الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " فإن قال : ثمنها أكثر من مائة ، وأقام على ذلك بينة لم يقبل منه وهو مكذب لها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في رجل باع ثوبا مرابحة بربح في العشرة واحدا ، وأخبر أن الثمن مائة درهم ، فأخذه المشتري بمائة وعشرة دراهم ، ثم عاد البائع فذكر أنه غلط في إخبار الشراء وأن الثمن مائة وعشرون ، فللمشتري حالتان حال يصدقه على ما ذكر من غلطه ، وحال يكذبه ، فإن صدقه على أن الثمن مائة وعشرون درهما ، قيل للمشتري : أنت بالخيار بين أن تأخذ بهذا الثمن وحصته من الربح ، وذلك مائة واثنان وثلاثون درهما ، وبين أن تفسخ البيع فيه . وإن كذبه فالقول قول المشتري ، فإن كان البائع حين أخبر في الأول أن الثمن مائة ، ثم ذكر أنه اشتراه لنفسه لم تسمع له بينة بما ادعاه في الثاني من الثمن أنه مائة وعشرون : لأنه مكذب لنفسه بالقول الأول ، ومن حفظ عليه أكذاب بينته ردت عليه ، ولم يسمع منه ، فإن طلب البائع يمين المشتري على أن الثمن مائة درهم ففي جواز إخلافه وجهان مخرجان من اختلاف قوليه في يمين المدعي بعد نكول المدعى عليه . هل يجري مجرى البينة أو يجري مجرى الإقرار ؟

                                                                                                                                            فإن قيل : إنما يجري مجرى البينة لم يجب إحلافه : لأنه لو أقام بينة لم تسمع ، وإن قيل : إنها تجري مجرى الإقرار وجب إحلافه : لأن المشتري لو أقر بما ادعاه البائع لزمه ، فأما إن كان البائع حين أخبر في الأول بأن الثمن مائة درهم أخبر بذلك عن شراء وكيله أو عبده المأذون له في التجارة ، ثم عاد فذكر أن الوكيل أخطأ وأن العبد غلط وأن الثمن مائة وعشرون ، فهل تسمع منه البينة بما ادعاه من ذلك على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا تسمع بينته كما لو أخبر أنه اشتراه لنفسه : لأنه قد أكذبها تقدم من قوله ، فعلى هذا في وجوب إحلاف المشتري وجهان .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن بينته فيما ادعاه مسموعة يحكم بها على المشتري ، ويجعل بالخيار بين أن يأخذه بالثمن الذي قامت البينة به وبحصته من الربح أو الفسخ .

                                                                                                                                            فإن عدم البائع البينة كان له إحلاف المشتري وجها واحدا ، فإن حلف كان له أخذ الثوب بالثمن الأول ، وحصته من الربح وذلك مائة وعشرة دراهم ، فإن نكل ردت اليمين على البائع ، فإذا حلف ، قيل للمشتري : أنت بالخيار في أخذ الثوب بالثمن الثاني وحصته من الربح وذلك اثنان وثلاثون درهما وبين أن تفسخ . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية