الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            3635 - ( وعن رافع بن خديج قال : { قلت : يا رسول الله إنا نلقى العدو غدا ، وليس معنا مدى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا ، وسأحدثكم عن ذلك : أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة } رواه الجماعة ) .

                                                                                                                                            3636 - ( وعن شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : إن الله كتب الإحسان [ ص: 161 ] على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته } رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            3637 - ( وعن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم ، وقال : إذا ذبح أحدكم فليجهز } رواه أحمد وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            3638 - ( وعن أبي هريرة قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى : ألا إن الذكاة في الحلق واللبة ، ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق ، وأيام منى أيام أكل وشرب وبعال } . رواه الدارقطني ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عمر في إسناده عند ابن ماجه ابن لهيعة وفيه مقال معروف ، ويشهد له الحديث الذي قبله .

                                                                                                                                            وحديث أبي هريرة في إسناده سعيد بن سلام العطار ، قال أحمد : كذاب . وقد تقدم ما يشهد له في صلاة العيد قوله : ( إنا نلقى العدو غدا ) لعله عرف ذلك بخبر أو بقرينة . قوله : ( وليس معنا مدى ) بضم الميم مخفف مقصور جمع مدية بسكون الدال بعدها تحتانية ، وهي السكين سميت بذلك لأنها تقطع مدى الحيوان : أي عمره ، والرابط بين قوله : " نلقى العدو وليس معنا مدى " يحتمل أن يكون مراده أنهم إذا لقوا العدو صاروا بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه ، ويحتمل أن يكون مراده أنهم يحتاجون إلى ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدو إذا لقوه .

                                                                                                                                            قوله : ( ما أنهر الدم ) أي أساله وصبه بكثرة ، شبهه بجري الماء في النهر ، قال عياض : هذا هو المشهور في الروايات بالراء ، وذكره أبو ذر بالزاي وقال : النهر بمعنى الدفع وهو غريب ، وما موصولة في موضع رفع بالابتداء وخبرها فكلوا ، والتقدير : ما أنهر الدم فهو حلال فكلوا . ويحتمل أن تكون شرطية . ووقع في رواية إسحاق عن الثوري " كل ما أنهر الدم ذكاة " وما في هذا موصوفة قوله : ( وذكر اسم الله عليه ) فيه دليل على اشتراط التسمية لأنه علق الإذن بمجموع الأمرين وهما الإنهار والتسمية ، والمعلق على شيئين لا يكتفى فيه إلا باجتماعهما وينتفي بانتفاء أحدهما ، وقد تقدم الكلام على ذلك قوله : ( وسأحدثكم ) اختلف في هذا هل هو من جملة المرفوع أو مدرج . قوله : ( أما السن فعظم ) قال البيضاوي : هو قياس حذفت منه المقدمة الثانية لشهرتها عندهم ، والتقدير : أما السن فعظم ، وكل عظم لا يحل الذبح به ، وطوى النتيجة لدلالة الاستثناء عليها .

                                                                                                                                            وقال ابن الصلاح في مشكل الوسيط : هذا يدل [ ص: 162 ] على أنه عليه الصلاة والسلام كان قد قرر كون الذكاة لا تحصل بالعظم فلذلك اقتصر على قوله فعظم . قال : ولم أر بعد البحث من نقل للمنع من الذبح بالعظم معنى يعقل ، وكذا وقع في كلام ابن عبد السلام . وقال النووي : معنى الحديث لا تذبحوا بالعظام فإنها تنجس بالدم . وقد نهيتم عن تنجيسها لأنها زاد إخوانكم من الجن .

                                                                                                                                            وقال ابن الجوزي في المشكل : هذا يدل على أن الذبح بالعظم كان معهودا عندهم أنه لا يجزئ وقررهم الشارع على ذلك . قوله : ( وأما الظفر فمدى الحبشة ) أي وهم كفار . وقد نهيتم عن التشبه بهم ، قاله ابن الصلاح وتبعه النووي . وقيل : نهى عنهما لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان ولا يقع به غالبا إلا الخنق الذي هو على صورة الذبح . واعترض على الأول بأنه لو كان كذلك لامتنع الذبح بالسكين وسائر ما يذبح به الكفار . وأجيب بأن الذبح بالسكين هو الأصل . وأما ما يلتحق بها فهو الذي يعتبر فيه التشبه ، ومن ثم كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين وروي عن الشافعي أنه قال : السن إنما يذكى بها إذا كانت منتزعة ، فأما وهي ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة ، يعني فدل على عدم جواز التذكية بالسن المنتزعة بخلاف ما نقل عن الحنفية من جوازه بالسن المنفصلة .

                                                                                                                                            قال : وأما الظفر فلو كان المراد به ظفر الإنسان لقال فيه ما قال في السن ، لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة وهو لا يقوي فيكون في معنى الخنق . قوله : ( فأحسنوا القتلة ) بكسر القاف وهي الهيئة والحالة . قوله : ( فأحسنوا الذبح ) قال النووي في شرح مسلم : وقع في كثير من النسخ أو أكثرها " فأحسنوا الذبح " بفتح الذال بغير هاء ، وفي بعضها " الذبحة " بكسر الذال وبالهاء كالقتلة وهي الهيئة والحالة . قوله : ( وليحد ) بضم الياء يقال : أحد السكين وحددها واستحدها بمعنى " وليرح ذبيحته " بإحداد السكين وتعجيل إمرارها وغير ذلك .

                                                                                                                                            قوله : ( وأن توارى عن البهائم ) قال النووي : يستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى ولا يجرها إلى مذبحها . قوله : ( فليجهز ) بالجيم والزاي : أي يسرع في الذبح قوله : ( واللبة ) هي المنحر من البهائم وهي بفتح اللام وتشديد الموحدة قوله : ( ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق ) بزاي : أي لا تشرعوا في شيء من الأعمال المتعلقة بالذبيحة قبل أن تموت .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية