الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 88 - 90 ] قال : ( ويرتب الوضوء ، فيبدأ بما بدأ الله تعالى بذكره ، وبالميامن ) فالترتيب في الوضوء سنة عندنا ، وقال الشافعي رحمه الله تعالى: فرض لقوله تعالى{ فاغسلوا وجوهكم }الآية ، والفاء للتعقيب ، ولنا أن المذكور فيها حرف الواو ، وهي لمطلق الجمع بإجماع أهل اللغة ، فتقتضي إعقاب غسل جملة الأعضاء ، " والبداءة بالميامن فضيلة لقوله عليه الصلاة والسلام { إن الله تعالى يحب التيامن في كل شيء حتى التنعل والترجل }.

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الرابع عشر : قال عليه السلام : { إن الله تعالى يحب التيامن في كل شيء }" قلت : غريب بهذا اللفظ ، وروى الأئمة الستة في كتبهم من حديث مسروق عن عائشة قالت : " { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شيء حتى في طهوره وتنعله [ ص: 91 ] وترجله وشأنه كله }" انتهى .

                                                                                                        رواه البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن ماجه في " الطهارة " وأبو داود " في اللباس " والترمذي " في آخر الصلاة " وألفاظهم متقاربة . ومن أحاديث الباب : ما أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن زهير بن معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه ابن خزيمة ، وابن حبان في " صحيحيهما " ، قال : في الإمام : وهو جدير بأن يصحح . ورواه البيهقي . ولفظه : { إذا لبستم أو توضأتم فابدءوا بأيامنكم }أحاديث الترتيب والموالاة ، واستدل على عدم وجود الترتيب في الوضوء بما أخرجه البخاري { عن شقيق . قال : كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى الأشعري ، فقال له أبو موسى : لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا أما كان يتيمم ويصلي ؟ فذكر الحديث ، وفيه : ألم تسمع قول عمار لعمر بن الخطاب : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت ، فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا : وضرب بكفه ضربة على الأرض ، ثم نفضها ، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله ، أو ظهر شماله بكفه ، ثم مسح بهما وجهه } ، ورواه الإسماعيلي في " كتابه المخرج على البخاري " ولفظه : { إنما يكفيك أن تضرب بيديك على الأرض ، ثم تنفضها ، ثم تمسح بيمينك على شمالك وشمالك على يمينك ثم تمسح على وجهك } ، ورواه أبو داود ، ولفظه : { ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا : فضرب بيده على الأرض فنفضها ، ثم ضرب بشماله على يمينه ، وبيمينه على شماله على الكفين ، ثم مسح وجهه }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني عن بسر بن سعيد قال : { أتى عثمان المقاعد فدعا بوضوء فمضمض واستنشق ، ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ورجليه ثلاثا ثلاثا ، ثم مسح برأسه ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ هكذا ، يا هؤلاء كذلك ؟ قالوا : نعم ، لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم }. [ ص: 92 ]

                                                                                                        { حديث آخر } : استدل به على وجوب الترتيب والموالاة ، أخرجه أبو داود عن بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { أنه عليه السلام رأى رجلا يصلي وفي قدمه لمعة لم يصبها الماء ، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة } ، انتهى .

                                                                                                        قال في الإمام : وبقية مدلس إلا أن الحاكم رواه في " المستدرك " ، فقال فيه : حدثنا بحير بن سعد فزالت التهمة انتهى .

                                                                                                        ومن طريق أبي داود ، رواه البيهقي في " السنن " وقال : إنه مرسل ، قال في الإمام : عدم ذكر اسم الصحابي لا يجعل الحديث مرسلا ، فقد قال الأثرم : سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث ، فقال : إسناده جيد ، قلت له : إذا قال التابعي حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمه أيكون الحديث صحيحا ؟ قال : نعم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود وابن ماجه عن جرير بن حازم عن قتادة عن أنس { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدمه مثل الظفر ، فقال عليه السلام : ارجع فأحسن وضوءك }" . انتهى . قال الدارقطني : تفرد به جرير عن قتادة ، وهو ثقة انتهى .

                                                                                                        وقد روي هذا من طريق آخر ، وفيه { ارجع فأتم وضوءك } ، لكنها من رواية الوازع بن نافع ، وقد ضعفه النسائي ، وأحمد وابن معين . وأبو حاتم . والدارقطني . وهذا الحديث أخرجه الطبراني " في معجمه الوسط " والدارقطني في " سننه " عن الوازع بن نافع عن سالم عن ابن عمر عن { أبي بكر الصديق ، قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل قد توضأ ، وفي قدمه موضع لم يصبه الماء . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب فأتم وضوءك ، ففعل }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم عن أبي الزبير عن جابر { أن عمر بن الخطاب رأى رجلا توضأ للصلاة ، ترك موضع ظفر على ظهر قدمه ، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : ارجع فأحسن وضوءك فرجع فتوضأ ، ثم صلى }انتهى .

                                                                                                        واستدلوا أيضا على وجوب الترتيب [ ص: 93 ] والموالاة بحديث : { هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به }. وقالوا : لا يخلو أن يكون رتب ووالى ، ولا جائز أنه لم يرتب ولم يوال ، وإلا يلزم عدم صحتها مرتبة متوالية ، فيثبت أنه توضأ مرتبا مواليا ، ويلزم حينئذ أن لا يصح إلا مرتبا متواليا . وقد تقدم الكلام على طرق هذا الحديث في " الحديث الحادي عشر " والله أعلم .

                                                                                                        حديث : استدل به على عدم وجوب الموالاة ، قال في الإمام : روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي عن إسماعيل بن يحيى ثنا مسعر عن حميد بن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه { عبد الرحمن بن عوف ، قال : قلت : يا رسول الله إن أهلي تغار علي إذا أنا وطئت جواري ، قال : وبم يعلمن ذلك ؟ قلت : من قبل الغسل ، قال : إذا كان ذلك منك فاغسل رأسك عند أهلك ، فإذا حضرت الصلاة فاغسل سائر بدنك }انتهى . قال : وإسماعيل متروك عندهم .




                                                                                                        الخدمات العلمية