الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5378 25 - حدثنا عمران بن ميسرة، حدثنا ابن فضيل، حدثنا حصين، عن عامر، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: لا رقية إلا من عين أو حمة، فذكرته لسعيد بن جبير فقال: حدثنا ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرضت علي الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد حتى رفع لي سواد عظيم قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق ثم قيل لي: انظر ههنا وههنا في آفاق السماء فإذا سواد قد ملأ الأفق، قيل: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفا بغير حساب، ثم دخل ولم يبين لهم فأفاض القوم وقالوا: نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله فنحن هم أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام، فإنا ولدنا في الجاهلية، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون، فقال عكاشة بن محصن: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم، فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ قال: سبقك بها عكاشة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الجزء الثالث للترجمة ظاهرة. وعمران بن ميسرة -ضد الميمنة- وابن فضيل هو محمد بن فضيل -مصغر الفضل بالضاد المعجمة- الضبي، وحصين -بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- ابن عبد الرحمن الواسطي، وعامر هو ابن شراحيل الشعبي.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى مختصرا في أحاديث الأنبياء في باب وفاة موسى عليه السلام، وأخرجه أيضا في الرقاق عن أسد بن زيد، وعن إسحاق، عن روح. وأخرجه مسلم في الإيمان عن سعيد بن منصور وغيره. وأخرجه الترمذي في الزهد عن أبي حصين، ولفظه "لما أسري بالنبي جعل يمر بالنبي والنبيين ومعهم القوم، والنبي والنبيين ومعهم الرهط" فذكره بطوله. وأخرجه النسائي في الطب عن أبي حصين به، وفي التلويح في هذا علتان:

                                                                                                                                                                                  الأولى: انقطاع ما بين عامر الشعبي وعمران، قال البخاري في بعض نسخ كتابه: استفدنا من هذا أن حديث عمران مرسل وحديث ابن عباس مسند.

                                                                                                                                                                                  الثانية هو مع إرساله موقوف. والوقف علة عند جماعة من العلماء، وإن كان أبو داود لما رواه عن مسدد، حدثنا عبد الله بن داود، عن مالك بن مغول، عن حصين، عن الشعبي، عن عمران رفعه، فقال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا رقية إلا من عين أو حمة فكأنه غفل عن العلة فيه وتبعه فيما أرى الترمذي لما رواه من طريق سفيان، عن حصين ثم قال: ورواه شعبة، عن حصين، عن الشعبي، عن بريدة به مرفوعا. وأما مسلم فإنه لما رواه من حديث هشيم، عن حصين وقفه وعنده أيضا من حديث أنس بن مالك مرفوعا أنه رخص في الرقية من العين والحمة والنملة. وعند أبي داود من حديث سهل بن حنيف مرفوعا "لا رقية إلا من نفس أو حمة أو لدغة" انتهى.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لا رقية" بضم الراء وسكون القاف وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إلا من عين" هو إصابة العائن غيره بعينه، وهو أن يتعجب الشخص من الشيء حين يراه فيتضرر ذلك الشيء منه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو حمة" بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة وهو السم، وقال الجوهري: حمة العقرب سمها وضرها، وقال ابن سيده: هي الإبرة [ ص: 245 ] التي تضرب بها العقرب والزنبور، وأصل حمة حمو أو حمي والهاء عوض عن الواو أو الياء، وجمعها حمون وحمات، كما قالوا: برة وبرون وبرات قاله كراع، وقال: كأنها مأخوذة من حميت النار تحمى إذا اشتدت حرارتها. وفي كتاب اليواقيت للمطرزي "حمة" بالتشديد، وقال الجاحظ: من سمى إبرة العقرب حمة فقد أخطأ، وإنما الحمة سموم ذوات الشعر كالدبر وذوات الأنياب والأسنان كالأفاعي وسائر الحيات، وكسموم ذوات الإبر من العقارب.

                                                                                                                                                                                  ومعنى قول سهل بن حنيف: "إلا من نفس" هو العين، يقال: أصابت فلانا نفس أي: عين. والنملة في حديث أنس قروح تخرج في الجنب. وقال ابن الأثير: وقد جاء في بعض الأحاديث جواز الرقية وفي بعضها النهي، والأحاديث في القسمين كثيرة، ووجه الجمع بينهما أن الرقى يكره منها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة، وأن يعتقد أن الرقيا نافعة لا محالة، فيتكل عليها، وإياها أراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "ما توكل من استرقى" ولا يكره منها ما كان بخلاف ذلك كالتعوذ بالقرآن وأسماء الله والرقى المروية. وقال أيضا: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا رقية إلا من عين أو حمة" لا رقية أولى وأنفع، وهذا كما قيل "لا فتى إلا علي" وقد أمر صلى الله عليه وسلم غير واحد من الصحابة بالرقية، وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم. وقال الخطابي: لم يرد به حصر الرقية الجائزة فيهما، وإنما المراد لا رقية أحق وأولى من رقية العين والحمة لشدة الضرر فيهما.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فذكرته لسعيد بن جبير" القائل بذلك هو حصين بن عبد الرحمن.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ومعهم الرهط" وهو من الرجال ما دون العشرة، وقيل: إلى الأربعين، ولا يكون فيهم امرأة، ولا واحد له من لفظه، ويجمع على أرهط وأرهاط، وأراهط جمع الجمع.

                                                                                                                                                                                  قوله: "والنبي ليس معه أحد" قيل: النبي هو المخبر عن الله للخلق فأين الذين أخبرهم، وأجيب بأنه ربما أخبر ولم يؤمن به أحد ولا يكون معه إلا المؤمن.

                                                                                                                                                                                  قوله: "حتى رفع لي سواد" هذا رواية الكشميهني حتى رفع بالراء والفاء وبلفظ لي. وفي رواية غيره "حتى وقع في سواد" بواو وقاف وبلفظ في.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بغير حساب" قيل: هل يدخلون وإن كانوا أصحاب معاص ومظالم، وأجيب بأن الذين كانوا بهذه الأوصاف الأربعة لا يكونون إلا عدولا مطهرين من الذنوب أو ببركة هذه الصفات يغفر الله لهم ويعفو عنهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم دخل" أي: الحجرة ولم يبين للصحابة من السبعون.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فأفاض القوم" ويقال: أفاض القوم في الحديث إذا اندفعوا فيه وناظروا عليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "هم الذين لا يسترقون" قال أبو الحسن القابسي: يريد بالاسترقاء الذي كانوا يسترقون به في الجاهلية. وأما الاسترقاء بكتاب الله فقد فعله صلى الله عليه وسلم وأمر به، وليس بمخرج عن التوكل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولا يتطيرون" أي: لا يتشاءمون بالطيور ونحوها كما كانت عادتهم قبل الإسلام، والطيرة ما يكون في الشر، والفأل ما يكون في الخير، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولا يكتوون" يعني لا يعتقدون أن الشفاء من الكي كما كان عليه اعتقاد أهل الجاهلية.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وعلى ربهم يتوكلون" والتوكل تفويض الأمر إلى الله تعالى في ترتيب المسببات على الأسباب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أمنهم أنا؟" الهمزة فيه للاستفهام على وجه الاستخبار والاستعلام.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقام آخر" قال الخطيب: هذا الرجل سعد بن عبادة، وقيل:إن الرجل الثاني كان منافقا فأراد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الستر له والإبقاء عليه لعله أن يتوب فرده ردا جميلا. قال الكرماني: لو صح هذا بطل قول الخطيب. والله أعلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "سبقك بها عكاشة" أي: في الفضل إلى منزلة أصحاب هذه الأوصاف الأربعة، وقيل: يحتمل أن يكون سبقك عكاشة بوحي أنه يجاب فيه ولم يحصل ذلك للآخر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية