الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيه :

                                                                                                                                                                                                                              استشكلت هذه الأحاديث

                                                                                                                                                                                                                              بما في الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : لما مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فخرج أبو بكر يصلي فوجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفة ، فخرج يهادى بين رجلين ، كأني أنظر إلى رجليه تخطان الأرض من الوجع ، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه أن مكانك ، ثم أتى إلى أن جلس إلى جنبه ، فقيل للأعمش ، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته ، والناس بصلاة أبي بكر فقال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                              وعلم عن جابر نحوه ، وفيه أن أبا بكر كان مأموما والنبي- صلى الله عليه وسلم- هو الإمام ، وفيه وأبو بكر يسمع الناس تكبيره .

                                                                                                                                                                                                                              والجواب أن هذه الأحاديث المختلفة ، قد جمع بينها ابن حبان ، والبيهقي ، وابن حزم ، فقال ابن حبان : نحن نقول بمشيئة الله وتوفيقه ، إن هذه الأخبار كلها صحاح ، وليس شيء منها معارض الآخر ، ولكن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى في صلاته صلاتين في المسجد جماعة لا صلاة واحدة ، وإحداها كان مأموما ، وفي الأخرى كان إماما .

                                                                                                                                                                                                                              قال : والدليل على أنها كانت صلاتين لا صلاة واحدة ، أن في خبر عبيد الله بن عبد الله عن عائشة : أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خرج بين رجلين ، يريد بأحدهما العباس ، والآخر عليا . [ ص: 196 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفي خبر مسروق عن عائشة : أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خرج بين رجلين قال : فهذا يدلك على أنها كانت صلاتين ، لا صلاة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال البيهقي- رحمه الله تعالى- في «المعرفة» : والذي نعرفه بالاستدلال بسائر الأخبار أن الصلاة التي صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خلف أبي بكر هي صلاة الصبح يوم الاثنين ، وهي آخر صلاة صلاها حتى مضى لسبيله ، وهي غير الصلاة التي صلاها أبو بكر خلفه ، قال ولا يخالف هذا ما ثبت عن أنس في صلاتهم يوم الاثنين وكشف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ستر الحجرة ونظره إليهم وهم صفوف في الصلاة ، وأمره إياهم بإتمامها وإرخائه الستر ، فإن ذلك إنما كان في الركعة الأولى ، ثم إنه وجد في نفسه خفة فخرج فأدرك معه الركعة الثانية ، وقال : والذي يدلك على ذلك ما ذكره موسى بن عقبة في المغازي وذكره أبو الأسود عن عروة : «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أقلع عنه الوعك ليلة الاثنين ، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس وغلام له وقد سجد الناس مع أبي بكر في صلاة الصبح وهو قائم في الأخرى ، فتخلص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى قام إلى جنب أبي بكر فاستأخر أبو بكر ، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثوبه فقدمه في مصلاه ، فصفا جميعا ، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس وأبو بكر قائم يقرأ القرآن فلما قضى أبو بكر قراءته قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فركع معه الركعة الأخيرة ، ثم جلس أبو بكر حين قضى سجوده يتشهد ، والناس جلوس ، فلما سلم أتم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الركعة الأخيرة ، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد ، فذكر قصة دعائه أسامة بن زيد ، وعهده إليه فيما بعثه فيه ، ثم في وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم رواه بإسناده إلى ابن شهاب وعروة» .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : فالصلاة التي صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو مأموم صلاة الظهر ، وهي التي خرج فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين الفضل بن عباس ، وغلام له .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وفي ذلك جمع بين الأخبار التي وردت في هذا الباب .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حزم- رحمه الله تعالى- أيضا إنهما صلاتان متغايرتان بلا شك ، إحداهما التي رواها الأسود عن عائشة ، وعبد الله عنها وعن ابن عباس صفتها أنه- صلى الله عليه وسلم- أم الناس والناس خلفه ، وأبو بكر عن يمينه في موقف المأموم ، يسمع الناس تكبيره .

                                                                                                                                                                                                                              والصلاة الثانية التي رواها مسروق ، وعبيد الله عن عائشة ، وحميد عن أنس صفتها أنه- صلى الله عليه وسلم- كان خلف أبي بكر في الصف مع الناس ، فارتفع الإشكال جملة ، قال : وليست صلاة واحدة في الدهر فيحمل ذلك على التعارض ، بل في كل يوم خمس صلوات ، ومرضه- صلى الله عليه وسلم- كان مدة اثني عشر يوما ، فيه ستون صلاة أو نحو ذلك انتهى والله تعالى أعلم . [ ص: 197 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية