًا بِظُفُرِي . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ لَمْ يُفْرَكْ فَلَا بَأْسَ بِهِ . وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ كَالنُّخَامَةِ أَمِطْهُ عَنْكَ بِإِذْخِرَةٍ وَامْسَحْهُ بِخِرْقَةٍ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835422كُنْتُ أَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ . قُلْنَا : يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَسَلَتْهُ اسْتِقْذَارًا كَالْأَشْيَاءِ الَّتِي تُزَالُ مِنَ الثَّوْبِ كَالنَّجَاسَةِ ، وَيَكُونُ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَالَ
مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ : هُوَ نَجِسٌ . قَالَ
مَالِكٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=32567غَسْلُ الِاحْتِلَامِ مِنَ الثَّوْبِ أَمْرٌ وَاجِبٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا ، وَهُوَ قَوْلُ
الْكُوفِيِّينَ . وَيُرْوَى عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=98وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُمْ غَسَلُوهُ مِنْ ثِيَابِهِمْ . وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةَ . وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25294نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ وَطَهَارَتِهِ التَّابِعُونَ .
السَّابِعَةُ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَلْبَانِ مِنَ الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ ، فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=26406لَبَنُ الْمَيْتَةِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ; لِأَنَّهُ مَائِعٌ طَاهِرٌ حَصَلَ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ ضَرْعَ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ وَاللَّبَنَ طَاهِرٌ فَإِذَا حُلِبَ صَارَ مَأْخُوذًا مِنْ وِعَاءٍ نَجِسٍ . فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=25291لَبَنُ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ ، فَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْإِنْسَانَ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا فَهُوَ طَاهِرٌ . وَمَنْ قَالَ : يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ فَهُوَ نَجِسٌ . وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ ; لِأَنَّ الصَّبِيَّ قَدْ يَغْتَذِي بِهِ كَمَا يَغْتَذِي مِنَ الْحَيَّةِ ،
[ ص: 114 ] وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835423الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ . وَلَمْ يَخُصَّ . وَقَدْ مَضَى فِي " النِّسَاءِ "
الثَّامِنَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ أَيْ لَذِيذًا هَيِّنًا لَا يُغَصُّ بِهِ مَنْ شَرِبَهُ . يُقَالُ : سَاغَ الشَّرَابُ يَسُوغُ سَوْغًا أَيْ سَهُلَ مَدْخَلُهُ فِي الْحَلْقِ ، وَأَسَاغَهُ شَارَبُهُ ، وَسُغْتُهُ أَنَا أُسِيغُهُ وَأَسُوغُهُ ، يَتَعَدَّى ، وَالْأَجْوَدُ أَسَغْتُهُ إِسَاغَةً . يُقَالُ : أَسِغْ لِي غُصَّتِي أَيْ أَمْهِلْنِي وَلَا تُعْجِلْنِي ; وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=17يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ . وَالسِّوَاغُ - بِكَسْرِ السِّينِ - مَا أَسَغْتَ بِهِ غُصَّتَكَ . يُقَالُ : الْمَاءُ سِوَاغُ الْغُصَصِ ; وَمِنْهُ قَوْلُ
الْكُمَيْتِ :
فَكَانَتْ سِوَاغًا أَنْ جَئِزْتُ بِغُصَّةٍ
وَرُوِيَ أَنَّ اللَّبَنَ لَمْ يَشْرَقْ بِهِ أَحَدٌ قَطُّ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
التَّاسِعَةُ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=24625اسْتِعْمَالِ الْحَلَاوَةِ وَالْأَطْعِمَةِ اللَّذِيذَةِ وَتَنَاوُلِهَا ، وَلَا يُقَالُ : إِنَّ ذَلِكَ يُنَاقِضُ الزُّهْدَ أَوْ يُبَاعِدُهُ ، لَكِنْ إِذَا كَانَ مِنْ وَجْهِهِ وَمِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا إِكْثَارٍ . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْمَائِدَةِ " وَغَيْرِهَا وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835424لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَدَحِي هَذَا الشَّرَابَ كُلَّهُ : الْعَسَلَ وَالنَّبِيذَ وَاللَّبَنَ وَالْمَاءَ . وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=24625أَكْلَ الْفَالُوذَجِ وَاللَّبَنَ مِنَ الطَّعَامِ ، وَأَبَاحَهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ . وَرُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى مَائِدَةٍ وَمَعَهُ
مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ ، فَأُتِيَ بِفَالُوذَجٍ فَامْتَنَعَ عَنْ أَكْلِهِ ، فَقَالَ لَهُ
الْحَسَنُ : كُلْ فَإِنَّ عَلَيْكَ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا .
الْعَاشِرَةُ : رَوَى
أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835425أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَبَنٍ فَشَرِبَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ . وَإِذَا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يَجْزِي عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنَ . قَالَ
[ ص: 115 ] عُلَمَاؤُنَا : فَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَغْتَذِي بِهِ الْإِنْسَانُ وَتَنْمَى بِهِ الْجُثَثُ وَالْأَبْدَانُ ، فَهُوَ قُوتٌ خَلِيٌّ عَنِ الْمَفَاسِدِ بِهِ قِوَامُ الْأَجْسَامِ ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَامَةً
لِجِبْرِيلَ عَلَى هِدَايَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ أُمَّةً ; فَقَالَ فِي الصَّحِيحِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839578فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ أَمَا إِنَّكَ لَوِ اخْتَرْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ . ثُمَّ إِنَّ فِي الدُّعَاءِ بِالزِّيَادَةِ مِنْهُ عَلَامَةَ الْخِصْبِ وَظُهُورِ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ ; فَهُوَ مُبَارَكٌ كُلُّهُ .