الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ تعريف العزيز ] : ( فإن عليه ) ; أي : المروي من طريق إمام يجمع حديثه ، ( يتبع ) راويه ، ( من واحد ) فقط ، ( و ) كذا من ( اثنين فـ ) ـهو كما قال ابن الصلاح تبعا لابن منده : النوع الذي يقال له : ( العزيز ) . وسمي بذلك إما لقلة وجوده ; لأنه يقال : عز الشيء يعز ، بكسر العين في المضارع ، عزا وعزازة ; إذا قل بحيث لا يكاد يوجد ، وإما لكونه قوي واشتد بمجيئه من طريق آخر ، من قولهم : عز يعز ، بفتح العين في المضارع ، عزا وعزازة أيضا ; إذا اشتد وقوي . ومنه قوله تعالى : ( فعززنا بثالث ) [ يس : 145 ] ; أي : قوينا وشددنا . وجمع العزيز عزاز ، مثل : كريم وكرام ; كما قال الشاعر :

بيض الوجوه ألبة ومعاقل في كل نائبة عزاز الأنفس

[ ص: 8 ] ثم هو ظاهر في الاكتفاء بوجود ذلك في طبقة واحدة ، بحيث لا يمتنع أن يكون في غيرها من طباقه غريبا ، بأن ينفرد به راو آخر عن شيخه ، بل ولا يكون مشهورا لاجتماع ثلاثة فأكثر على روايته في بعض طباقه أيضا . ومشى على ذلك شيخنا ; حيث وصف حديث شعبة عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر مرفوعا : ( أمرت أن أقاتل الناس ) ، بأنه غريب ; لتفرد شعبة به عن واقد ، ثم لتفرد أبي غسان المسمعي به عن عبد الملك بن الصباح راويه ، عن شعبة . وعزيز ; لتفرد حرمي بن عمارة وعبد الملك بن الصباح به عن شعبة ، ثم لتفرد عبد الله بن محمد المسندي وإبراهيم بن محمد بن عرعرة به عن حرمي .

وسبقه لنحوه ابن الصلاح ; حيث مثل للمشهور بحديث : ( الأعمال بالنيات ) ، مع كون أول سنده فردا ، والشهرة إنما طرأت له من عند يحيى بن سعيد . بل قال في الغريب عن هذا الحديث : إنه غريب مشهور ، وذلك بوجهين واعتبارين .

وقال أبو نعيم في حديث سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن الحنفية ، عن علي رفعه : ( مفتاح الصلاة التكبير ) : إنه مشهور ، لا نعرفه إلا من حديث ابن عقيل . فقال شيخنا : إن مراده أنه مشهور من حديث ابن عقيل . فهذه الشهرة النسبية نظير الغرابة النسبية في قوله فيما ينفرد به الراوي عن شيخه : غريب . وإنما المراد أنه فرد عن ذلك الشيخ من رواية هذا بخصوصه عنه ، مع أن الشيخ قد يكون توبع عليه عن شيخه .

وعلى هذا فيخرج الحكم على حديث الأعمال بأنه فرد في أوله ، مشهور في آخره ، يريد أنه اشتهر عمن انفرد به ، فهي شهرة نسبية لا مطلقة . وعلى هذا مشى بعض المتأخرين ممن أخذت عنه ، فعرف العزيز اصطلاحا : بأنه الذي يكون في طبقة من طباقه راويان فقط . ولكن لم يمش شيخنا في [ ص: 9 ] توضيح النخبة على هذا ; فإنه وإن خصه بوروده من طريق راويين فقط ، عنى به كونه كذلك في جميع طباقه ، وقال مع ذلك : إن مراده أن لا يرد بأقل منهما ، فإن ورد بأكثر في بعض المواضع من السند الواحد لا يضر ; إذ الأقل في هذا يقضي على الأكثر .

وإذا تقرر هذا فما كانت العزة فيه بالنسبة لراو واحد انفرد راويان عنه يقيد فيقال : عزيز من حديث فلان . وأما عند الإطلاق فينصرف لما أكثر طباقه كذلك ; لأن وجود سند على وتيرة واحدة برواية اثنين قد ادعى فيه ابن حبان عدم وجوده ، وكاد شيخنا أن يوافقه ; حيث قال : إنه يمكن أن يسلم بخلافه في الصورة التي قررناها ، وهي أن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين ، يعني كما حرره هو فإنه موجود . مثاله ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس ، والبخاري فقط من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ) الحديث .

ورواه عن أنس كما في الصحيحين أيضا قتادة وعبد العزيز بن صهيب . ورواه عن قتادة شعبة كما في الصحيحين وسعيد على ما يحرر ; فإني قلدت شيخنا فيه مع وقوفي عليه بعد الفحص . ورواه عن عبد العزيز إسماعيل ابن علية كما في الصحيحين ، وعبد الوارث بن سعيد كما في مسلم ، ورواه عن كل جماعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية