الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ولا تصح الجمعة إلا في أبنية [ مجتمعة ] يستوطنها من تنعقد بهم الجمعة ، من بلد أو قرية ; لأنه لم تقم الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في أيام الخلفاء إلا في بلد أو قرية ، ولم ينقل أنها أقيمت في بدو ، فإن خرج أهل البلد إلى خارج البلد فصلوا لم يجز ; لأنه ليس بوطن فلم تصح فيه الجمعة كالبدو وإن انهدم البلد فأقام أهله على عمارته فحضرت الجمعة لزمهم إقامتها ; لأنهم في موضع الاستيطان ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : يشترط لصحة الجمعة أن تقام في أبنية مجتمعة يستوطنها شتاء أو صيفا من تنعقد بهم الجمعة ، قال الشافعي والأصحاب : سواء كان البناء من أحجار أو أخشاب أو طين أو قصب أو سعف أو غيرها ، وسواء فيه البلاد الكبار ذوات الأسواق والقرى الصغار ، والأسراب المتخذة وطنا ، فإن كانت الأبنية متفرقة لم تصح الجمعة فيها بلا خلاف ; لأنها لا تعد قرية ، ويرجع في الاجتماع والتفرق إلى العرف ، وقد أهمل المصنف اشتراط كونها مجتمعة مع أنه ذكره في التنبيه واتفقوا عليه .

                                      وأما أهل الخيام فإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاء أو صيفا لم [ ص: 368 ] تصح الجمعة فيها بلا خلاف ، وإن كانوا دائمين فيها شتاء وصيفا وهي مجتمعة بعضها إلى بعض فقولان ، حكاهما القاضي أبو الطيب في تعليقه ، وابن الصباغ والمتولي وصاحب العدة والشاشي وآخرون ( أصحهما ) باتفاق الأصحاب : لا تجب عليهم الجمعة ولا تصح منهم ، وبه قطع الأكثرون ، وبه قال مالك وأبو حنيفة ( والثاني ) : تجب عليهم وتصح منهم ، نص عليه في البويطي والله أعلم .

                                      قال أصحابنا : ولا يشترط إقامتها في مسجد ، ولكن تجوز في ساحة مكشوفة بشرط أن تكون داخلة في القرية أو البلدة معدودة من خطتها ، فلو صلوها خارج البلد لم تصح بلا خلاف ، سواء كان بقرب البلد أو بعيدا منه ، سواء صلوها في كن أم ساحة ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { صلوا كما رأيتموني أصلي } ولم يصل هكذا ، ولو انهدمت أبنية القرية أو البلدة فأقام أهلها على عمارتها لزمتهم الجمعة فيها سواء كانوا في سقائف ومظال أم لا ; لأنه محل الاستيطان نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب ، قال القاضي أبو الطيب : ولا يتصور انعقاد الجمعة عند الشافعي في غير بناء إلا في هذه المسألة .




                                      الخدمات العلمية