الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني في بيان كيفيات صلاته- صلى الله عليه وسلم- لصلاة الخوف . على سبيل التفصيل

                                                                                                                                                                                                                              قال الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي الشافعي- رحمه الله تعالى- : قد جمعت طرق الأحاديث الواردة في صلاة الخوف فبلغت سبعة عشر وجها ، وفي بعضها والعدو بينه وبين القبلة وهي أكثر أحاديث الباب .

                                                                                                                                                                                                                              وفي بعضها كان العدو في غير القبلة وذلك في خمسة أحاديث : في حديث ابن عمر ، وبعض طرق حديث سهل بن أبي حثمة ، وفي حديث جابر من رواية الحسن عنه ، وفي حديث أبي هريرة من رواية مروان بن الحكم عنه ، وفي حديث ابن مسعود ، وها أنا مورد ما ذكره منقحا له :

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الأول :

                                                                                                                                                                                                                              روى الخمسة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : «غزوت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل نجد فوازينا العدو ، فصاففنا لهم ، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي لنا فقامت طائفة معه تصلي وأقبلت طائفة على العدو ، فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن معه ركعة وسجدتين ثم انصرفوا مكان أولئك الذين لم يصلوا ، وجاءت الطائفة التي لم تصل فركع بهم ركعة وسجدتين ، ثم سلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، فقام كل رجل من المسلمين فركع لنفسه ركعة وسجدتين» .

                                                                                                                                                                                                                              قال العراقي : وهكذا في حديث أبي موسى وليس في طرق حديث ابن عمر ولا حديث أبي موسى بيان لكيفية قضاء الطائفتين للركعة ، هل قضت كل فرقة ركعتها بعد سلام الإمام أو تقدمت بقضائها وحرست الأخرى ثم قضت الأخرى وحرس الآخرون .

                                                                                                                                                                                                                              وقد حكى فيه النووي خلافا فقال في «شرح مسلم» ثم قال : إن الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معا ، وقيل متفرقين قال : وهو الصحيح .

                                                                                                                                                                                                                              قال العراقي : وهذا ليس اختلافا في الرواية ، وإنما هو اختلاف لبعض العلماء ، وكأن النووي أخذه من القاضي فإنه قال «في الإكمال» : اختلف في تأويله . فقيل : قضوا معا ، وهو تأويل «أبي سهل» بن حبيب ، وعليه حمل قول أشهب : وقيل : قضوا «ركعتهم الباقية معا» وقيل [ ص: 245 ] متفرقين ، قال وهو الصحيح مثل حديث ابن مسعود وهو المنصوص لأشهب . انتهى ثم قال العراقي : وأما ما وقع في الرافعي وغيره من كتب الفقه :

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثاني :

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام الشافعي والخمسة عن مالك بن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف : أن طائفة صفت [معه] وطائفة وجاه العدو . فصلى بالذين معه ركعة ، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا ، فصفوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى بأصحابه في الخوف ، وصفهم خلفه صفين ، فصلى بالذين يلونه ركعة ، ثم قام فلم يزل قائما حتى صلى الذين معه ركعة ، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ثم قعد ، حتى صلى الذين تجاه القوم ركعة ثم سلم .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثالث :

                                                                                                                                                                                                                              روي عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة في حديث يزيد بن رومان عن صالح : إلا أن الطائفة الأولى إذا أتموا لأنفسهم ركعة سلموا ثم انصرفوا ، وإذا صلى الإمام بالطائفة الثانية سلم ، فيركعون لأنفسهم الركعة الثانية ، ثم يسلمون قال القاضي : وبهذا أخذ مالك والشافعي وأبو داود .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الرابع :

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم وأبو داود عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفهم خلفه صفين فصلى بالذين يلونه ركعة ، ثم قام فلم يزل قائما حتى صلى الذين خلفهم ركعة ثم تقدموا ، وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ثم قعد ثم صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلم جميعا زاد أبو داود : إن هذه الأولى إذا صلت ركعة وتقدمت لم تسلم . [ ص: 246 ]

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الخامس :

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان وغيرهما عن أبي سلمة عن جابر- رضي الله تعالى عنه قال : كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذات الرقاع وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ، وكان للنبي- صلى الله عليه وسلم- أربع ، وللقوم ركعتان .

                                                                                                                                                                                                                              قال العراقي ولم يذكر سلامه بعد الركعتين الأوليين .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه السادس :

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن الحسن عن أبي بكرة- واللفظ له ، «قال :

                                                                                                                                                                                                                              صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه ، وبعضهم بإزاء العدو ، فصلى ركعتين ثم سلم ، فانطلق الذين صلوا معه ، فوقفوا موقف أصحابهم ، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكانت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين» .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه السابع :

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم ، والنسائي عن عطاء ، ومسلم عن أبي الزبير كلاهما عن جابر رضي الله تعالى عنهما- قال : «شهدت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف ، فصفنا صفين ، صف خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة ، فكبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه ، وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السجود ، وقام الصف الذي يليه ، انحدر الصف المؤخر بالسجود ، وقاموا ، ثم تقدم الصف المؤخر ، وتأخر الصف المقدم فقام مقام أولئك ، فكبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكبرنا معه ، وركع فركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه ورفعنا جميعا ، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى ، وقام الصف [المؤخر في نحور العدو] فلما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعا» . [ ص: 247 ]

                                                                                                                                                                                                                              والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثامن :

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن حبان في صحيحه عن شرحبيل بن سعد عن جابر- رضي الله تعالى عنه- فذكر الحديث وقال فيه : فكبر وكبرت الطائفتان ، فركع وركعت الطائفة التي خلفه والأخرى قعود ، ثم سجد وسجدوا أيضا والآخرون قعود ثم قام فقاموا ونكصوا خلفهم حتى كانوا مكان أصحابهم قعدوا ، وأتت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة وسجدتين ثم سلم ، فقامت الطائفتان كلتاهما فصلوا لأنفسهم ركعة وسجدتين .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه التاسع :

                                                                                                                                                                                                                              روى النسائي وابن حبان عن يزيد الفقير عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى بهم صلاة الخوف فقام صف بين يديه وصف خلفه ، فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين ، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم ، وجاء أولئك فقاموا مقام هؤلاء ، فصلى بهم ركعة وسجدتين ثم سلم فكانت له ركعتان ولهم ركعة .

                                                                                                                                                                                                                              وهكذا في حديث الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم الحنظلي - رضي الله تعالى عنه- قال : «كنا عند سعيد بن العاصي بطبرستان فقال : أيكم صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف ؟ فقال حذيفة : أنا فصف الناس فقال : صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف بطائفة ركعة صف خلفه ، وطائفة أخرى بينه وبين العدو ، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك ، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا» .

                                                                                                                                                                                                                              فقام حذيفة فصف الناس خلفه فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ، ولم يقضوا ،
                                                                                                                                                                                                                              ورواه أبو داود مختصرا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال النسائي : في روايته بعد قول حذيفة : «أنا» فوصف فقال صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف بطائفة ركعة صفت خلفه ، وطائفة أخرى بينه وبين العدو ، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة . [ ص: 248 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية له : فقام حذيفة وصف الناس خلفه صفين فذكر صلاة حذيفة بهم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أنه كان بالدار من أصبهان وما بهم يومئذ كبير خوف ، ولكن أحب أن يعلمهم دينهم وسنة نبيهم- صلى الله عليه وسلم- فجعلهم صفين طائفة معها السلاح مقبلة على عدوها ، وطائفة من ورائها ، فصلى بالذين يلونه ركعة ثم نكصوا على أدبارهم حتى قاموا مقام الآخرين يتخللونهم حتى قاموا وراءه فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم فقام الذين يلونه والآخرون فصلوا ركعة ركعة ، ثم سلم بعضهم على بعض ، فتمت للإمام ركعتان وللناس ركعة ركعة والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه العاشر .

                                                                                                                                                                                                                              روى النسائي وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عنه : أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى بذي قرد فصف الناس خلفه صفين ، صفا خلفه وصفا موازي العدو ، فصلى بالذين خلفه ركعة ، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا .

                                                                                                                                                                                                                              وكذلك روياه أيضا عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- صف خلفه وصف بإزاء العدو ، وفي آخره فكان للنبي- صلى الله عليه وسلم- ركعتان ولكل طائفة ركعة .

                                                                                                                                                                                                                              وكذلك في رواية عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- :

                                                                                                                                                                                                                              أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى بكل طائفة ركعة .

                                                                                                                                                                                                                              كذا رواه الطبراني والبيهقي عن ابن عمر- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- «أنه صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة في صلاة الخوف» .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الحادي عشر :

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان والنسائي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقام الناس معه فكبر وكبروا معه ، وركع وركع ناس منهم ثم سجد وسجدوا معه ، ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضهم» . [ ص: 249 ]

                                                                                                                                                                                                                              ورواه البزار بسياق أتم منه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة له ، فلقي المشركين بعسفان ، فلما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه ، فقال بعضهم لبعض لو حملتم عليهم ما علموا بكم ، حتى تواقعوهم ، فقال قائل منهم : إن لهم صلاة أخرى فهي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم فاصبروا حتى تحضر فنحمل عليهم جملة فأنزل الله عز وجل وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة الآية فلما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كبر فكبروا معه جميعا ثم ركع وركعوا معه جميعا فلما سجد سجد معه الصف الذين يلونه ثم قام الذين خلفهم مقبلون على العدو ، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من سجوده وقام سجد الصف الثاني ، ثم قاموا وتأخر الصف الذين يلونه ، وتقدم الآخرون فكانوا يلون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، فلما ركع ركعوا معه جميعا ، ثم رفع فرفعوا معه ثم سجد فسجد معه الذين يلونه ، وقام الصف الثاني مقبلون على العدو ، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من سجوده وقعد ، قعد الذين يلونه وسجد الصف المؤخر ثم قعدوا فسجدوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما سلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سلم عليهم جميعا ، فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعض قالوا «قد أخبروا بما أردنا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن بكير بن الأخنس عن مجاهد ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة» .

                                                                                                                                                                                                                              وقول أبي عمر بن بكير انفرد به ، وإنه ليس بحجة فيما تفرد به مردود ، فقد وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم ، والنسائي وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثاني عشر :

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو داود عن عروة بن الزبير- رضي الله تعالى عنه- : وابن حبان عن عروة قال :

                                                                                                                                                                                                                              سمعت أبا هريرة- رضي الله تعالى عنه أنه صلى صلاة الخوف مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام غزوة نجد ، قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى صلاة العصر .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثالث عشر :

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو داود عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال : «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف فقاموا صفا خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» . [ ص: 250 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق عنه قال : «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فصف صفا خلفه وصفا موازيا وهم في صلاة كلهم فكبر وكبروا جميعا فصلى بالصف الذي يليه ركعة ، ثم ذهب هؤلاء وجاء هؤلاء فصلى بهم ركعة ، ثم قام هؤلاء الذين يلونهم صلى بهم الركعة الثانية فصفوا مكانهم ، ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء أولئك فقضوا الركعة .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الرابع عشر :

                                                                                                                                                                                                                              روى النسائي عن أبي عياش الزرقي- رضي الله تعالى عنه قال : «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعسفان فصلينا الظهر فقال المشركون- وعليهم خالد بن الوليد- لقد أصبنا منهم غرة ولقد أصبنا منهم غفلة لو أنا حططنا عليهم وهم في الصلاة ، فقالوا : إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم ، فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر فصلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة العصر ، ففرقنا فرقتين ، فرقة تصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفرقة يحرسونه فكبر بالذين يلونه ، والذين يحرسونه ، ثم ركع فركع هؤلاء وأولئك جميعا ثم سجد الذين يلونه وتأخر هؤلاء الذين يلونه ، وتقدم الآخرون ، فسجدوا ثم قام فركع بهم جميعا الثانية وبالذين يلونه وبالذين يحرسونه ، ثم سجد بالذين يلونه ، ثم تأخروا فقاموا في مصاف أصحابهم وتقدم الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم ، فكانت لكلهم ركعتان ركعتان مع إمامهم .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية رواها أبو داود أيضا أن الصف المتأخر سجدوا مكانهم قبل أن يتقدموا في كل ركعة ، ولم يتقدموا في الركعة الأخرى قالالعراقي : وهذا هو المشهور كما في رواية ابن الزبير ، وعطاء ، عن جابر ، وكلاهما عن مسلم وإسناده صحيح ، وقد زالت تهمة ابن إسحاق بتصريحه بالتحديث إلا أنه اختلف عليه فيه . هل هي رواية عروة عن أبي هريرة ؟ كما تقدم ، أو من روايته عن عائشة .

                                                                                                                                                                                                                              قال العراقي : ولعل ابن إسحاق سمعه من محمد بن جعفر بن الزبير بالإسنادين جميعا .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الخامس عشر :

                                                                                                                                                                                                                              روى البزار عن الحارث عن علي- رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الخوف : أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- الناس فأخذوا السلاح عليهم فقامت طائفة من ورائهم مستقبلي العدو ، وجاءت طائفة فصلوا معه فصلى بهم ركعة ، ثم قاموا إلى الطائفة التي لم تصل ، [ ص: 251 ] وأقبلت الطائفة التي لم تصل معه فقاموا خلفه فصلى بهم ركعة وسجدتين ، ثم سلم عليهم- فلما سلم ، قام الذين قبل العدو فكبروا جميعا ، وركعوا ركعة وسجدتين بعد ما سلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال العراقي : وظاهر أنه صلى بكل طائفة ركعة ، وركعت إحدى الطائفتين ركعة أخرى .

                                                                                                                                                                                                                              ولا يجوز أن تكون المغرب لأنه- صلى الله عليه وسلم- سلم بعد الركعتين والمغرب لا تقصر ، وقد

                                                                                                                                                                                                                              ورد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه قال : «صليت صلاة الخوف مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ركعتين ركعتين ، إلا المغرب فإنه صلاها ثلاثا» .

                                                                                                                                                                                                                              الوجه السادس عشر :

                                                                                                                                                                                                                              روى الحاكم في الإكليل عن خوات بن جبير - رضي الله تعالى عنه- قال : «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف فاستقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القبلة وطائفة خلفه وطائفة مواجهة العدو ، فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وسجدتين ثم سلموا وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة وسجدتين ، والطائفة مقبلة على العدو فلما صلى بهم ركعة لبث جالسا حتى أتموا لأنفسهم ركعة وسجدتين ، ثم سلموا» .

                                                                                                                                                                                                                              هذا آخر ما ذكره الحافظ أبو الفضل العراقي وسقط من النسخة ذكر الرابع وإسناد حديث ابن مسعود منقطع ، وإسناد حديث ابن عباس من رواية أبي بكر بن الجهم ، تكلم فيه الإمام الشافعي ، وإسناد حديث زيد بن ثابت ضعف البخاري إسناده فإنه من رواية القاسم بن حسان وإسناد حديث علي ضعيف ، فإنه من رواية الحارث وإسناد حديث خوات ضعيف أيضا فإنه من رواية الواقدي [ ص: 252 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية