الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عظم فساد التركمان بطريق خراسان من أعمال العراق ، وقد كانوا قبل ذلك ينهبون الأموال ، ويقطعون الطريق ، إلا أنهم عندهم مراقبة .

فلما كانت هذه السنة اطرحوا المراقبة ، وعملوا الأعمال الشنيعة ، فاستعمل إيلغازي بن أرتق ، وهو شحنة العراق ، على ذلك البلد ابن أخيه بلك بن بهرام بن أرتق ، وأمره بحفظه وحياطته ، ومنع الفساد عنه ، فقام في ذلك القيام المرضي ، وحمى البلاد ، وكف الأيدي المتطاولة ، وسار بلك إلى حصن خانيجار ، وهو من أعمال سرخاب بن بدر ، فحصره وملكه .

وفيها ، في شعبان ، جعل السلطان محمد قسيم الدولة سنقر البرسقي شحنة [ ص: 514 ] بالعراق ، وكان موصوفا بالخير ، والدين ، وحسن العهد ، لم يفارق محمدا في حروبه كلها .

وفيها أقطع السلطان محمد الكوفة للأمير قايماز ، وأوصى صدقة أن يحمي أصحابه من خفاجة ، فأجاب إلى ذلك .

وفيها ، في شهر رمضان ، وصل السلطان محمد إلى أصبهان ، فأمن أهلها ووثقوا بزوال ما كان يشملهم من الخبط ، والعسف ، والمصادرة ، وشتان بين خروجه منها هاربا متخفيا ، وعوده إليها متمكنا ، وعدل في أهلها ، وأزال عنهم ما يكرهون ، وكف الأيدي المتطرقة إليهم من الجند وغيرهم ، فصارت كلمة العامي أقوى من كلمة الجندي ، ويد الجندي قاصرة عن العامي من هيبة السلطان وعدله .

وفيها كثر الجدري في كثير من البلدان ، ولا سيما العراق ، فإنه كان به كله ، ومات به من الصبيان ما لا يحصى ، وتبعه وباء كثير ، وموت عظيم .

وتوفي في هذه السنة ، في شوال ، أحمد بن محمد بن أحمد أبو علي البرداني ، الحافظ ، ومولده سنة ست وعشرين وأربعمائة ، سمع ابن غيلان ، والبرمكي ، والعشاري وغيرهم .

وتوفي أبو المعالي ثابت بن بندار بن إبراهيم البقال ، ومولده سنة ست عشرة وأربعمائة ، سمع أبا بكر البرقاني ، وأبا علي بن شاذان ، وكانت وفاته في جمادى الآخرة من هذه السنة .

[ ص: 515 ] وفي رابع جمادى الأولى توفي أبو الحسن محمد بن علي بن أبي الصقر ، الفقيه الشافعي ، ومولده سنة تسع وأربعمائة ، وكان أديبا ، شاعرا ، فمن قوله :


من قال لي جاه ، ولي حشمة ، ولي قبول عند مولانا     ولم يعد ذاك بنفع على
صديقه ، لا كان من كانا



وفيها أيضا توفي أبو نصر ابن أخت ابن الموصلايا ، وكان كاتبا للخليفة جيد الكتابة ، وكان عمره سبعين سنة ، ولم يخلف وارثا لأنه أسلم ، وأهله نصارى ، فلم يرثوه ، وكان يبخل ، إلا أنه كان كثير الصدقة ، وأبو المؤيد عيسى بن عبد الله بن القاسم الغزنوي ، كان واعظا ، شاعرا ، كاتبا ، قدم بغداذ ، ووعظ بها ، ونصر مذهب الأشعري ، وكان له قبول عظيم ، وخرج منها ، فمات بإسفرايين .

التالي السابق


الخدمات العلمية