الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثاني : في زيادة الفعل .

                                                                                                                ففي الجواهر : إن كان من جنس الصلاة وزاد في الرباعية ركعة صحت ، أو ركعتين ففي الصحة قولان : أو أربعا فالمشهور البطلان ، ورويت الصحة ، وإن زاد في الصبح مثلها ; فإن قلنا بالبطلان في الرباعية في الركعتين فهاهنا أولى لتفاوت النسبة ، وإلا ففي البطلان قولان ; وإن زاد فيها ركعة فقولان - نظرا إلى يسارة الزيادة ، أو عظم النسبة ; وفي إلحاق الثلاثية بالرباعية أو الثنائية قولان ، وحيث صححنا سجد بعد السلام ، وتبطل بزيادة العمد ولو بسجدة ، وفي إلحاق الجهل بالعمد أو بالنسيان قولان ; وإن كانت من غير [ ص: 306 ] جنسها ، قال صاحب المقدمات : إن كثر جدا أبطلها ، وإن قل فثلاثة أقسام جائز : كحية تريده فيقتلها - ويبني أنه في صلاة فلا سجود ، ومكروه كحية أو عقرب يقتلها إذا مرت بين يديه ، ففي السجود قولان ; ومحرم كالأكل والشرب ، فقيل : يسجد ، وقيل : تبطل . وفي الفصل ستة فروع :

                                                                                                                الأول : إذا اعتقد ثلاثا فأتم ثم تبين أنها أربع ، رجع حين ذكره ، ويجلس ويسلم ويسجد - وقاله ( ش ) ; وقال ( ح ) يرجع من لم يسجد في الخامسة فتبطل صلاته ; إلا أن يكون جلس بعد الرابعة قدر التشهد ، فتكون الخامسة تطوعا يضيف إليها أخرى ويسلم ، لنا ما في الصحيحين أنه - عليه السلام - صلى الظهر خمسا ، فلما سلم قيل له : أزيد في الصلاة ؟ قال : وما ذاك ؟ قالوا : صليت خمسا ، فسجد سجدتين ثم سلم ، ثم قال : إنما أنا بشر مثلكم ; أنسى كما تنسون ، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين .

                                                                                                                الثاني : قال ابن القاسم في الكتاب : إذا قام إلى خامسة سهوا واتبعه ساه ومتعمد وجلس آخر ; صحت صلاتهم - إلا العامد لقصده لزيادة ، وقاله ( ش ) . وقال ( ح ) : إن قام قبل التشهد بطلت صلاته ، وإلا صحت ; ويجوز عنده أن يتنفل بإحرام الفرض بعد تمامه ; لأن السلام عنده ليس من [ ص: 307 ] الصلاة ، وإنما هو مناف لها ; ونحن نمنعه ذلك ، وإن سلمنا أنه ليس من الصلاة ، فهو شرط التحليل ومفارقة العبادة الأولى ; قال صاحب التنبيهات : قال سحنون معناه في الكتاب : أن الجالس يسبح به ، فإن لم يسبح أعاد أبدا ، قال صاحب الطراز : فلو قال : كنت أسقطت سجدة من الأولى ولم أنبه ، قال ابن المواز : تبطل على من لم يتبعه وتصح لمن اتبعه مطلقا ; قال : يريد إذا شكوا أو تيقنوا النقصان ، وقال سحنون : صلاة الساهين تامة والعامدين باطلة - إن تيقنوا الزيادة ، إلا أن يتأولوا وجوب الاتباع ; لأن الفعل تبع للاعتقاد ، قال : ويتخرج على هذا إذا تعمد خمسا فتبين أنها أربع ، قال ابن الماجشون : لا يضره ، وقال ابن القاسم : إذا صلى خمسا سهوا ، ثم ذكر سجدة من الأولى ; يأتي بركعة ، قال ابن المواز : والصواب الاكتفاء بالخامسة ; وإذا لم يعتد بها سهوا ، فأولى عمدا ; قال : ويتخرج فرع الخلاف إذا أحرم بفريضة ثم اعتقد أنه أحرم بنافلة وتمادى ; ففي الإجزاء قولان ; فلو أن معه مسبوقا بركعة فجلس ، وقال الإمام : أسقطت سجدة من الأولى ، قال ابن المواز : إن صدقه كل من خلفه أعاد هذا صلاته ; وإن لم يصدقه أحد لم يعد ، فلو قام للخامسة سهوا فدخل معه فيها مسبوق لم يجزه ، وقاله ( ح ) خلافا ( ش ) ; لأنها غير معتد بها . وقد سلم ( ش ) إذا رجع الإمام فدخل معه ، ثم سها فركع ورفع الداخل معه أن ذلك لا يجزيه وكلاهما سواء ; فلو قام معه فيها مسبوق لم يجزه ، وقاله ابن المواز ; وقال : إن علم أنها خامسة بطلت صلاته ، إلا أن يقول : كنت أسقطت سجدة من الأولى إلا أن يخالفه من خلفه .

                                                                                                                [ ص: 308 ] فرع مرتب

                                                                                                                إذا قام إلى خامسة بعد التشهد بعد الرابعة ، رجع وتشهد ; وإلا يتخرج على الروايتين في التشهد لسجود السهو قبل السلام . قال : ويمكن الفرق بأن السهو يلغى ويتصل الجلوس بالتشهد ، بخلاف سجود السهو فإنه مشروع ، وهو الظاهر عند الشافعية .

                                                                                                                الثالث : لو صلى المغرب أربعا سهوا ، أجزأت ويسجد بعد السلام ، وعند قتادة والأوزاعي يضيف إليها أخرى ويسجد ، لنا أنه - عليه السلام - صلى الظهر خمسا - الحديث المتقدم ، فلو صلاها خمسا سهوا ، أجزته عند أشهب ويسجد ، وقال ابن نافع : عليه الإعادة ، وقال ابن الماجشون : لا أقول يبطلها مثل نصفها سهوا كما قيل ، بل ركعتان يبطلانها ; لأن كثير الفساد يبطل - كالغرر في البيع .

                                                                                                                الرابع ، قال ابن القاسم في الكتاب : إذا أكل أو شرب ساهيا ، سجد ; وقد تقدم إبطالهما للصلاة ; لشدة منافاتهما للصلاة .

                                                                                                                الخامس : إذا تفكر في إتمام صلاته ثم تيقن فلا سهو عليه ، قال صاحب الطراز : إن تفكر قائما أو جالسا أو ساجدا فلا سجود اتفاقا ; لأن زيادة اللبث في هذه المواطن لا يبطل عمده ; وأما بين السجدتين إن طال - قال ابن القاسم : لا [ ص: 309 ] سجود ، وقال أشهب : يسجد كان جالسا بينهما مستوفرا على قدميه أو ركبتيه .

                                                                                                                السادس : قال في الكتاب : إذا صلى النافلة ثلاثا شفعها وسجد قبل السلام ، قال صاحب الطراز : إن حمل على أنه لم يجلس بعد اثنتين فلنقصان الجلسة ، وقيل : لنقص السلام ; وعلى هذا لا فرق بين الجلوس وعدمه . ويرد على هذا التعليل : إن قام إلى خامسة ، فقد أخل بالسلام من موضعه - ساهيا مع أنه يسجد بعد السلام ; قال ابن القاسم : ولو قام إلى خامسة في النافلة ، رجع ولا يكملها سادسة ويسجد بعد السلام ; لأن الذي عليه الجادة من العلماء في النافلة عدم الزيادة على أربع . فلو صلى الفجر ثلاثا ، قال : اختلف في بطلانه ، والفرق أن الفجر محدود بالاتفاق ، فزيادة نصفه تبطله ; وإذا قلنا : لا تبطله ; فصلاته أربعا استحب مالك الإعادة خلافا لمطرف ، قال اللخمي : إذا قام في النافلة إلى ثالثة ساهيا ، رجع فجلس ; وكذلك إن ذكر وهو راكع ، وبه أخذ ابن القاسم ، وقال أيضا : يتمها أربعا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية