الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5309 56 - حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى قال: كان حذيفة بالمدائن فاستسقى، فأتاه دهقان بقدح فضة فرماه به فقال: إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته، وإن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير والديباج، والشرب في آنية الذهب والفضة وقال: هن لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "والشرب في آنية الذهب" والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة -مصغر عتبة الدار- وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن، وحذيفة بن اليمان، واسم اليمان حسل بن جابر، واليمان لقب وهو من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في كتاب الأطعمة في باب الأكل في إناء مفضض، فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم، عن سيف بن أبي سليمان، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. وانظر التفاوت بينهما في المتن والإسناد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بالمدائن" وهي مدينة عظيمة على دجلة بينها وبين بغداد سبعة فراسخ، وكانت مسكن ملوك الفرس، وبها إيوان كسرى المشهور، وكان فتحها على يد سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر رضي الله عنه سنة عشر، وقيل: قبل ذلك وكان حذيفة عاملا عليها في خلافة عمر، ثم عثمان إلى أن مات بعد قتل عثمان سنة ست وثلاثين في أول خلافة علي رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فاستسقى" أي: طلب الماء للشرب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "دهقان" بكسر الدال المهملة وضمها بعدها هاء ساكنة، ثم قاف وبعد الألف نون، وهو زعيم القوم وكبير القرية بالفارسية، منصرفا وغير منصرف، وفي [ ص: 202 ] رواية الترمذي "فأتاه إنسان" وقد مر في كتاب الأطعمة "فسقاه مجوسي" وفي رواية أحمد عن وكيع، عن شعبة "استسقى حذيفة من دهقان أو علج".

                                                                                                                                                                                  قوله: "بقدح فضة" بالإضافة، مثل "خاتم فضة" وفي رواية أبي داود عن حفص شيخ البخاري فيه "بإناء من فضة" وفي رواية مسلم من طريق عبد الله بن عكيم "كنا عند حذيفة فجاء دهقان بشراب في إناء من فضة" ويأتي في اللباس عن سليمان بن حرب، عن شعبة بلفظ "بماء في إناء".

                                                                                                                                                                                  قوله: "فرماه به" أي: رمى الدهقان بالقدح، ويوضحه رواية وكيع "فجذفه به".

                                                                                                                                                                                  قوله: "إني لم أرمه" أي: القدح. وفي رواية الإسماعيلي "لم أكسره" وهذا اعتذار من حذيفة; لأنه تقدم إلى دهقان مرة أو مرتين ويقول: "لم أفعل به هذا" وهو معنى قوله: "إلا أني نهيته" أي: الدهقان فلم ينته، ويوضح هذا رواية يزيد: "لولا أني تقدمت إليه مرة أو مرتين" ورواية عبد الله بن عكيم "إني أمرته أن لا يسقيني فيه" ثم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا إلى آخره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "والديباج" هو الثياب المتخذة من الإبريسم وهو فارسي معرب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "هن" كذا هو في الموضعين، وفي رواية أبي داود "هي" ووقع في رواية مسلم "هو" أي: جميع ما ذكر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لهم" أي: للكفار، والسياق يدل عليه، وقال الإسماعيلي: ليس المراد بقوله: "هن لهم في الدنيا" إباحة استعمالهم إياه، وإنما المعنى بقوله: "لهم" أي: هم يستعملونه مخالفة لزي المسلمين، وكذا قوله: "ولكم في الآخرة" أي: تستعملونه مكافأة لكم على تركه في الدنيا، ويمنعه أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعماله.

                                                                                                                                                                                  قلت: الظاهر أن الذي يستعمله في الدنيا لا يتعاطاه في الآخرة، كما في شرب الخمر، والكلام فيه مثل الكلام في الخمر على الوجه الذي فيها.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية