الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2662 [ 1531 ] وعن جابر قال: تزوجت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر نحو ما تقدم، وزاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تنكح المرأة على دينها، وجمالها، ومالها، فعليك بذات الدين تربت يداك".

                                                                                              رواه مسلم (715) (54).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها ) أي: هذه الأربع الخصال هي المرغبة في نكاح المرأة. وهي التي يقصدها الرجال من النساء. فهو خبر عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمر بذلك. وظاهره إباحة النكاح؛ لقصد مجموع هذه الخصال أو لواحدة منها، لكن قصد الدين أولى وأهم؛ ولذلك قال: ( فاظفر بذات الدين تربت يمينك ).

                                                                                              و ( الحسب ) هنا: الشرف، [ ص: 216 ] والرفعة. وأصله من الحساب؟ الذي هو العدد، وذلك أن الشريف يعد لنفسه ولآبائه مآثر جميلة وخصالا شريفة. والحسب - بسكون السين -: المصدر، وبفتحها: الاسم. كالنقض، والنقض، والقبض، والقبض. وقد يراد بالحسب: قرابة الرجل، وأهله، وذريته؛ كما جاء في وفد هوازن ؛ إذ قيل لهم: اختاروا، إما المال، وإما السبي. فقالوا: إنا نختار الحسب. فاختاروا أبناءهم ونساءهم. وقد تقدم القول على: ( تربت يداك ).

                                                                                              ولا يظن من هذا الحديث أن مجموع هذه الأربع والمساواة فيها هي الكفاءة، فإن ذلك لم يقل به أحد من العلماء فيما علمت، وإن كانوا قد اختلفوا في الكفاءة ما هي ؟

                                                                                              فعند مالك : الكفاءة في الدين. فالمسلمون بعضهم لبعض أكفاء، والمولى كفؤ للقرشية. وروى مثله عمر ، وابن مسعود ، وجماعة من الصحابة والتابعين.

                                                                                              وقال غيره: الكفاءة معتبرة في الحال والحسب. فعند أبي حنيفة : قريش كلهم أكفاء، وليس غيرهم من العرب لهم بكفؤ. والعرب بعضهم لبعض أكفاء، وليس الموالي لهم بأكفاء. ومن له من الموالي آباء في الإسلام؛ فبعضهم لبعض أكفاء، وليس المعتق نفسه لهم بكفؤ.

                                                                                              وقال الثوري : يفرق بين العربية والمولى، وشدد في ذلك، وقاله أحمد . قال الخطابي : الكفاءة في قول أكثر العلماء في [ ص: 217 ] أربعة: في الدين، والنسب، والحرية، والصناعة. واعتبر بعضهم السلامة من العيوب. والكل منهم متفقون: على أنه لا يعتبر في الكفاءة المساواة فيما يعد كفاءة، بل يكفي أن يكونا ممن ينطلق عليها اسم ذلك المعنى المعتبر في الكفاءة. فالمفضول كفؤ للأفضل، والمشروف كفؤ للأشرف؛ لأنهما قد اشتركا في أصل ذلك المعنى.

                                                                                              وقد استدل أصحابنا بهذا الحديث: على أن للزوج حق الاستمتاع والتجمل بمال الزوجة. ووجه ذلك: أنها إذا كانت ذات مال رغب الزوج فيها ووسع في المهر لأجل المال، وبذل لها من ذلك أكثر مما يبذل للفقيرة. وقد سوغ الشرع هذا القصد، فلا بد له من أثر ومقابل، لا جائز أن يكون عين مالها بالاتفاق، فلم يبق إلا أن يكون الاستمتاع، والتجمل به، وكفاية كثير من المؤن. وينبني على ذلك: أنها تمنع من تفويت مالها كله لأجل حق الزوج.

                                                                                              وقد شهد بصحة هذا الاعتبار قوله صلى الله عليه وسلم فيما خرجه النسائي من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة أن تقضي في ذي بال من مالها إلا بإذن زوجها). قال الإمام أبو عبد الله : وفي ظاهر هذا حجة لقولنا: إن المرأة إذا رفع لها الزوج في الصداق ليسارها، ولأنها تسوق إلى بيته من الجهاز ما جرت عادة أمثالها به، وجاء الأمر بخلافه، فإن للزوج مقالا في ذلك، ويحط عنه من الصداق الزيادة التي زادها [ ص: 218 ] لأجل الجهاز على الأصح عندنا، على أصلنا؛ إذ قد كان المقصود من الجهاز في حكم التبع لاستباحة البضع، كمن اشترى سلعتين، فاستحق الأدنى منهما، فإنه إنما ينقض البيع في قدر المستحقة خاصة.

                                                                                              قال القاضي : وإذا تقرر: أن للزوج حق الاستمتاع؛ فإن مكنته من ذلك؛ أي: من الاستمتاع بالجهاز، وطابت نفسها به كان له ذلك، وإن منعته، فله مقدار ما بذل من الصداق. وعلى هذا في إجبارها على التجهيز بصداقها. فألزمها ذلك مالك ، ولم يجز لها منه قضاء دين، ولا نفقة في غير جهازها؛ إلا أن تنفق اليسير من الكثير. وقال الكوفيون: لا تجبر على شيء، وهو مالها، تفعل فيه ما تشاء، والله أعلم.




                                                                                              الخدمات العلمية