الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في المسابقة على الأقدام والمصارعة واللعب بالحراب وغير ذلك .

                                                                                                                                            3547 - { عن عائشة قالت : سابقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقته ، فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني ، فقال : هذه بتلك } رواه أحمد وأبو داود .

                                                                                                                                            3548 - ( وعن سلمة بن الأكوع قال : { بينا نحن نسير ، وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا فجعل يقول : ألا مسابق إلى المدينة ؟ هل من مسابق ، فقلت : أما تكرم كريما ، ولا تهاب شريفا ؟ قال : لا إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ذرني فلأسابق الرجل ، قال : إن شئت ، قال : فسبقته إلى المدينة } مختصرا من أحمد ومسلم ) .

                                                                                                                                            [ ص: 104 ] ( وعن محمد بن علي بن ركانة : { أن ركانة صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - } رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            3550 - ( وعن أبي هريرة قال : { بينا الحبشة يلعبون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعهم يا عمر } متفق عليه وللبخاري في رواية : في المسجد ) .

                                                                                                                                            3551 - ( وعن أنس : { لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة لعبت الحبشة لقدومه بحرابهم فرحا بذلك } متفق عليه ) .

                                                                                                                                            3552 - ( وعن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - { رأى رجلا يتبع حمامة ، فقال : شيطان يتبع شيطانة } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وقال : " يتبع شيطانا " )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عائشة أخرجه أيضا الشافعي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عنها ، واختلف فيه على هشام ، فقيل هكذا ، وقيل عن رجل عن أبي سلمة عنها ، وقيل عن أبيه وعن أبي سلمة عن عائشة وحديث محمد بن علي بن ركانة في إسناده أبو الحسن العسقلاني وهو مجهول ، وأخرجه أيضا الترمذي من حديث أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر محمد بن ركانة وقال : غريب وليس إسناده بالقائم وروى أبو داود في المراسيل عن سعيد بن جبير قال { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبطحاء ، فأتى عليه يزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد ومعه عير له ، فقال له : يا محمد هل لك أن تصارعني ؟ فقال : ما تسبقني ؟ قال : شاة من غنمي ، فصارعه فصرعه ، فأخذ الشاة ، فقال ركانة : هل لك في العودة ؟ ففعل ذلك مرارا ، فقال : يا محمد ما وضع جنبي أحد إلى الأرض وما أنت بالذي تصرعني ، فأسلم ورد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه غنمه } قال الحافظ : إسناده صحيح إلى سعيد بن جبير إلا أن سعيدا لم يدرك ركانة . قال البيهقي : وروي موصولا .

                                                                                                                                            وفي كتاب السبق لأبي الشيخ من رواية عبيد الله بن يزيد المصري عن حماد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مطولا . ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث أبي أمامة مطولا وإسنادهما ضعيف وروى عبد الرزاق عن [ ص: 105 ] معمر عن يزيد بن أبي زياد ، وأحسبه عن عبد الله بن الحارث قال : { صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ركانة في الجاهلية ، وكان شديدا ، فقال : شاة بشاة ، فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : عاودني في أخرى ، فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : عاودني ، فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - الثالثة ، فقال أبو ركانة : ماذا أقول لأهلي ؟ شاة أكلها الذئب ، وشاة نشزت ، فما أقول في الثالثة ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك فنغرمك ، خذ غنمك } هكذا وقع فيه أبو ركانة ، والصواب ركانة وحديث أبي هريرة الثاني في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة الليثي استشهد به مسلم ووثقه ابن معين ومحمد بن يحيى الذهلي والنسائي وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وقال ابن معين مرة : ما زال الناس يتقون حديثه . وقال السعدي : ليس بالقوي . وغمزه الإمام مالك وقال ابن المديني : سألت يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة كيف هو ؟ قال : تريد العفو أو تشدد ؟ قلت : بل أشدد ، قال : فليس هو ممن تريد . قوله : ( حتى إذا أرهقني اللحم ) أي كثر لحمي ، قال في القاموس أرهقه طغيانا غشاه إياه ، وقال : رهقه كفرح غشيه .

                                                                                                                                            وفي الحديثين دليل على مشروعية المسابقة على الأرجل وبين الرجال والنساء المحارم وأن مثل ذلك لا ينافي الوقار والشرف والعلم والفضل وعلو السن فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج عائشة إلا بعد الخمسين من عمره . ولا فرق بين الخلاء والملأ لما في حديث سلمة .

                                                                                                                                            قوله : ( أن ركانة صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - ) فيه دليل على جواز المصارعة بين المسلم والكافر وهكذا بين المسلمين ، ولا سيما إذا كان مطلوبا لا طالبا ، وكان يرجو حصول خصلة من خصال الخير بذلك أو كسر سورة كبر متكبر أو وضع مترفع بإظهار الغلب له ، وكما روي من مصارعته - صلى الله عليه وسلم - ركانة روي أنه تصارع هو وأبو جهل قال الحافظ عبد الغني : ما روي من مصارعة النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا جهل لا أصل له .

                                                                                                                                            وحديث ركانة أمثل ما روي في مصارعة النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : ( يلعبون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بحرابهم ) فيه جواز ذلك في المسجد كما في الرواية الثانية . وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة . أما القرآن فقوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع } وأما السنة فحديث : { جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم } وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادعاه ولا عرف للتاريخ فيثبت النسخ وحكى بعض المالكية عن مالك " أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد " ، وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث . واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو .

                                                                                                                                            قال المهلب : المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه ، وفي الحديث [ ص: 106 ] جواز النظر إلى اللهو المباح . قوله : ( ودخل عمر . . . إلخ ) قال ابن التين : يحتمل أن يكون عمر لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعلم أنه رآهم أو ظن أنه رآهم واستحيا أن يمنعهم ، وهذا أولى لقوله في الحديث " يلعبون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - " ويحتمل أن يكون إنكاره لهذه شبيها لإنكاره على المغنيتين وكان من شدته في الدين ينكر خلاف الأولى ، والجد في الجملة أولى من اللعب المباح . وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان بصدد بيان الجواز . قوله : ( فقال شيطان . . . إلخ ) فيه دليل على كراهة اللعب بالحمام وأنه من اللهو الذي لم يؤذن فيه ، وقد قال بكراهته جمع من العلماء ، ولا يبعد على فرض انتهاض الحديث تحريمه ; لأن تسمية فاعله شيطانا يدل على ذلك ، وتسمية الحمامة شيطانة إما لأنها سبب اتباع الرجل لها أو أنها تفعل فعل الشيطان حيث يتولع الإنسان بمتابعتها واللعب بها لحسن صورتها وجودة نغمتها .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية