الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ) ثم قال تعالى : ( ذلك لهم خزي في الدنيا ) أي فضيحة وهوان ( ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قالت المعتزلة : الآية دالة على القطع بوعيد الفساق من أهل الصلاة ، ودالة على أن قتلهم قد أحبط ثوابهم ؛ لأنه تعالى حكم بأن ذلك لهم خزي في الدنيا والآخرة ، وذلك يدل على كونهم مستحقين للذم ، وكونهم مستحقين للذم في الحال يمنع من بقاء استحقاقهم للمدح والتعظيم لما أن ذلك جمع بين الضدين ، وإذا كان الأمر كذلك ثبت القول بالقطع بوعيد الفساق ، وثبت القول بالإحباط . [ ص: 172 ]

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : لا نزاع بيننا وبينكم في أن هذا الحد إنما يكون واقعا على جهة الخزي والاستخفاف إذا لم تحصل التوبة ، فأما عند حصول التوبة فإن هذا الحد لا يكون على جهة الخزي والاستخفاف ، بل يكون على جهة الامتحان ، فإذا جاز لكم أن تشترطوا هذا الحكم بعدم التوبة لدليل دل على اعتبار هذا الشرط ، فنحن أيضا نشرط هذا الحكم بشرط عدم العفو ، وحينئذ لا يبقى الكلام إلا في أنه هل دل هذا الدليل على أنه تعالى يعفو عن الفساق أم لا ؟ وقد ذكرنا هذه المسألة بالاستقصاء في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ( البقرة : 81 ) .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم )

                                                                                                                                                                                                                                            قال الشافعي رحمه الله تعالى : لما شرح ما يجب على هؤلاء المحاربين من الحدود والعقوبات استثنى عنهما إذا تابوا قبل القدرة عليهم . وضبط هذا الكلام أن ما يتعلق من تلك الأحكام بحقوق الله تعالى فإنه يسقط بعد هذه التوبة ، وما يتعلق منها بحقوق الآدميين فإنه لا يسقط ، فهؤلاء المحاربون إن قتلوا إنسانا ثم تابوا قبل القدرة عليهم كان ولي الدم على حقه في القصاص والعفو ، إلا أنه يزول حتم القتل بسبب هذه التوبة ، وإن أخذ مالا وجب عليه رده ولم يكن عليه قطع اليد أو الرجل ، وأما إذا تاب بعد القدرة فظاهر الآية أن التوبة لا تنفعه ، وتقام الحدود عليه . قال الشافعي رحمه الله تعالى : ويحتمل أن يسقط كل حد الله بالتوبة ؛ لأن ماعزا لما رجم أظهر توبته ، فلما تمموا رجمه ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " هلا تركتموه " ، أو لفظ هذا معناه ، وذلك يدل على أن التوبة تسقط عن المكلف كل ما يتعلق بحق الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية